يشكل الوضع الاقتصادي في مصر أبرز التحديات التي يواجهها السيسي قبل أسابيع من انتخابات رئاسية ينتظر أن يعاد انتخابه خلالها لولاية ثانية، ويرى مصريون كثر أن الإجراءات الإصلاحية التي وعدت بها الحكومة لتحسين الأوضاع لم تؤت ثمارها.

إيلاف من القاهرة: اعتاد تجار سوق الأقمشة في حي الأزهر الشعبي بالقاهرة قبل نحو خمسة أعوام على ازدحام أزقته الضيقة المليئة بالمحال، بحركة الفتيات الساعيات إلى تجهيز منازلهن استعدادًا للزواج، لكن المشهد أصبح يقتصر على البضائع المعلقة بسبب ارتفاع الأسعار.

عند مدخل إحدى حارات الأزهر العتيقة التي ينتمي معظم قاطنيها إلى الطبقة المتوسطة أو أدنى، تقول شيماء، ربة المنزل الثلاثينية لوكالة فرانس برس: "كل من يرغب في الزواج الآن يضطر للتأجيل، لا يوجد مال من الأساس، لكي يشتري أحد أي شيء".&

تتابع شيماء، التي وقفت برفقة والدتها، تختار بين الأقمشة والمفروشات الملونة المعروضة بين الجدران والأعمدة القديمة، "قبل أعوام، كان المرتب يكفي ويفيض. أما الآن فراتب حتى من ثلاثة أو أربعة آلاف جنيه في الشهر لا يكفي". تضيف "ما نراه يعكس عدم تحسن الأوضاع، الأسعار مشتعلة، والحياة غالية".&

للخروج من الأزمة أطلقت الحكومة برنامجًا للإصلاح الاقتصادي عام 2014، حصلت بموجبه مصر في 2016 على قرض بقيمة 12 مليار دولار على ثلاث سنوات من صندوق النقد الدولي. وتضمن البرنامج إجراءات لتعويم الجنيه.

آثار التعويم&
في إشارة إلى الركود في حركة البيع، يقول سيد محمود (50 سنة)، وهو أحد تجار الأقمشة والمفروشات بالأزهر، وقد جلس في محله الخاوي من الزبائن، "انتصف النهار، وأجدني جالسًا على باب الله".&

أرجع محمود، وهو أب لخمسة أبناء، هذا الركود إلى "تعويم الجنيه"، ويقول: "فرق هذا القرار تمامًا مع الناس، زادت الأسعار بمعدل ثلاثة وأربعة أضعاف"، مضيفًا: "لم تعد هناك إمكانية للشراء". ويشرح: "البطانية كانت بسعر 200 جنيه، وأصبحت الآن بـ800 جنيه".&

في نوفمبر 2016، قرر البنك المركزي تعويم الجنيه، ليرتفع الدولار من 8.8 جنيهات إلى حوالى 17.5 جنيهًا حاليًا. وإضافة إلى تعويم الجنيه، تضمن برنامج الإصلاح خفض دعم المحروقات وفرض ضريبة القيمة المضافة. وتسبب تعويم العملة في موجة تضخم غير مسبوقة للأسعار بلغت ذروتها في يوليو 2017 حين سجّل المؤشر السنوي 34.2%، إلا أنه أخذ في الانخفاض وصولًا إلى 17 % بنهاية الشهر الماضي.&

ويعيش نحو 28% من سكان مصر (93 مليون نسمة) تحت خط خط الفقر وفقًا للإحصاءات الرسمية. وتقول عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة في جامعة القاهرة علياء المهدي إنه على الرغم من أن بعض إجراءات الحكومة إيجابية، إلا أن قرار تحرير سعر الصرف كان "الأسوأ في تطبيقه" بسبب انعكاساته السلبية على المواطنين وما نتج منه من ارتفاع الأسعار. وتضيف: "إذا كان تحسن الاقتصاد سيكون على حساب حالة وحياة المواطن، فإن الهدف من برنامج الإصلاح لم يقابل".&

البطالة والصناعة المحلية
أوضحت الخبيرة الاقتصادية أنه يجب التركيز من جانب الحكومة على قطاعات "الصناعة والزراعة والخدمات لتقليل البطالة بشكل مستمر وحقيقي، في حين أن المشروعات القومية لا تحتاج عمالة موقتو" تنتهي بانتهائها.&

وفي العام 2015، وبعد افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة، أعلن السيسي عن مشروع العاصمة الجديدة على مساحة قرابة 170 كيلومترًا مربعًا، ويفترض أن تدبّ بها الحياة تدريجيًا ابتداء من العام المقبل، وتوفر الكثير من فرص العمل. وقدّم السيسي في يناير الماضي ما أسماه بـ "كشف حساب" عمّا تم إنجازه في فترته الرئاسية الأولى، واصفًا ما تحقق على صعيد الاقتصاد بـ"الطفرة غير المسبوقة".&

وقال السيسي: "أنجزنا خلال أقل من أربع سنوات، ونكاد ننتهي من إنشاء ما يقرب من 11 ألف مشروع (..) بتكلفة نحو 2 تريليون جنيه". وأشار الرئيس المصري إلى ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى نحو 37 مليار دولار مقابل 16 مليار دولار في 2014.&

كذلك لفت إلى انخفاض معدلات البطالة من 13.4% في 2014 إلى 11.9% حاليًا. وأعلن صندوق النقد في الشهر الماضي أن نظرته المستقبلية للاقتصاد المصري "إيجابية" بعد استكماله المراجعة الثانية لبرنامج الإصلاح في البلاد.&

ندعم... ولكن!
وتوقع الصندوق أن تحقق مصر معدل نمو اقتصادي بنسبة 4.8% خلال العام المالي الحالي الذي ينتهي في يونيو مقارنة بـ4.3% تم تحقيقها في العام المالي الفائت.&

لكن ذلك لا يقنع محمود الذي لم ير أن وضعه الشخصي تحسن. ويقول: "لقد كنت أنفق نحو ثلاثة آلاف جنيه في الشهر حتى أكفي مصروف بيتي وأولادي. اليوم 12 ألف جنيه لا تكفيني، ولا تشمل التنزه أو مصروفات الأدوية حال حدوث شيئًا".&

يضيف: "القيادة السياسة للدولة تعمل بشكل صحيح، وأنجزت الكثير من المشروعات العملاقة، وأنا أدعم السيسي قلبًا وقالبًا، ولكن أين عائد ذلك عليّ في الوقت الحالي؟".
&