«إيلاف» من لندن: أي باحث أو قارئ يلجأ إلى محرك غوغل البحثي للعثور على معلومة أو صورة أو خريطة، يُفاجأ بوابل من الإعلانات التجارية وصور نساء عاريات وتدخلات أخرى مزعجة. غوغل تعتمد على برامج سرية تعمل بهدوء لإيصال الإعلانات التي تلائم شخصية الباحث وخلفيته، وتكون المعلومات قد سرقتها روبوتات كومبيوترية تعمل بطريقة مبرمجة ومعقدة تكشف مزايا الشخص واهتماماته من سجله في تصفح الانترنت والمواقع التي يزورها. لنفترض أن شخصًا يحب الأخبار الرياضية فكلما يفتح الانترنت تأتيه إعلانات تتعلق بالرياضة ولوازمها. تدعى هذه البرامج "تراكينغ سوفت وير"، أي برامج تتبع تحركات المستخدم واهتماماته.

اتهامات ترفضها غوغل

من التهم التي توجهها المفوضية الأوروبية والقسم المتخصص بشؤون المنافسة في الاتحاد الأوروبي إلى غوغل هي السيطرة على قطاع البحث والأدوات المستعملة على الشبكة العنكبوتية لإعطاء أفضلية لخدمة مقارنة الأسعار التابعة لها، "غوغل شوبينغ التي تقوم بمقارنة الأسعار"، خلافًا لقوانين منع الاحتكار. وفي كل البلدان الأوروبية، يستحوذ محرك بحث غوغل على حصة في السوق تزيد على 90 في المئة.

من جهة أخرى، وبحسب تقرير نشرته صاندي تايمز الأسبوع الماضي، فإن عددًا كبيرًا من الشركات الكبرى التي تروج بضائعها وخدماتها من خلال إعلانات في غوغل تشتكي بأنها خدعت، وهي غاضبة واشتكت للاتحاد الأوروبي بهذا الشأن.

المشكلة الأكثر ازعاجًا هي أن إعلانات شركة تتخصص في بيع منتجات التجميل أو القرطاسية مثلًا تجد أن إعلانها يقف جنبًا إلى جنب مع فيديو يظهر فيه داعشي يقطع رأس امرأة أو جندي عراقي، واحيانًا تظهر الإعلانات إلى جانب الترويج الإباحي، ما يضر بسمعة الشركة صاحبة الإعلان التجاري البريء.

ومن الاتهامات الموجهة إلى غوغل انها تستخدم روبوتات حاسوبية مبرمجة لتضرب بالنقر على الاعلانات لرفع احصائيات المشاهدين للاعلان. وكل هذا خداع لرفع نسبة الدخل من المعلنين.

وبررت مفوضية الاتحاد الأوروبي الغرامة الضخمة التي فرضتها على غوغل (2.4 مليار يورو) بالتلاعب بالأرقام والاحصائيات المضللة لنتائج عدد الزيارات البحثية للمواقع المدرجة في محرك غوغل. والدافع وراء هذا التلاعب هو تمكين غوغل من الترويج لخدماتها التجارية. هذه الغرامة هي الطلقة الأولى من رئيسة قسم المنافسة والاحتكارات في المفوضية الأوروبية مارغاريثا فيستيغر.

هذه ليست الغرامة الأولى التي تفرضها المفوضية الأوروبية على شركة كبرى. حيث تم تغريم "آبل" بسبب استفادتها من "تسهيلات ضريبية" بطريقة غير قانونية قدمتها لها أيرلندا. وفي 30 أغسطس 2016، طلبت المفوضية الأوروبية من "آبل" أن تعيد أكثر من 13 مليار يورو إلى السلطات الإيرلندية، بحسب التقارير الاخبارية.

الخروج من المأزق

من أهم الحلول المفترضة للمشكلة ابتكار وسائل خلاّقة تقوم بالتوزيع التلقائي الآلي للإعلانات من خلال برامج ذكية جدًا، بتوصيل الإعلان بدقة لمن يهتم بالخدمة المعلنة أو السلعة، بناءً على بروفايل الشخص إذا كان ذكرًا أو أنثى، والفئة العمرية والدخل والهوايات وغيرها من الأمور التي تهم الشركات.

المأزق الذي وجدت غوغل ذاتها فيه الآن هو الاشتباه بأنها تستعمل برامج حاسوبية متطورة لتقوم بالنقر أوتوماتيكياً للإيحاء بأن مستهلكًا أو مستخدمًا عاديًا نقر، أي أبدى اهتمامًا بالسلعة المعروضة أو الخدمة المعلن عنها. وعندما قامت بعض الشركات بتوجيه أسئلة لغوغل عن هذا الموضوع، أتت الإجابة غامضة ومبهمة.

ولأن غوغل تمتلك موقع يوتيوب، تطلب الشركات الكبيرة من غوغل تطمينات وتأكيدات أن الإعلانات لا تظهر قرب فيديوهات يوتيوب لمواد غير محبذة مثل المقاطع الجنسية ومقاطع الإرهاب أو التي تروج للتطرف.

وتطالب شركة يونيليفر، المنتجة العملاقة للمنتوجات التنظيفية والصحة الشخصية، بأن تكون هناك منصات رقمية مستقلة لتقويم أثر الاعلانات والاستجابة لها من خلال النقر على الإعلان من أشخاص حقيقيين وليس روبوتات رقمية ممبرمجة للتمويه.

 

قسمان منفصلان

تمتلك غوغل الوسائل التي تساعد المستخدمين على العثور على ما يريدون على الانترنت، بما فيها الخدمات التي تعتبر ضرورية في عصرنا الرقمي. ليست السيطرة على هذا العملاق الضخم أمرًا سهلًا، والغرامات المفروضة ضئيلة جدًا مقارنة بالدخل الهائل.

تم الآن منح غوغل 90 يومًا لتغيير نظام اللوغاريثمات (الخواريزميات) العددية للحيلولة دون التمييز ضد المنافسين. وإذا فشلت في الاستجابة ستدفع غرامة يومية بمقدار 12 مليون دولار يوميًا أي ما يعادل 5 في المئة من دخلها من مختلف انحاء العالم.

وفي خطوة راديكالية لمعالجة الموضوع، تصر الشركات المتضررة أن تعزل غوغل الآن آلتها البحثية عن الخدمات الأخرى. وإن لم تفعل، سيتم إجبار غوغل على الفصل الكامل بين الخدمتين وتقسيم الشركة إلى قسمين منفصلين.

لا تزال "غوغل" تخضع لتحقيقات تجريها المفوضية الأوروبية على خلفية إساءة استغلال هيمنتها على السوق، وفي مقدم التحقيقات المنصة الاعلانية "آد سنس" والآخر نظام "أندرويد".

وبحسب مارغريثا فيستيغر، رئيسة قسم المنافسة والاحتكارات في المفوضية الأوروبية، "ما قامت به غوغل يخالف قوانين المنافسة والاحتكار التي تطبق في الاتحاد الأوروبي. فقد منعت شركات منافسة من الاستفادة من السوق الكبيرة التي تعتمد على ابتكار وسائل إلكترونية لتساعد المستهلك في الاختيار الفعلي والاستفادة من الخيارات المتوافرة.

عن غوغل

تبلغ القيمة السوقية لغوغل 633 مليار دولار، ودخلها السنوي يزيد على 90 مليار دولار، معظمه من الإعلانات.

لتأكيد سيطرة غوغل على ساحة البحث في الانترنت، كل 10 نقرات لأعمال بحثية في الانترنت في منطقة الاتحاد الأوروبي 9 منها تكون من حصة غوغل والباقي تتقاسمه "بينغ" و"مايكروسوفت"، وهذا بحد ذاته شرعي ولا يخالف القوانين.

لكن، ما هو غير شرعي ويخالف القانون وغير مقبول ويكسر قوانين المنافسة هو استغلال غوغل هيمنتها المسيطرة على الانترنت للترويج لخدماتها على حساب الآخرين.

نجحت غوغل في ذلك نجاحًا منقطع النظير، ولا سيما بعد أن دخلت حلبة مواقع المقارنات السعرية التي تعطي النصائح إلى الزائرين تتعلق بالحصول على أفضل الأسعار ومن أي شركة أو مصدر.

الأمثلة كثيرة، ومنها كيف تحصل على أفضل تأمين للسيارات أو أرخص مصدر للطاقة وغيرها. ومن الشركات المنافسة التي خسرت من تدخلات غوغل غير المشروعة هي "فاوندم" و"كيلكو". ورفعت هذه الشركات، مع شركات أخرى، دعاوى قضائية ضد غوغل، لكن هذه الدعاوى تستغرق سنوات قبل الحكم فيها، وبعد ذلك سنوات أخرى من الاستئنافات والطعن ضد الحكم، ولهذا يعتقد بعض المراقبين انه قد تتم تسوية الموضوع خارج إطار القضاء والمحاكم.