يجد الاقتصاد السعودي نفسه اليوم تحت الضغط الشديد بسبب إصرار القيادة السعودية على تنفيذ إصلاحات لا غنى عنها لتحقيق برنامج التحول الوطني السعودي 2020 ورؤية السعودية 2030.

إيلاف من الرياض: لا شك في أن التطور الاقتصادي السعودي الأهم في عام 2017 كان توقيع الاتفاقات السعودية – الأميركية، على هامش القمم التي شهدتها العاصمة السعودية الرياض أخيرًا، لمناسبة زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مايو الماضي. فقد شملت هذه الاتفاقات قطاعات اقتصادية عدة، ووصلت قيمتها إلى 380 مليار دولار، في مقدمها اتفاقات استثمارية تشكل رافعة مهمة لبرنامج التحول الوطني السعودي 2020 ورؤية السعودية 2030، اللذين يقومان في المرتبة الأولى على تنويع مصادر الاقتصاد السعودي في مرحلة ما بعد الاعتماد الكلي على الموارد النفطية، ورفع نسبة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي الوطني، وتوفير فرص عمل إضافية للسعوديين.

تراجع الواردات النفطية

على الرغم من هذا، لا يتوقع تقرير اقتصادي صادر عن مجموعة بنك عودة اللبنانية، أن يزيد النمو الاقتصادي السعودي بأكثر من 0.4 في المئة في عام 2017، حتى مع انتعاش القطاعات الاقتصادية السعودية غير النفطية. فالنمو متأثر بالاتفاق الذي عقدته "أوبك" أخيرًا، والتزمته السعودية بحذافيره، والذي ينص على تحديد سقف الانتاج اليومي من النفط الخام.

بسبب هذا الاتفاق، وما نتج عنه في ألأشهر الأخيرة من تراجع في الواردات النفطية السعودية، ضغطت الحكومة السعودية نحو المزيد من ضبط أوضاع المالية العامة، كي يتسنى لها التعامل مع اختلالات في التوازن المالي، الداخلي والخارجي، إلى جانب رفع الدعم عن الوقود ومواد أخرى.

وبحسب تقرير بنك عودة، شددت السلطات السعودية ضوابط إنفاقها في عام 2016، وانتهجت نهجًا إصلاحيًا من خلال مبادرات مهمة، هدفها احتواء آثار تراجع أسعار النفط عالميًا، ما دفعها إلى تحقيق بعض التوقعات المالية متوسطة الأجل على حساب النمو، المعتمد أساسًا على الإنفاق العام. وقدّر التقرير نفسه النمو في إجمالي الناتج القومي بنحو 1.4 في المئة في عام 2016، وهو الأدنى منذ أزمة عام 2009. ويقول التقرير إن تراجع الإنفاق والاستثمارات العامة أثر سلبًا في قطاعات اقتصادية مختلفة: الخدمات الحكومية و البناء والتجارة والسياحة والتسويق.

خفض العجز

في عام 2016، دعّمت السعودية موقعها الاقتصادي الخارجي بشكل نسبي، إذ تمكنت من خفض العجز في حسابها الجاري إلى أقل من النصف تقريبًا، من 56.7 مليار دولار في عام 2015 (نحو 8.7 في المئة من الناتج القومي) إلى 24.9 مليار دولار في 2016 (نحو 3.9 في المئة من الناتج القومي)، بفضل ارتفاع في الميزان التجاري أول مرة منذ عام 2012، نتيجة خفض الاستيراد.

يقول تقرير بنك عودة إن أرقام الميزان التجاري السعودي تظهر انكماشًا في الصادرات بنسبة 10.7 في المئة، وتراجعًا في الواردات بنسبة 22.1 في المئة في عام 2016 مقارنة بعام 2015، ما ساهم في رفع الميزان التجاري بنسبة 27.7 في المئة.

بموازاة ذلك، بلغ عجز الموازنة العامة السعودية 102.4 مليار دولار في عام 2016، مشكلًا 16 في المئة من الناتج القومي السعودي، وهي نسبة قياسية.

تزايد الضخ وتراجع السيولة

يؤكد تقرير بنك عودة تزايد ضغوط التضخم المالي في المملكة في عام 2016، وتدني السيولة المالية بسبب التراجع في أسعار النفط العالمية والقيود التي فرضها اتفاق "أوبك" الأخير على الإنتاج النفطي، إضافة إلى التراجع في أصول مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) مع استمرار المملكة في الاعتماد على روافد اقتصادية خاصة لتمويل عجز الموازنة العامة.

سجل مؤشر الاستهلاك في المملكة نموًا سنويًا بمعدل 3.5 في المئة في 2016، مقارنة بنحو 2.2 في المئة في عام 2015. في المقابل، سجلت السيولة المالية تراجعًا بنسبة 0.4 في المئة في الشهور الأربعة الأولى من العام الحالي، بعد نمو خجول بنسبة 0.8 في المئة في عام 2016. وتراجع احتياطي ساما 6.6 في المئة في الشهور الأربعة الأولى من العام الحالي لتصل إلى 500 مليار دولار بنهاية أبريل الماضي.

صعوبات تشغيلية

واجه القطاع المصرفي السعودي في العام الماضي صعوبات تشغيلية، استمرت في ما انصرف من العام الحالي، مع تراجع الأرباح النفطية، ما أدى إلى انكماش في إيداعات المصارف السعودية، وأثر تاليًا على الملاءة المصرفية، وعلى السيولة. واثر هذا أيضًا على وضع القطاع العام، وإمكانات نموه. لكن التشدد في الضوابط المصرفية السعودية، وانتهاج المصارف سياسات مالية محافظة، ساهما في تدعيم الرساميل المصرفية وتعزيز السيولة وجودة ألأصول، ما حمى القطاع المصرفي من أي تداعيات سلبية.

وبحسب تقرير بنك عودة، نما القطاع المصرفي السعودي 2.2 في المئة في عام 2016 على أساس سنوي، في مقابل 3.3 في المئة في عام 2015، و12.6 في المئة في عام 2014. ويرد التقرير هذا التراجع في الدرجة الأولى إلى أثر تدني أسعار النفط في النشاط المصرفي.

ارتفاعات وتراجعات

إلى ذلك، استفادت أسواق المال السعودية من جو استثماري مستقر في عام 2016. يقول التقرير إن "تداول" استعادت عافيتها في عام 2016 بعد عامين من التراجعات، وسجل المؤشر السعودي ارتفاعات في الأسهم القطاعية: 41 في المئة في قطاع الطاقة، 25 في المئة في قطاع البتروكيماويات، 21.5 في المئة في القطاع العقاري، 9.2 في المئة في قطاع التأمينات، 2.3 في المئة في قطاع النقل، 1.9 في المئة قي القطاع المصرفي والخدمات المالية.

إلا أن ثمة قطاعات شهدت أسهمها تراجعات، كقطاع السياحة والفنادق (تراجع بنسبة 44 في المئة)، وقطاع الإعلام (تراجع بنسبة 23 في المئة)، وقطاع التجزئة (تراجع بنسبة 18.5 في المئة)، وقطاع البناء والتشييد (تراجع بنسبة 10.8 في المئة)، والقطاع الزراعي والغذائي (تراجع بنسبة 7 في المئة)، وقطاع الإسمنت (تراجع بنسبة 4.9 في المئة)، وقطاع الاتصالات والتقانة (تراجع بنسبة 1.8 في المئة)، والقطاع الصناعي (تراجع بنسبة 0.6 في المئة).