خفض البنك المركزي في مصر معدل الفائدة على الإيداعات والإقراض بواقع 1.00 في المئة لتستقر المعدلات الحالية عند 16.75 في المئة و 17.75 في المئة على الترتيب عقب تراجع في معدل تضخم أسعار المستهلك للشهر الثاني على التوالي.

يأتي القرار ليسجل الخفض الثاني على التوالي لمعدل الفائدة المصرية على الإيداعات والإقراض في شهرين بعد الخفض الأول الذي قررته السلطات النقدية في فبراير/ شباط الماضي بمئة نقطة أساس.

ويستهدف البنك المركزي الهبوط بمعدل التضخم الشهر المقبل إلى 13 في المئة من خلال عمليات ضبط معدل الفائدة، وهي الوسيلة الأكثر فاعلية في السيطرة على تضخم أسعار المستهلك.

وواجه المصريون موجات متتالية من الغلاء منذ اتخاذ القرار بتحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، مع توقعات بالمزيد من ارتفاع الأسعار بعد سلسلة من إجراءات إلغاء الدعم المتوقعة على المدى القريب في إطار سير الحكومة نحو استيفاء شروط الحصول على باقي شرائح قرض صندوق النقد الدولي الذي يبلغ إجمالي قيمته 12 مليار دولار.

وقال فادي عبد الرحمن، المحلل المالي والاقتصادي، لبي بي سي إن "هناك عوامل استند إليها البنك المركزي في قرار خفض الفائدة تتضمن تراجع التضخم إلى مستويات أقل، وتحسن ميزان المدفوعات، وثبات الدولار الجمركي."

وأضاف أن قرارات رفع الفائدة في الفترة الأخيرة جاءت "بعد قرار التعويم لامتصاص السيولة من الأسواق، ومقاومة التضخم الذي بلغ مستويات حادة الارتفاع، وهو الهدف الذي نجحت السلطات النقدية في تحقيقه بالفعل بعد بلوغ مبيعات شهادات الاستثمار ذات العائد 20 في المئة حوالي 900 مليار جنيه."

ويندرج خفض الفائدة تحت الإجراءات النقدية التوسعية التي تستهدف دعم نشاط الإقراض في القطاع المصرفي وتقليل تكلفة التمويل للمقترضين الجدد، ما يدعم الاستثمارات، وحث المستثمرين على سحب رؤوس الأموال من البنوك وتوجيهها إلى العمل في الأسواق، ما ينعكس إيجابا على النمو الاقتصادي.

الاستثمار الأجنبي

بمجرد الحديث عن خفض الفائدة والإجراءات النقدية التوسعية، تقفز إلى الأذهان حالة الإحجام عن الاستثمارات التي تراجعت عائداتها والاتجاه برؤوس الأموال إلى استثمارات أعلى عائدا، وهو ما توقع البعض أن تتعرض له الأصول المصرية المتداولة في أسواق المال المحلية والعالمية، أهمها سندات وأذون الخزانة الصادرة عن وزارة المالية.

لكن محمد زيدان، محلل أسواق المال لدى ثنكماركتس، قال إن الهروب برؤوس الأموال إلى استثمارات مرتفعة العائد قد يكون رد فعل طبيعي لخفض الفائدة من الناحية النظرية، رغم ذلك "لا يصدق ذلك على الوضع في مصر لاجتماع عدة عوامل تحول دون خروج الاستثمارات من مصر حتى مع استمرار خفض الفائدة."

وأضاف أن "عمليات تسمى Carry Trade، وهي مضاربة في الأصول الاستثمارية في أسواق المال تستهدف تحقيق أرباح من خلال فارق العائدات، يستهدف المستثمرون الأجانب بها الجنيه المصري الذي يرونه أصلا ماليا منخفض القيمة، وهو ما يساعد على بقاء الاستثمارات الأجنبية في مصر بعد خفض الفائدة استغلال لضعف العملة المحلية."

الجنيه المصري
Getty Images
يقبل مستثمرون أجانب على الجنيه المصري لانخفاض قيمته في إطار مضاربات تضمن بقاء الاستثمارات الأجنبة في مصر رغم خفض الفائدة

وأكد أنه رغم خفض الفائدة في مصر، لا يزال معدل الفائدة على الجنيه المصري والأصول المالية مرتفعا مقارنة بالمعدلات السائدة في المنطقة، ما يحافظ على عوامل الجذب التي يتمتع بها الاستثمار في مصر.

وأعلنت وزارة المالية المصرية في مارس/ آذار الجاري إعداد برنامج لطروح أولية لعدد من الشركات الحكومية التي تحقق أرباحا بهدف توسيع قاعدة الملكية وتوفير تمويلات للشركات المصرية من خلال طرح أسهمها في البورصة المصرية للمرة الأولى. وتوقعت الوزارة أن يصل إجمالي قيمة الأسهم الحكومية التي من المقرر طرحها إلى 80 مليار جنيه، وأن تصل قيمتها السوقية بعد الطرح إلى 430 مليار جنيه، وفقا لبيان صادر عن الوزارة.

ويرى زيدان أن هذه الطروح الأولية لشركات حكومية، تحقق أرباحا في الفترة الأخيرة، تعد من أهم العوامل التي تعزز الاستثمارات الأجنبية في مصر وتحول دون خروج تدفقات رؤوس الأموال خارج البلاد.

لكن معارضين لقرار الطرح الحكومي لشركات القطاع العام في البورصة المصرية، بينهم حزب التحالف الشعبي الاشتراكي والحركة المدنية الديمقراطية، يرون أن هذه الطروح قد تطال شركات حيوية لا يستغني عنها المواطن مثل هيئة السكك الحديد وشركات المياه، والكهرباء، وربما قناة السويس، بحسب بيان أصدره حزب التحالف الشعبي الاشتراكي في هذا الشأن في مارس الجاري.

وعلى صعيد السندات السيادية الصادرة عن وزارة المالية، وهي سندات وأذون خزانة مطروحة للتداول في السوق المحلي والأسواق العالمية، قد تتعرض هذه السندات لعمليات بيع تقلل من قيمتها، من ثَمَ ترفع العائدات المستحقة عليها بعد خفض الفائدة للمرة الثانية في شهرين فقط.

لكن نتائج الطروح التي أجرتها وزارة المالية في فبراير/ شباط الماضي، وهي ثلاثة طروح لأذون خزانة، أشارت إلى أن هذا الأثر السلبي قد يتحقق من الناحية النظرية فقط، إذ أثبت الواقع نجاح عمليات طرح الأوراق المالية السيادية على مدار الشهر الماضي رغم خفض الفائدة.

وأعلنت وزارة المالية ارتفاع معدل طرح سندات وأذون خزانة في الربع الثاني من العام المالي 2017/2018 بنسبة 51 في المئة، ما يلقي الضوء على النتائج الإيجابية لهذه الطروحات رغم خفض الفائدة في فبراير/ شباط الماضي.

الدولار
Huw Evans picture agency
قد يتلقى الجنيه المصري دعما يساعده على التماسك مقابل الدولار الأمريكي رغم خفض الفائدة حال تحقق النتائج المرجوة من الخفض

وتوقع فادي عبد الرحمن أن يتراجع إصدار المالية المصرية لسندات وأذون خزانة خلال الأشهر القليلة المقبلة بعد تحقيق السلطات المالية والنقدية لأهدافها التمويلية من طرح الأوراق المالية السيادية في أسواق المال المحلية والمالية.

وأضاف أن "إجمالي الإيداعات لدى القطاع المصرفي المصري قارب 3.5 تريلليون جنيه، ما يجعله من أكبر أحجام الإيداعات في المنطقة ويعكس قدر كبير من القوة التي اكتسبتها البنوك المصرية في الفترة الأخيرة نتيجة للسياسات النقدية والمالية المتبعة."

وأشار إلى أن البنك المركزي "خفض الفائدة في إطار يتسق مع سياسته النقدية الحالية التي تستهدف تعزيز الإقراض بعد الوصول إلى الحجم المستهدف للإيداعات وتحقيق مستويات السيولة المطلوبة"، مرجحا أن تعزيز نشاط الإقراض ينعكس إيجابا على أداء وربحية القطاع المصرفي ويشجع على الاستثمار، ما يصب في مصلحة النمو الاقتصادي.

أداء الاقتصاد

هبط معدل التضخم العام في مصر في فبراير/شباط الماضي إلى 14.4 في المئة مقابل القراءة المسجلة في يناير/ كانون الثاني الماضي عند 17.1 في المئة. كما تراجع معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة، إلى 11.9 في المئة مقابل القراءة السابقة التي سجلت 14.4 في المئة، وفقا للبنك المركزي المصري.

وأرجعت السلطات النقدية في مصر هذا الانخفاض إلى إجراءات التقييد النقدي التي اتبعها البنك المركزي خلال الفترة الماضية، أبرزها رفع معدل الفائدة على الإقراض، والإيداعات.

ويرجح الاتجاه الحالي إلى خفض الفائدة أن إجراءات رفع الفائدة عقب تحرير سعر الصرف في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 بدأت تؤتي ثمارها وأسفرت عن خفض معدل التضخم الذي ارتفع بعد قرار التعويم إلى مستويات تجاوزت 30 في المئة، ما قد يخفف من الأعباء الواقعة على كاهل المصريين جراء إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تتخذها الحكومة المصرية.

كما شهدت قراءة ميزان المدفوعات في مصر تحسنا ملحوظا في الفترة الأخيرة ليتراجع عجز الحساب الجاري إلى 3.4 مليار دولار في النصف الأول من العام المالي 2017/2018 مقابل 9.4 مليار دولار سجلها العجز بحوالي 64.00 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام المالي الماضي.

وأعلنت وزارة المالية المصرية في أوائل الشهر الجاري تثبيت سعر الدولار الجمركي، وهو وحدة محاسبة دافعي الرسوم الجمركية التي لا ينطبق عليها سعر الصرف السائد للجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي، عند مستوى 16 جنيه للدولار، وفقا للموقع الرسمي لمصلحة الجمارك المصرية.

ويستخدم معدل الفائدة عالميا كأداة، هي الأكثر فاعلية بين الأدوات النقدية، في السيطرة على التضخم وضبط الأسعار. كما يوظف خفض الفائدة للتشجيع على الاستثمار خارج القطاع المصرفي لتعزيز النمو الاقتصادي، وهو ما يسمى بالإجراءات التوسعية.

توقعات الفائدة

استنادا إلى النهج التوسعي الحالي للسياسة النقدية في مصر، الذي يعتمد على خفض الفائدة، توقع علاء عبد الحليم، المحلل الاقتصادي، أن يخفض البنك المركزي الفائدة مرتين على الأقل خلال 2018.

وقال عبد الحليم لبي بي سي إن "رفع الفائدة لمستويات بلغت 20 في المئة كان وضعا مؤقتا، واعتبره معدلا جنونيا، استمر حوالي عام ونصف بعد قرار تعويم الجنيه المصري."

وأضاف أن قرار الخفض لن يكون له أثر كبير على الاستثمارات في سندات وأذون الخزانة المصرية في الداخل والخارج. فعلى صعيد السوق المحلي، تعتمد البنوك والمؤسسات المالية الكبرى على الأوراق المالية السيادية لأنها خالية من عنصر المخاطرة، ما يجعلها الأكثر أمانا، ما لا يجعل أمام كبار صناديق الاستثمار الضخمة خيار آخر ويبقى على استثماراتهم في السندات وأذون الخزانة المصرية دون تراجع عقب خفض الفائدة.

وأشار إلى أن "أثرا محدودا للغاية قد ينتج عن قرار خفض الفائدة على السندات وأذون السيادية المصرية السيادية المطروحة في الأسواق العالمية، وقد لا تتأثر على الإطلاق لخضوعها لعوامل خارجية ذات صلة بأسواق المال العالمية."

ورجح أن تشهد أسواق الأسهم المصرية ارتفاعات ملحوظة في افتتاح الأسبوع المقبل لأن هناك "علاقة عكسية بين معدل الفائدة والأسهم"، إذ يؤدي انخفاض الفائدة إلى ارتفاع الأسهم والعكس صحيح.

رغم ذلك، هناك خطر وحيد يواجه البنك المركزي في مساره الحالي نحو التوسع النقدي وخفض الفائدة، وهو الارتفاع الحالي في أسعار النفط العالمية التي قد تدفع التضخم إلى الارتفاع من جديد ويستلزم الإبقاء على معدل الفائدة دون خفض لمواجهة الصعود المحتمل في أسعار المستهلك، وفقا لمحمد زيدان.