ست مصريات أدرن ظهورهن للعادات والتقاليد، بعدما أجبرهن شظف العيش على امتهان مهن احتكرها الرجال طويلًا، كصيانة السيارات والحدادة والسباكة والحلاقة الرجالية والدهان.

إيلاف من القاهرة: أصبح اسم لقاء الخولي (21 عامًا) ملء السمع والبصر، بعدما تحدت العادات والتقاليد، وأصبحت أول وأشهر "ميكانيكية" في مصر. كرّمها الرئيس عبد الفتاح السيسي أخيرًا في مؤتمر للشباب، ونالت تكريمًا آخر في لبنان، وحصلت على لقب أفضل فتاة عاملة في العالم العربي.

لقاء الجميلة أول ميكانيكية في مصر

لقاء الميكانيكية

لم تكن "لقاء" المصرية الوحيدة التي اقتحمت مهن الرجال الصعبة، بل هناك أخريات خضن مغامرات ناجحة في المهن الشاقة، منهن "الحاجة نادية" أو "المرأة الحديدية" التي تحترف مهنة الحدادة، و"نرمين" التي تحترف العمل في النقاشة وأعمال دهان الجدران والأبواب.&

&

لقاء تلقت تكريمًا من السيسي

لقاء تمارس مهنة لم تعتدها النساء

لقاء تمارس عملها في إصلاح السيارات

أما "أم باسم" فسيدة عجوز اخترقت مهنة "السباكة"، على الرغم من تقدمها في العمر، وتحترف "أم حسن" مسح الأحذية، بينما تعمل "سكر" أو "شوغر" في الحلاقة الرجالية، وتمتلك "عبير" محلًا في هذا المجال، وتوشك على توريث ابنتها تلك المهنة الرجالية.

أم باسم في محلها

واجهة محل أم باسم

أم باسم سباكة عجوز

بدأت فضولًا
في مصر كما في دول العالم، يحتكر الرجال مهنة إصلاح السيارات، لأنها مهنة شاقة تحتاج قوة بدنية، ويعاني صاحبها اتساخ ملابسه بشكل دائم، وتشبعها بالبنزين وزيوت التشحيم، وهو ما لا تفضله النساء. لكن لقاء مصطفى الخولي تغلبت على هذه الصعاب وعلى عادات وتقاليد الصعيد التي تحرم الفتاة من التعليم والعمل، واحترفت مهنة "الميكانيكي"، وصارت أشهر من "أسطوات" كثيرين في مصر.

منذ الصغر، كانت لقاء تذهب مع أبيها إلى ورشته الصغيرة لإصلاح السيارات في مدينة أسنا في محافظة قنا في الصعيد. وتعلمت منه سر الصنعة. بدأت المسألة فضولًا، ثم بدأت تساعده على العمل في الأمور البسيطة، مثل تركيب إطار السيارة، أو إمداده بالمفاتيح وأدوات الفك والتركيب.

أضافت لقاء لـ"إيلاف" أنها أحبت مهنة الميكانيكي كثيرًا، وبعدما أنهت دراستها وحصلت على دبلوم التجارة، تفرغت للعمل ساعات أطول، مشيرة إلى أنها لم تكتفِ بما تعلمته من والدها، بل أثقلت صنعتها بالدراسة ومتابعة تطور صناعة وصيانة السيارات عبر قراءة الكتب وتصفح مواقع الإنترنت المتخصصة في هذا المجال، كما تلقت دورات تدريبية في مراكز دولية متخصصة.

كرّموها
لفتت إلى أنها تحدت تقاليد المجتمع ونظرته الرافضة لخروج المرأة للعمل، بل اقتحمت مجالًا يحتكره الرجال، وهو إصلاح السيارات وصيانتها، منوهة بأنها تحظى بالكثير من احترام الناس في مصر الآن.

لقاء عمرها الآن 21 سنة، وتعمل في مهنة إصلاح وصيانة السيارات من سن العاشرة، واكتسبت شهرة واسعة في هذا المجال في مصر، وصارت هي المسؤولة عن ورشة والدها بعد وفاته منذ نحو شهرين، بل هي المسؤولة عن أسرتها التي ليس فيها ذكور.

عندما كرّمها السيسي في مؤتمر الشباب في مدينة أسوان في الشهر الماضي، شعرت بسعادة غامرة، لكن فرحتها كانت أيضًا ممزوجة بالحزن، إذ تمنت لو كان والدها إلى جوارها، لأنه صاحب الفضل في ما وصلت إليه من حب واحترام وتكريم.

لم يكن تكريم السيسي الأول في حياة "فتاة الميكانيكا"، بل سبق تكريمها في دول أخرى ومنها لبنان، وحصلت منه على جائزة أفضل فتاة عاملة في العالم العربي.

أول نقاشة&
نرمين ناجح أول امرأة مصرية تقتحم عالم البناء والتشييد الذي يحتاج رجالاً بقوة وبأس شديدين. تعمل نرمين في مهنة "النقاشة والدهانات"، وهي مهنة يحتكرها الرجال، ولم يسبقها فيها أحد من النساء في مصر. اضطرتها الظروف الاقتصادية الطاحنة إلى الخروج إلى ساحة العمل ومنافسة الرجال، من أجل توفير سبل المعيشة الكريمة، لأسرتها المكونة من زوج مريض وأربعة أطفال في مراحل التعليم المختلفة.

نرمين تحترف دهان الجدران والأسقف

نرمين ناجح نقاشة

وقالت لـ"إيلاف" إنها اضطرت للخروج إلى العمل، بعدما أصيب زوجها بمرض الربو، ولم يعد قادرًا على العمل في هذه المهنة، مشيرة إلى أنها تعلمتها خلال 15 يومًا، حتى لا تسأل الناس، لتوفير احتياجات أسرتها، ونفقات تعليم أطفالها.&

وأضافت أنها تقيم مع أسرتها في قرية عبد الله في محافظة الفيوم، ولا حرج لديها في الانتقال بين مختلف محافظات مصر سعيًا وراء لقمة العيش، مشيرةً إلى أنها في أحيان كثيرة تسافر إلى القاهرة للعمل، وقد تبقى خمسة أيام خارج منزلها، ثم تعود إلى القرية في محافظة الفيوم مرة أخرى.

ولفتت إلى أنها تحظى باحترام الجميع في مصر، بسبب إتقانها في "صنعتها"، موضحةً أنها تحترف مهنة "النقاشة" أي دهان الجدران والأسقف، و"الاستورجي" أي دهان الأبواب والشبابيك والأثاث المنزلي، وليس لها من الأماني سوى الحصول على شقة في القاهرة، حتى يمكنها الاستقرار والراحة من تعب السفر المستمر.

مرأة حديدية
تعرف نادية بديوي في محافظة الإسماعيلية باسم "المرأة الحديدية"، لأنها تمتهن العمل في "الحدادة"، وتصنع الأبواب والشبابيك والأثاث الحديدي المعروفة بـ"الفير فورجيه" و"الكريتال"، لكنها تفضل لقب "الحاجة نادية".

نادية تقطع الحديد

لم تكن تتمتع بأية خبرة في العمل في مجال تشكيل الحديد، وفجأة وجدت نفسها وحيدة بعد وفاة زوجها، وترك لها ورشة صغيرة لتصنيع وتشكيل الحديد، لكنها مدينة بالكثير من الأموال.

لم تجد نادية خيارًا من إدارة الورشة وتعلم "الصنعة"، وخلال&أشهر قليلة أصبح اسمها مدويًا في الإسماعيلية، واستطاعت تعويض خسائر الورشة، وتحقيق أرباح جيدة، مكنتها من توفير احتياجات أسرتها وتعليم أبنائها، وحصلوا جميعًا على شهادات جامعية، وتم تعيين بعضهم في وظائف مرموقة. وما زالت "المرأة الحديدية" تفتح ورشتها يوميًا، وتمارس أعمال الحدادة بنفسها، وتقدم تشكيلات جديدة ومبتكرة.

نادية المرأة الحديدية

حلاقتان للرجال
حلاقة شعر الرجال مهنة عتيقة يحتكرها الرجال أيضًا، لكن في مصر الأمر مختلف، اقتحمت المرأة هذا المجال، وصار الرجال ينحنون برؤوسهم لها. ومنهن فتاة جميلة تسمى "سكر"، أو "شوغر" كما يسميها زبائنها.

سكر حلاقة الرجال

تعمل سكر في محل صغير في حي الدقي بالقاهرة، وتقول إنها دخلت عالم حلاقة الرجال منذ كانت طفلة في عمر الثمانية أعوام. وأضافت أنها تحب المهنة منذ صغر سنها، مشيرة إلى أن هناك سيدات كثيرات في مصر يعملن في صالونات حلاقة للرجال.

ولفتت إلى أنها لا تجد مشكلة في حلاقة وتصفيف شعر الرجال، معتبرة أن المرأة يمكنها العمل في أية مهنة مهما كانت صعبة، شرط أن تكتسب الثقة في نفسها، ولا تلتفت إلى كلام الناس.

وأشارت إلى أنها تتعامل مع الزبائن بشكل رسمي، ولا تفتح مجالًا للحديث مع أي منهم خارج نطاق العمل، لذلك تحظى باحترام الجميع، ولديها زبائن يقصدونها بالاسم من مختلف أنحاء مصر.

ليست سكر الوحيدة في مهنة حلاقة الرجال، بل هناك أيضًا، عبير ثروت، المعروفة بـ"مدام عبير"، صاحبة محل "حلاقة رجالي" في حي مدينة نصر بالقاهرة، وتحترف المهنة منذ نحو عشرين عامًا.

عبير حلاقة الرجال

وقالت إنها عملت في البداية مساعدًا لحلاق في حي المهندسين، حتى تعلمت "الصنعة" وانتقلت إلى العمل في حي مدينة نصر، مشيرًة إلى أن زوجها ساعدها على افتتاح هذا المحل ويدعمها بقوة.

ولفتت إلى أنها تقدم في المحل الخاص بها أعمال تجميل الرجال أيضًا، ومنها تنظيف البشرة والبيديكور وصبغ الشعر، منوهة بأن لديها الكثير من الزبائن.

ابن عبير وابنتها يفتخران بعمل أمهما، ويساعدانها في الإجازة الصيفية على العمل، وأصبح كل منهما "صناعي إيده تتلف في حرير"، وأوشكت على توريث ابنتها تلك المهنة.

أول وأكبر سباكة
لا شيء يستحيل على المرأة صاحبة الثقة بالنفس والعزيمة. هذا ما أكدت سهام حسين مغازي المعروفة بأم باسم التي استطاعت اختراق واحدة من أكثر المهن حكرًا على الرجال، وهي "السباكة" أو صيانة وتصليح الحمامات "التواليت" بالمنازل.

تحمل أم باسم (ستين عامًا) لقب أول سيدة تعمل في "السباكة" عن جدارة، فلم تسبقها أي من بنات جنسها، منذ 17 عامًا. بعدما تركها زوجها، احترفت الكثير من الأعمال، وافتتحت محلًا لتنظيف وكيّ الملابس، ثم مكتبة، ثم عملت في محل تزيين نسائي، وعملت خياطة، لكنها فشلت في تلك الأعمال جميعها، لأنها مشروعات تحتاج رأسمالًا، على حد قولها.

وأشارت إلى أنها قررت احتراف مهنة "السباكة"، والتحقت بدورة تدريبية، وقالت إنها كانت المرأة الوحيدة في تلك الدورة، بل والأكبر سنًا بين أكثر من 100 شاب.

وأضافت لـ"إيلاف" أنها تعرّضت في البداية للكثير من السخرية من زملائها الشباب في الدورة التدريبية ومن جيرانها أيضًا، ولا سيما أنها امرأة عجوز، لافتة إلى أنها بدأت تعريف نفسها للجيران وأصحاب محال الأدوات الصحية، من أجل الحصول على فرص للعمل. وقالت إنها تلقى ترحيبًا قويًا في مصر، ولا سيما أن أصحاب المنازل، سواء الرجال أو النساء، لا يطمئنون إلى الرجال من السباكين، ويفضلونها لأنها سيدة عجوز.

ماسحة الأحذية&
تعمل أم حسن ماسحة للأحذية في منطقة أرض اللواء في القاهرة، وتحترف هذا العمل الشاق منذ نحو عشرين عامًا. وقالت إنها وجدت نفسها وحيدة بعدما توفي زوجها وترك لها أطفالًا، واضطرت إلى شراء صندوق لتلميع الأحذية، وجلست إلى جوار الرجال، لكنها تعرّضت لمضايقات كثيرة منهم، مدّعين أنها تقاسمهم لقمة عيشهم.

أم حسن ماسحة الأحذية

ولفتت إلى أنها بعد معاناة استطاعت أن تجد لنفسها مكانًا ثابتًا في حي أرض اللواء المزدحم بالسكان، وأصبح لديها زبائن كل يوم.
تمكنت أم حسن من تعليم أبنائها وحصلوا جميعًا على شهادات جامعية، ولم تكتفِ بذلك، بل التحقت هي أيضًا بالتعليم، وحصلت&على بكالوريوس خدمة اجتماعية من جامعة حلوان.
&