مجدي الورفلي من تونس: مازالت تونس تحت صدمة تصنيفها من طرف وزراء المالية لدول الإتحاد الأوروبي كملاذ ضريبي في إطار قائمة سوداء تضمّ 17 بلدا من بينها تونس التي تعيش تحت وقع أزمة إقتصادية منذ سقوط نظام بن علي في 2011، إذ يجمع خبراء في الإقتصاد ان تصنيف الإتحاد الاوروبي لتونس كملاذ ضريبي ستكون له تداعيات سلبية جدا بإعتبار ان الإتحاد الأوروبي يستأثر بأكبر نسبة من المبادلات الإقتصادية لتونس.

ومنذ الإعلان عن "التصنيف الكارثي"، تحاول السلطات في تونس جاهدة على عديد المستويات إقناع الإتحاد الأوروبي لمراجعة القائمة السوداء التي نشرت ببروكسل في 5 ديسمبر وحذف تونس منها، بعد أن تم حشرها فيها مع دول أخرى كبنما والبحرين والامارات.

وفد برلماني يتحرّك

بداية الأسبوع الجاري، توجه وفد برلماني تونسي متكون من 8 نواب الى "ستراسبورغ" بتكليف من رئيس البرلمان محمد الناصر في إطار محاولات الإقناع بالتراجع عن تصنيف تونس في القائمة السوداء للملاذات الضريبية.

ووفق ما اكده الناطق الرسمي للبرلمان محمد بنصوف لـ"إيلاف"، فإنّ الوفد سيسعى بكل الطرق لإقناع مفوضية الإتحاد الاوروبي بالضغط على وزراء مالية الإتحاد للتراجع عن ادراج تونس ضمن القائمة السوداء ولتبليغ موقف رئيس البرلمان واستيائه من هذا التصنيف.

وكان رئيس البرلمان التونسي اعلن نهاية الأسبوع الماضي انه حمّل الوفد "رسالة إستياء واستغراب إلى البرلمان الأوروبي بخصوص تصنيف تونس كدولة غير متعاونة ضريبيا"، والذي اعتبره "لا يتماشى مع حجم التعاون والشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي".

وتم الإعلان عن إدراج تونس من طرف الإتحاد الأوروبي في القائمة السوداء لبلدان التهرّب الجبائي بالتزامن مع مناقشة البرلمان التونسي لمشروع قانون المالية وموازنة 2018 الذي اثار بدوره جدلا داخليّا.

صادق البرلمان السبت الماضي على قانون المالية لسنة 2018 بأغلبية 134 صوتاً، في حين رفض 21 نائبا التصويت لصالحه فيما إحتفظ 12 نائبا بأصواتهم.

ويُعرّف الملاذ الضريبي بكونه "دولة تمنح الشركات الأجنبية أقل معدل ممكن من الضرائب، ولا تقوم تلك الدول بتبادل المعلومات الضريبية مع البلدان الأصلية للشركات الأجنبية أو في أقصى الحالات فإن التبادل يكون محدودًا".

السبسي يطلب من ماكرون التدخلّ

الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عقد الإثنين جلسة عمل مع الرئيس الفرنسي ماكرون بقصر الاليزيه بباريس.

أعلنت الرئاسة التونسية في بيان اطلعت "إيلاف" على نسخة منها ان السبسي "دعا ماكرون لدعم جهود تونس لمراجعة قائمة الدول غير المتعاونة مع الاتحاد الاوروبي في مجال الحوكمة الضريبية والتخلي عن تصنيف تونس كملاذ ضريبي".

الرئيس السبسي طرح على الرئيس الفرنسي مشكلة التصنيف الذي ستكون له تداعيات اقتصادية وخيمة على تونس

كما أكدت ان السبسي أبدى استغرابه من ادراج تونس في هذه القائمة خلال عرض المعضلة على الرئيس الفرنسي معتبرًا أن هذا القرار "جائر ولا يعكس عمق العلاقات التونسية الاوروبية والإصلاحات المتواصلة التي تعتمدها تونس". 

من جانبه، وعد الرئيس الفرنسي ببذل كل الجهود للمساعدة على مراجعة القائمة الأوروبية للدول غير المتعاونة في مجال الحوكمة الرشيدة والشفافية المالية في القريب العاجل وأعرب عن رغبته في ان تتمكن تونس من الخروج سريعًا من لائحة الاتحاد الاوروبي السوداء للجنات الضريبية.
ومن المنتظر ان يؤدي الرئيس الفرنسي ماكرون زيارة رسمية الى تونس في مطلع 2018.

تطمينات

مساء الإثنين، أعلنت رئاسة الحكومة التونسية عن وجود تطمينات جديدة بالتسريع في رفع إدراج تونس بالقائمة السوداء للدول المصنفة كجنات ضريبية من قبل الاتحاد الاوروبي في أقرب الأجال.

ووفق بلاغ مقتضب صادر عن رئاسة الحكومة، تلقت "إيلاف" نسخة منه، فالتطمينات بالتخلي عن تصنيف تونس كملاذ ضريبي وردت في مكالمة هاتفية جمعت رئيس المفوضية الأوروبية "جون كلود جونكر" ورئيس الحكومة يوسف الشاهد وقد ابدى خلالها جونكر استعداد المفوضية الاوروبية لمراجعة هذا التصنيف.

يذكر ان سفير الاتحاد الأوروبي بتونس "باتريس برغميني" كان قد اعلن في وقت سابق أنه التقى جميع سفراء الاتحاد الأوروبي لمناقشة هذا التصنيف.

تجدر الإشارة الى ان تونس أمضت الإثنين مع الاتحاد الأرووبي اتفاقية "السماوات المفتوحة".

الحكومة ستوضح

رئيس الحكومة يوسف الشاهد قال في تعليقه على تصنيف الإتحاد الأوروبي لتونس كملاذ ضريبي "ان تونس ليست ملاذا ضريبيا وهو امر معلوم لدى الكل... واستغربنا اولا من هذا التصنيف الذي لا يعبر عن واقع الاقتصاد التونسي بتاتا".

واكد الشاهد ان الاتحاد الاوروبي شريك استراتيجي مهم للبلاد، وستكثف الحكومة الاتصالات معه لتوضيح وتفسير الوضعية، إذ سيتحول وفد تونسي الى بروكسيل لتفسير الوضع وحقيقة الاقتصاد التونسي الذي لا يمكن مقارنته باقتصادات دول أخرى، فهو اقتصاد مبني منذ ثلاثين سنة على التصدير الذي يوفّر آلاف مواطن الشغل، وفق تعبيره.

واردف موضحًا "المسألة تبقى في تحقيق التلاقي على مستوى الجباية للنظام المقيم وغير المقيم، والتي بذلت فيها تونس ايضا جهودا معتبرة بيد انه يتعين مراعاة وضع الاقتصاد التونسي، وهو ما سنعمل على تفسيره لشركائنا في الاتحاد الاوروبي ونامل في ان نجد كل التوافق والتفهم".

واضاف: "الاقتصاد التونسي مبني على التصدير الحقيقي والفعلي الذي خلق موطن شغل منذ قانون سنة 1972 بما يزيد عن 400 الف موطن شغل توفرها المؤسسات المصدرة كليا وهو ما يمثل ثلثي النسيج الصناعي وهو جانب هام لا يمكننا الاستغناء عنه".

وتتيح تونس منذ سنة 1972 للشركات الموجودة على أراضيها والتي تصدّر منتوجاتها كليا الى الخارج، إعفاءات جبائية وإمتيازات كبرى لتشجيع الشركات على إعتماد تونس كقاعدة لإنتاجها مما يوفّر آلاف مواطن الشغل في البلاد.

التداعيات

الخبير الإقتصادي حسين الديماسي أوضح لـ"إيلاف"، ان الإتحاد الأوروبي وجه في السنوات الماضية تقارير ومؤاخذات لتونس بخصوص مخالفتها لمنظومة مقاومة التهرب الجبائي الدولي والوضع الجبائي في تونس الذي لا يستجيب للمعايير الدولية خاصة في علاقتها بالإمتيازات الجبائية التي تتمتع بها الشركات المصدّرة كليا، ولكن وقع التغافل عن تلك الملاحظات من طرف الدولة مما انتج تصنيف الإتحاد الأوروبي لتونس كملاذ ضريبي.

تصنيف الإتحاد الأوروبي لتونس كملاذ ضريبي وفق الخبير الإقتصادي ستكون له إنعكاسات سلبية وخسائر كبيرة على الإقتصاد التونسي من خلال تراجع الإستثمارات الموجهة لتونس ومراجعة كل إتفاقيات الشراكة المبرمة بين تونس والإتحاد الأوروبي، حتى تلك المتعلقة بالقروض والمساعدات والهبات التي أقر منحها لتونس.

كما تصل تداعيات التصنيف المثير للإستياء في تونس وفق الديماسي، الى شلل على مستوى الديبلوماسية الإقتصادية التي تعمل على إستقطاب الإستثمار لتونس، فالمنتديات العالمية الإقتصادية التي تعول عليها تونس كثيرا لن تكون مفتوحة لدول مصنفة من طرف الإتحاد الأوروبي كبلدان غير متعاونة ضريبيًا او جنات ضريبية.

الحلّ في تبسيط الإجراءات

الخبير الإقتصادي حسين الديماسي لخّص خلال حديثه لـ"إيلاف" الحلّ للخروج من تصنيف الإتحاد الأوروبي لتونس كملاذ ضريبي في تبسيط الإجراءات والقوانين المتعلّقة بالمنظومة الجبائية وتعديلها في إتجاه جعلها تتماشى مع المعايير الدولية في مجال الجباية وتكريس الشفافية والعدالة الجبائية.

تجدر الإشارة الى أن الحكومة التونسية تواجه إنتقادات داخلية خاصة من طرف إتحاد الشغل (المركزية النقابية) بخصوص التهرّب الجبائي للمؤسسات الإقتصادية وأصحاب المهن الحرّة. إذ تؤكد المنظمة العمالية ذات التأثير القوي، ان 70 بالمائة من الموارد الجبائية مصدرها الموظفون في القطاعين العام والخاصّ، بإعتبار ان الحكومة تقتطع مساهماتهم الجبائية مباشرة.