باريس: بعد 15 عاما من اعتماد العملة الموحدة، عاد النقاش في بروكسل والعواصم الاوروبية حول الاجراءات الواجب اتخاذها لتحسين اداء منطقة اليورو.

وتسعى بروكسل والدول الاعضاء مع تحسن الاوضاع الاقتصادية، الى استخلاص العبر من التقلبات المالية التي كانت أوصلت اليونان الى حافة الخروج من منطقة اليورو واثارت شكوكا حول لحمة هذا الاتحاد النقدي الذي يضم اليوم 19 دولة من الدول ال 28 الاعضاء في الاتحاد الاوروبي.

كما سيتعين على المؤسسات مواجهة ضعف حماسة قسم من المواطنين القلقين من آثار العولمة والنازعين الى الانكفاء الى فضاءاتهم الوطنية.

وبينت تجرية البريكست ان شعبا ما يمكنه تماما ان يقطع مع التزامه الاوروبي اذا كان هذا الالتزام لا يرضيه.

وكثف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يريد تجسيد مشروع اوروبي جديد، في الاشهر الاخيرة، من خطاباته الداعية الى اصلاحات سواء في الاتحاد الاوروبي او منطقة اليورو.

وقال في ايلول/سبتمبر 2017 "ان رهاننا في قلب منطقة اليورو، هو ان نعرف كيف نجعل من هذه المنطقة قوة اقتصادية منافسة للصين والولايات المتحدة، وكيف نحل ما فشلنا فيه منذ عشر سنوات وهو احداث فرص عمل".

وبحسب ارقام البنك الدولي فان الناتج الاجمالي لمنطقة اليورو يبلغ 11 الفا و934 مليار دولار في 2016 وهو مشابه للناتج الاجمالي للصين (11199 مليار دولار) لكنه بعيد عن ناتج الولايات المتحدة (18624 مليار دولار).

غير ان فكرة اصلاح منطقة اليورو تثير نقاشات متوترة بين الدول المعنية.

فدول الشمال على غرار هولندا والمانيا، القوة الاقتصادية الاوروبية الاولى، تبدو مترددة في مشاركة ثرواتها مع دول الجنوب على غرار فرنسا ايطاليا واسبانيا التي تعتبر ان سياساتها في مجال الميزانية ليست حازمة كفاية.

وتفضل هذه الدول التركيز على اصلاحات تقنية تهدف اساسا الى ضمان احترام افضل لقواعد ميثاق الاستقرار الاوروبي (عجز عام دون 3 بالمئة من الناتج الاجمالي، ودين عام دون 60 بالمئة من الناتج) وتعتبر ذلك افضل حماية من أزمات مالية في المستقبل.

وتحاول المفوضية الاوروبية التوصل الى تسوية واقترحت في 6 كانون الاول/ديسمبر حزمة اجراءات تشمل خصوصا احداث صندوق نقد اوروبي وارساء وزارة مالية لمنطقة اليورو.

واثر قمة 15 كانون الاول/ديسمبر الاوروبية لم تغلق المستشارة الالمانية التي تخوض مفاوضات تشكيل حكومتها، الباب امام بحث مقترحات الرئيس الفرنسي.

وقالت "سنتوصل الى حل مشترك لان ذلك ضروري لاوروبا" مشددة على انه "حين نتحلى بالارادة، نستطيع" القيام بذلك.

-ميزانية لمنطقة اليورو؟-
يريد الرئيس الفرنسي ان يكون بطل الميزانية المستقبلية لمنطقة اليورو التي يريدها مهمة وتمثل "عدة نقاط من الناتج الاجمالي" لمنطقة اليورو.

ويمكن ان تمول هذه الميزانية من خلال "رسوم اوروبية في المجال الرقمي او البيئي" وذلك قبل اعتماد ضريبة على الشركات لاحقا.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2017 ابدى "عدد مهم" من وزراء مالية دول منطقة اليورو تأييدهم لميزانية تستخدم ك "اداة استقرار" في حالة حصول حدث يؤثر بشدة على اقتصاد دولة عضو في منطقة اليورو دون ان يمس باقي الاعضاء (مثل فيضانات كارثية).

بيد ان رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر يرى ان اعتماد "خط ميزانية مهم" ضمن ميزانية الاتحاد الاوروبي سيكون ملائما اكثر.

والتساؤل الرئيسي يظل عن موقف المانيا والذي سيرتهن الى حد كبير الى شريك ميركل في الحكم.

والاشتراكيون الديموقراطيون يؤيدون مقترحات الرئيس الفرنسي بشأن ارساء ميزانية وايضا احداث وزير مالية لمنطقة اليورو.

كما ان حزب ميركل المحافظ لم يغلق تماما الباب امام مقترح ميزانية لكنه ينتظر تفاصيل كيفية تمويلها ومجالات استخدامها.

ولا ترفض ميركل فكرة وزير مالية اوروبي لكنها ترى ان دوره يجب ان يكون تطبيق اكثر نجاعة لقواعد مراقبة العجز والدين.

-نحو انشاء صندوق نقد اوروبي-
بعد التجاذب بين صندوق النقد الدولي ودول منطقة اليورو بشأن ادارة الازمة اليونانية، اقتنعت الدول الاوروبية وضمنها المانيا، شيئا فشيئا بضرورة تدبير امرهم منفردين في المستقبل وبالتالي احداث صندوق نقد اوروبي.

وسيشكل هذا الصندوق انطلاقا من الالية الاوروبية للاستقرار التي احدثت في 2012 بعد ازمة الديون في منطقة اليورو للتمكن من مساعدة دول تعاني صعوبات مالية وتقديم قروض لها.

وقدمت المفوضية الاوروبية في 6 كانون الاول/ديسمبر 2017 مشروع صندوق نقد اوروبي يكون "هيكلا مشتركا" و"مسؤولا امام البرلمان الاوروبي" وتكون لديه ذات القدرة النظرية للاقراض اي نحو 500 مليار يورو.

لكن المانيا تبدي قلقا من تراجع نفوذها في الهيكل الجديد. فهي تحظى حاليا ضمن آلية الاستقرار بحقوق تصويت مساوية لمساهمتها في التمويل (27 بالمئة) ما يمنحها نفوذا يفوق نفوذها في المؤسسات المشتركة.

ويمكن ان يمنح صندوق النقد الاوروبي المستقبلي دور الضامن للبنوك التي تعاني صعوبات في منطقة اليورو في حال لم تكن الاجراءات المقررة في اطار الاتحاد البنكي الجاري تشكيله، كافية.

ومن بين كافة مشاريع منطقة اليورو يبدو مشروع الاتحاد البنكي الذي اطلق في 2014 الاقرب للتجسد. وهو يقوم على جعل بنوك منطقة اليورو اكثر متانة وتفادي استغلال اموال دافعي الضرائب في انقاذ بنوك تعاني صعوبات كما حدث اثناء الازمة.

وتم حتى الان ارساء اساسين من الاسس الثلاثة المقررة. الاول يشمل الاشراف على البنوك والثاني مساعدة عند الحاجة للبنوك التي تعاني صعوبات بمال مصدره القطاع البنكي.

في المقابل فان الاساس الثالث المتمثل في طمانة حرفاء البنوك بفضل ضمان اوروبي للاموال المودعة، يبدو اصعب في التحقيق.

وبعد ان عرضت المفوضية الاوروبية مشروعا اول في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، عرضت في تشرين الاول/اكتوبر 2017 مشروعا اقل طموحا بامل تجاوز تردد المانيا التي لا تزال قلقة من ان يتحمل المدخرون الالمان صعوبات بنوك دول جنوب اوروبا التي تعتبر انها تدار بشكل سيء.

-منافسة ضريبية مدمرة-
وحتى ان توصلت دول منطقة اليورو الى التقدم على درب هذه الاصلاحات، فلا تزال هناك ملفات مهمة على طاولة المفاوضات مثل التناغم الضريبي الذي يشمل كافة اعضاء الاتحاد الاوروبي ال 28.

ويتركز النقاش على الضريبة على الشركات مع تنامي وعي خبراء الاقتصاد والقادة السياسيين بالاثار السيئة للمنافسة الضريبية المحتدمة في اتحاد تتحرك في الرساميل والافراد والسلع بشكل حر.

وبين 1995 و2016 فقد متوسط نسبة الضريبة على الشركات في الاتحاد الاوروبي 14 نقطة اي تراجع بنسبة 33 بالمئة، بحسب دراسة لمرصد السياسات الاقتصادية في اوروبا بجامعة ستراسبورغ.

ويتركز الجدل خصوصا حول كبريات شركات الاقتصاد الرقمي الاميركية (غوغل وآبل وفيسبوك وامازون).

وتركز هذه الشركات ارباحها في فروع لها في الدول الاقل لجهة نسبة الضريبة مثل ايرلندا ولوكسمبورغ رغم انها تكسب معظم ارقام معاملاتها من باقي دول الاتحاد الاوروبي.

وبحسب المفوضية الاوروبية فان النسبة الحقيقية للضريبة على الربح لهذه الشركات في الاتحاد الاوروبي هي 9 بالمئة فقط في حين تفوق هذه النسبة بالنسبة للشركات التقليدية 20 بالمئة.

غير ان المنافسة الضريبية تؤثر ايضا على الاقتصاد التقليدي كما اظهرته اجراءات بداتها بروكسل في 18 كانون الاول/ديسمبر ضد ايكيا. ويشتبه في ان هذه الشركة السويدية العملاقة استفادت من امتيازات لا تستحقها في هولندا حيث تحسب الضرائب "بحساب كل زبون" وعبر التفاوض بين الشركة وادارة الضرائب. وكانت شركات اخرى من الاقتصاد التقليدي تعرضت لمحاسبة المفوضية الاوروبية في السابق منها ستاربكس في هولاندا وفيات في لوكسمبورغ.

وفي تشرين الاول/اكتوبر 2016 اعادت المفوضية الاوروبية اطلاق مشروع يستهدف ارساء قواعد موحدة لحساب الارباح لدى الشركات.

ومع هذا النظام الذي سيكون اجباريا للشركات التي يفوق رقم معاملاتها 750 مليون يورو، تبقى الدول حرة في تحديد نسبة الضريبة لكن يتعين ان تحدد جميعها بالطريقة ذاتها احتساب قاعدة الضريبة.

ولن يكون هناك الا مكان واحد لدفع الضريبة لكن عائدها يقسم لاحقا بين كافة الدول التي تنشط فيها الشركة بحسب مستوى نشاطها في كل دولة بدلا من ان يكون بحسب نتائج فروعها.

ولازال من المتعين ان تؤيد الدول الاعضاء والبرلمان الاوروبي هذا المشروع. لكن داخل الاتحاد عادة ما يكون كل اصلاح ضريبي صعبا لانه يحتاج الى اجماع الدول الاعضاء ال 28.