أطلق نشطاء مغاربة على مواقع التواصل الإجتماعي حملة لمقاطعة بعض المنتوجات الوطنية التي تشهد ارتفاعًا في الأسعار، مما دفع بكثيرين إلى وضع هاشتاغات على حساباتهم في موقع فايسبوك يدعون من خلالها إلى مقاطعة بعض المنتوجات التي تم انتقاؤها دون غيرها لأسباب أرجعها كثيرون إلى ما هو سياسي.

إيلاف من الرباط: على رأس تلك المنتوجات تأتي مادة الحليب والبنزين، حيث ركز الداعون إلى المقاطعة على اسم واحد لمحطات تزوّد تابعة لشركة بعينها دون أخرى، وهو ما دفع بالكثيرين إلى الجزم بأن التنافسية وتصفية الحسابات بين المضاربين الإقتصاديين وراء إطلاق هذه الحملة، في حين قال آخرون إن خلفيات سياسية وراءها.

هذه الحملة التي انتشرت على نطاق واسع بين رواد مواقع التواصل الإجتماعي، الذين لم يتردد بعضهم في وضع فيديوهات توثق لعمليات تخلصهم من بعض المواد التي دعوا إلى مقاطعتها، قبل أن تتوسع لائحة المنتوجات لتصل إلى الأسماك وقناني الزيت وكل المواد التي عرفت ارتفاعًا في الأسعار وأنهكت جيوب المغاربة.

انتقد كثيرون هذه الحملة التي وصفوها بكونها ترتكز إلى المكر والخديعة واستبلاد المواطن المغربي، معتبرين أن جهات أقدمت على تجييش فريق إلكتروني بشكل منظم للتغطية على الوضع، محملين الدولة المسؤولية لكونها تقف عاجزة عن معالجة الأمر، حيث تم استهداف محطات وقود بعينها دون أخرى غيرها، وهو ما يؤكد ضرب المصالح الإقتصادية لجهات معينة.

نجيب أقصبي الخبير الإقتصادي المغربي

ورأى البعض أن الجهة المسؤولة عن تردي الأوضاع الإجتماعية للمغاربة، بغض النظر عن خلفيات الحملة، تعود إلى تحرير الأسعار الذي لم تصاحبه رؤية استباقية لنتائجه الإقتصادية الوخيمة، خاصة في غياب الآليات المؤسساتية الضامنة لحرية التنافس، والتي أدت إلى أن تصبح الشركات «كارتيلات» تحدد بنفسها السعر الذي يناسبها، من دون الإكتراث بالقدرة الشرائية للمواطنين. 

ودعا كثيرون إلى نقاش سياسي عمومي من شأنه أن يطرح المشاكل ويقترح حلولا، بدلا من نهج ما أسموه بـ"البوليميك" الذي لا طائل منه.

من جهته، أرجع نجيب أقصبي الخبير الإقتصادي المغربي أسباب الحملة إلى سياسة تحرير الأسعار والأسواق، وهو الإجراء الذي لم يتخذ معه وضع التدابير اللازمة كإجراءات للضبط والتي يفترض أن تصاحبه، كما هو متعارف عليه دوليا. 

وأضاف أقصبي في تصريح لـ «إيلاف المغرب» أن سياسة تحرير الأسواق والأسعار في المغرب تمت بشكل عشوائي وغير متحكم فيه، وهو ما أدى إلى احتكار السوق من قبل العديد من الشركات، الشيء الذي انعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين.

وعكس ما روّجه الكثيرون في تحليلهم لحملة المقاطعة والذين حملوا المسؤولية إلى حكومة عبد الاله ابن كيران، قال أقصبي إن الحكومات السابقة تتحمل كذلك مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الإقتصادية للمواطنين من تدهور، بدءا بسياسة التقويم الهيكلي في ثمانينات القرن الماضى ومرورا بحكومة عبد الرحمن اليوسفي ثم حكومة عباس الفاسي، وكلها حكومات تتحمل مسؤولية الوضع الحالي. 

واعتبر أقصبي أن الحملة تعد صيغة من بين صيغ متعددة تجعل المواطن المستهلك يستفيق ويعي حقوقه التي ينبغي أن يدافع عنها، لانه يبقى المتضرر من كل هذه السياسات التي حررت الأسواق والأسعار من دون تدابير ضابطة ومراقبة للإحتكار، مثل مجلس التنافسية الذي تم تجميده ولم يقم بدوره.

انتقد الخبير المغربي ما تقدم عليه المؤسسات الإقتصادية بتحديد الأسعار، مؤكدا أنه لو تعلق الأمر بدولة الحق والقانون لكانت المتابعة الجنائية في حقهم، لأن ذلك يخرق مبدأ التنافسية. 

لم يخف أقصبي تخوفه من أن تتدخل المصالح الإقتصادية من جديد لإجهاض هذه الحملة التي اعتبرها إيجابية بكل المقاييس بغض النظر عن خلفياتها وحساباتها.