بروكسل: ترى أوروبا أن السياسية الأميركية في فرض العقوبات على إيران ليست بريئة، إذ تهدف للحد من صادرات النفط والغاز الإيرانية، الأمر الذي يجمد قدرة طهران التنافسية لمصلحة واشنطن، ويمكن الأخيرة من الخطوات الأولى لاحتكار أسواق القارة العجوز وإدخال غازها المسال إليه.

ويشتبه الأوروبيون في أن الولايات المتحدة تسعى الى تجميد استغلال احتياطات غاز إيرانية ضخمة، عبر فرض عقوبات على الجمهورية الاسلامية في إطار الملف النووي، بهدف زيادة انتاجها الخاص الذي يشهد ازدهارا مع الغاز الصخري.

كسر المنافسة

وقال مسؤول أوروبي مطلع على الملف أن "العقوبات الأميركية ستطال صادرات النفط والغاز الايرانية الموجهة الى أوروبا".

وأوضح لوكالة فرانس برس رافضا الكشف عن اسمه "أنها بشكل واضح محاولة جديدة للحد من مصدر إمداد مختلف لكي يمكن ايصال الغاز الطبيعي المسال الاميركي الى أوروبا بشكل أسهل وبدون منافسة".

مسبب وليس هدف

وقال مارك أنطوان آيل مازيغا مدير مركز الطاقة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية "لا أعتقد ان ذلك هو الهدف الرئيسي للعقوبات ضد ايران، لكنه من الأثار التي ستسببها".

وتوقع في مقابلة مع وكالة فرانس برس عبر الهاتف "من الواضح أن الاستثمارات المرتقبة لن تحصل. لا أعرف أي من الشركات الدولية الكبيرة ستجازف بذلك".

تحذير من العقوبات

وكانت واشنطن أعلنت متجاهلة تحذيرات الأوروبيين، عن إعادة فرض العقوبات التي رفعت بموجب الاتفاق المتعدد الأطراف المبرم عام 2015، على إيران مقابل تعهدها بتجميد برنامجها النووي.

وتهدد الولايات المتحدة طهران بالعقوبات "الاقوى في التاريخ" إذا رفض الإيرانيون شروطها لإبرام "اتفاق جديد" يشمل برنامج إيران للصواريخ البالستية.
الشركات الأوروبية

وحذر وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو من أن الشركات الأوروبية التي ستواصل التعامل مع ايران في قطاعات محظورة بموجب هذه العقوبات، "ستتحمل مسؤولية" ذلك.

احتياطات ضخمة

الإعلان عن احتمال انسحاب مجموعة النفط العملاقة توتال من إيران وعدة شركات أوروبية أخرى كانت في صلب محادثات أجراها في الآونة الأخيرة في طهران مفوض الطاقة الأوروبي ميغيل ارياس كانتي.

وقال كانتي في ختام سلسلة لقاءات أجراءها مع نائب الرئيس الإيراني علي صالحي ووزير الخارجية محمد جواد ظريف ووزيري النفط والطاقة أن "الإيرانيين يشكون في قدرة الأوروبيين على عدم الانصياع للمصالح الأميركية".

واردات أوروبا من الغاز

وقد أطلقت الولايات المتحدة استراتيجية البحث عن أسواق لبيع غازها الطبيعي، وصدرت 17,2 مليار متر مكعب عام 2017 إلى موانئ الاتحاد الأوروبي. 
وبحسب مركز الدراسات "اي اتش اس ماركيت" فان "القدرة الاجمالية لاستيراد الغاز الطبيعي لدى أوروبا ستزيد بنسبة 20% بحلول العام 2020".

وفي كل سنة تستورد دول الاتحاد الأوروبي ثلث احتياجاتها للاستهلاك (66%). 

وخلال العام 2017 شكل ذلك 360 مليار متر مكعب من الغاز بينها 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال بقيمة 75 مليار يورو بحسب الاحصاءات الأوروبية.

وحتى الآن، نصف الغاز الذي تشتريه أوروبا، روسي لكن الأوروبيين يسعون إلى كسر هذا الاعتماد على روسيا.

احتياطي إيران

وقال كانتي إن "الاحتياطي الإيراني هائل وإذا طورت ايران منشآت مناسبة فيمكن أن تتيح لهذا البلد ان يصبح مزود كبير لأوروبا".

وتملك طهران أكبر احتياطي غاز في العالم بعد روسيا وخصوصا مع حقل الاوفشور فارس الجنوبي. ويقدر بنحو 191 تريليون متر مكعب. 

وصدرت البلاد 10 مليار متر مكعب عام 2017 عبر أنبوب الغاز نحو تركيا والعراق، لكن الحل للمستقبل سيكون الغاز الطبيعي المسال كما يؤكد المسؤولون الاوروبيون.

من جهته قدر وزير النفط الايراني بيجان نمدار زنقانة احتياجات الاستثمار بنحو مئتي مليار دولار على خمس سنوات. وساهم قطاع الطاقة بحوالى 50 مليار دولار من عائدات الدولة عام 2017 بحسب المعطيات الاوروبية.

استهداف روسيا

ويعتبر الاتحاد الأوروبي ليس الجهة الوحيدة المستهدفة من قبل واشنطن.

وقال المسؤول الأوروبي "المنافس المستهدف الآخر هو روسيا مع مشروعها الرائد نورد ستريم 2".

ويهدف هذا المشروع إلى مضاعفة قدرات انبوبي الغاز "نورد ستريم1" بحلول 2019 وافساح المجال امام وصول المزيد من الغاز الروسي بشكل مباشر إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق وبالتالي بدون المرور عبر أوكرانيا.

ورقة ضغط

من جهته يطالب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالتخلي عن هذا المشروع، وجعله ورقة تفاوض لإعفاء الأوروبيين من الرسوم على الفولاذ والالمنيوم بحسب مصادر اوروبية مقربة من الملف.

بدورها دافعت المستشارة الألمانية إنغيلا ميركل بشدة عن مشروع أنبوب الغاز الاستراتيجي هذا. 

وقال مصدر حكومي ألماني "في الوقت الراهن، الغاز الطبيعي المسال الأميركي أغلى من الغاز الروسي. لدينا سوق حرة، والغاز الطبيعي المسال يجب ان يكون موضع تنافس".

أوروبا تفضل إيران

لكن مشروع "نورد ستريم 2" لا يساعد على تنويع مصادر الطاقة الذي تسعى اليه اوروبا كما اقر من جهته المفوض كانتي.

وأضاف المصدر مخاطبا الولايات المتحدة أن "أوروبا تريد تطوير استراتيجية غاز مسال بهدف ضمان أمن الطاقة لديها، وايران تشكل مصدر امداد مهما".