الرياض: بعد أن كشفت السعودية عن خطتها في تحويل أكبر بلد مصدر للنفط في العالم الى اقتصاد غير نفطي، يقف مجتمع المستثمرين الدولي مترقبًا للخطط الفعلية على أرض الواقع.

ويواجه ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مهمة شاقة&مع البدء في تنفيذ الخطة التي عرفت بـ « رؤية المملكة 2030».

وبحسب تقرير لموقع «بلومبيرغ»، يكتنف عام 2017 ستة تطورات تستحق المراقبة، كما وقال مدير البحث الاقتصادي بمركز أبحاث الخليج، جون سفاكياناكيس: "2017 هو عام الحقيقة. لقد انتهينا من الإعلانات، والآن حان الوقت لنرى الجدية في تطبيق الخطة الفعلية. هذا ما سوف ينظر إليه مجتمع المستثمرين الدولي".

واستعرضت الوكالة قائمة مهام الأمير محمد بن سلمان، وبدأت بالمهمة الأولى المتمثلة في حماية الفقراء، أي برنامج "حساب المواطن".

حماية الفقراء

«حساب المواطن» هو برنامج وطني تأسس في ديسمبر 2016، بهدف تفعيل عملية التحول الاقتصادي، ودعم المواطنين والأُسر ذات الدخل المنخفض والمحدود وحتى متوسطة الدخل. أما الأسر ذات الدخل فوق المتوسط، فستحصل على دعم جزئي يتناسب مع مقدار الدعم، ويتم تحديده وفقاً لمعدل الاستهلاك الطبيعي للأسرة والفرد، من خلال تحليل مستويات استهلاك الطاقة والمياه بأنواعها وحاجات الأُسر الأخرى.

ويهدف إلى التخفيف من آثار إجراءات التقشف على السعوديين من أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة. سوف يبدأ البرنامج بـ20 إلى 25 مليار ريال سعودي (6.7 مليارات دولار) من النفقات العالم الحالي، ليزيد وصولاً إلى 60 أو 70 مليار ريال بحلول عام 2020.

بدأ التسجيل في الأول من فبراير، وسجل فيه أكثر من نصف السعوديين البالغ عددهم 20 مليوناً. وبدأت الصحف والشبكات الاجتماعية في مناقشة الارتباك المنتشر حول أهلية المستحقين لهذا الدعم، مع تخطيط الحكومة للبدء في الدفع أواخر هذا العام. هل ينبغي لسائقي أوبر الإبلاغ عن دخلهم الجانبي؟ هل يمكن للوزراء أيضاً التسجيل؟ ماذا عن لاعبي كرة القدم من المحترفين؟

يأتي هذا البرنامج في القلب من العقد الاجتماعي الضمني في السعودية، حيث كسبت العائلة المالكة الولاء المطلق لرعاياها مقابل نفقات كريمة من جانبها لأكثر من ثمانية عقود.

وذكرت «بلومبيرغ» ما قاله المدير العام لشركة تينيو إنتيليجنس في لندن، كريسبن هاويس: "ينبغي أن نفترض أنه سوف تكون هناك أخطاء. فقط ينبغي التأكُّد من أنَّ هذه الأخطاء ليست جسيمة إلى حد التخفيف من عملية السلطة السياسية".

وراجعت السعودية خبرات دول أخرى وطوَّرت خططاً "تهدف إلى أخذ الحيطة من الأخطاء المحتملة"، حسب ما قال أحد كبار المسؤولين في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في خطاب مكتوب إلى صحيفة بلومبرغ الأميركية، وأضاف أنَّ هذه الخطط مبنية على حسابات معقولة لضمان التغطية المناسبة.

وأضاف المصدر في خطابه: "في حالة لو وجدنا أنَّ البرنامج لم يغطِ الفئة المستحقة، فسوف نعدله وندفع لهم بأثر رجعي لتحقيق العدالة في التغطية والدعم".

الضرائب

في إطار سعيها لتحقيق التوازن في الميزانية، تخطِّط السعودية أيضاً لفرض ضرائب جديدة، وسوف تفرضها الحكومة، في شهر أبريل، على «المنتجات الضارة»، ما سوف يضاعف أسعار التبغ ومشروبات الطاقة.

وتأتي هذه الضرائب الجديدة تمهيداً لضريبة القيمة المضافة 5% المقررة في عام 2018، والتي سيكون لها تأثير واسع على تكاليف المعيشة للمقيمين في السعودية. وتتوقع شركة “جدوى للاستثمار” في الرياض، أن يرتفع معدل التضخم في نهاية هذا العام، مع قيام السعوديين بمشتريات ضخمة قبل فرض الضريبة الجديدة.

تخفيض الدعم

ذكرت «بلومبيرغ» أن الحكومة السعودية بدأت برنامجاً يستمر لعدةِ سنوات للتخفيض التدريجي في الدعم على الوقود، والماء، والكهرباء، بعد إعلان مفاجئ في أواخر عام 2015، أدى إلى تدفق السعوديين إلى محطات البنزين لملء سياراتهم بالوقود، وحيال ذلك، قال وزير الطاقة خالد الفالح في ديسمبر بأن الجولة القادمة من التخفيضات سيتم تنفيذها قبل نهاية هذا العام و"بأقرب فرصة ممكنة".

الرسوم على دخول الأجانب

سوف تفرض الحكومة السعودية، بدءاً من شهر يوليو، رسماً شهرياً غير مسبوق على العمال الأجانب المقيمين مع عائلاتهم في المملكة. سوف تزداد هذه الضريبة شهرياً حتى تصل إلى 400 ريال شهرياً لكل فرد في الأسرة، بحلول عام 2020.

ومع أنَّ هذا الإجراء قد يحظى بشعبيةٍ بين السكان المحليين -إذ تنتشر شعارات مثل "السعودية للسعوديين" على الشبكات الاجتماعية مع تباطؤ الاقتصاد- إلا أنَّ رد فعل القطاع الخاص عليه قد يشكِّل تحدياً أكبر للحكومة. وقال هاويس، بحسب «بلومبرغ»، إنَّ الشركات التي يملكها سعوديون، بما في ذلك «مجموعة بن لادن» العاملة في مجال المقاولات "تعتمد بشكل كبير على العمالة الأجنبية منخفضة التكلفة".

المحفزات

وفقاً لدراسة، قام بها اقتصاديون في بلومبيرغ، فإن إدخال رسوم المغتربين وغيرها من التدابير بطريقة لا تعمل على "خنق الاقتصاد" سيكون أمراً صعباً جداً.

بينما شهد النمو تباطؤاً بنسبة 1.1% في العام الماضي من 3.4% في عام 2015، وسوف يتباطأ أكثر بنسبة 0.9% خلال هذا العام.

وتستعد الحكومة بحزمة حوافز بقيمة 200 مليار ريال بحلول عام 2020. وقال وزير التجارة ماجد القصبي في&ديسمبر إنه سيتم الإعلان عن المجالات المستهدفة في غضون ثلاثة أشهر.

وقال المصدر السعودي في خطابه إلى «بلومبيرغ»: "من المُتوقَّع أن تسبب الإصلاحات المالية بعض التباطؤ في النمو الاقتصادي. ومع ذلك، فالدولة تعمل على التخفيف من حدة هذا التباطؤ"، بزيادة الإنفاق الحكومي، وتسوية المدفوعات المتأخرة إلى المتعاقدين، والتخفيف من القيود على الصادرات، وتدابير أخرى.

في حين قال فهد الناظر الخبير الاستشاري في السفارة السعودية في العاصمة الأميركية واشنطن: "لا ينبغي أن يعتبر مستقبل النفط أمراً مفروغاً منه، لذا فهذه التدابير ضرورية. ربما يعتقد البعض أنَّ هذه التدابير تطبق بسرعة، لكن بكل صراحة، يرى البعض الآخر أنَّ تطبيق هذه التدابير ينبغي أن يتم بوتيرة أسرع".

إدراج&أرامكو

الكثير من العمل الأساسي الذي ينبغي له أن يتم، تجهيزاً لإدراج 5% من أسهم الشركة السعودية العملاقة للنفط، أرامكو، والمُقدَّر له أن يتم عام 2018، ينبغي أن يحدث العام الجاري. هناك جدل مُحتدِم حول التقييم المُحتَمَل للسوق، ذلك أنَّ تحقيق اكتتاب مربح للشركة أمر بالغ الأهمية لإصلاح الاقتصاد، إذ يعد هذا الأمر أساسياً لصندوق الثروة السيادية المنوط به توليد ما يكفي من الدخل للهيمنة على عائدات الدولة بحلول عام 2030.

وبخصوص الضرائب وتخفيض الدعم، فإنَّ الاكتتاب يتضمن مخاطر سياسية محتملة، بدءاً من شراء الأجانب لحصة في أثمن مصادر الاقتصاد السعودي، إلى جعل الحالة المالية لأرامكو متاحة للجميع للمرة الأولى.

وقال هاويس: "إنَّ الاكتتاب ليس أكثر الأمور الواضحة التي ينبغي مناقشتها، وإنما المشروع برمته"، وسينبغي على الحكومة أيضاً أن تقنع الناس "داخلياً" بأهمية هذا الطرح.

وقال مصدر حكومي: "سيتم تنظيم الاكتتاب بطريقة تضمن تحقيق أقصى قدر من الفوائد الاقتصادية للمملكة. إن المملكة العربية السعودية لن تتخلى عن ملكيتها لأغلبية أسهم شركة أرامكو، ولن تتخلى عن التحكم بها".

واختتمت «بلومبيرغ» تقريرها حيال لائحة مهام الأمير محمد بن سلمان بقولها: "إن لائحة الأمير محمد طموحة جداً، ولكنها ليست مستحيلة".

&

&

&