باريس: أسعار الخام آخذة في الارتفاع، وشركات النفط الكبرى تحقق أرباحا كبيرة الا انها تتوخى الحذر حيال الاستثمار في هذا القطاع نظرا لتجاربها السابقة. 

ولا تنسى هذه الشركات فترة انخفاض اسعار النفط. لذا، فإنها لا تزال حذرة من الاستثمار لانتاج المزيد من النفط وطرحه في الاسواق، بحسب محللين. 

ارتفعت أسعار النفط من 27 دولارا للبرميل في يناير 2016 الى 57 دولارا نهاية العام الماضي. 

وفي مايو 2018 سجلت مزيدا من الارتفاع ووصلت الى 80 دولارا للبرميل، لكنها تراجعت بعد ذلك الى نحو 75 دولارا. 

ونتيجة لذلك اظهرت تقارير الارباح الفصلية لشركات النفط ارتفاع ارباحها بشكل كبير.

لكن الانهيار الكبير لاسعار النفط قبل اربعة اعوام وسط تخمة في الاسواق يجعل هذه الشركات لا تخلد الى الراحة. 

قال باتريك بويان الرئيس التنفيذي لشركة توتال الفرنسية ان الاسعار لا تزال "عرضة للتقلب بشكل كبير". 

وارتفعت الاسعار لاسباب بينها اتفاق تم التوصل اليه في ديسمبر 2016 بين منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) وروسيا. 

ولكنها عادت الى الاستقرار بسبب تجديد الاتفاق في يونيو هذا العام بين الدول العملاقة المنتجة للنفط على زيادة الانتاج. 

الا ان معوقات الانتاج في ليبيا وفنزويلا وايران يبقي الاسعار عرضة للتقلبات. 

كما ان تبادل التصريحات الحادة بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب ونظيره الايراني حسن روحاني خلال عطلة نهاية الاسبوع اعادت تجديد المخاوف في الاسواق. 

قال غي ميزونييه في معهد "اي اف بي اي ان" لابحاث الطاقة الفرنسي ان ما يضيف الى الضغوط هو "خطر لا يزال يحيق بالاسواق يتمثل في النفط الصخري"، في اشارة الى هذا المصدر غير التقليدي الذي جعل من الولايات المتحدة المنتج رقم واحد للنفط مرة اخرى. 

وقال ان "شركات النفط تخشى من ان الارتفاع الحاد في الانتاج الاميركي يمكن ان يغير ديناميكيات السوق" ويؤدي الى انخفاض الاسعار بسرعة. 

"حذرة للغاية"

وفي هذه الظروف الغامضة فإن "شركات التنقيب عن النفط وانتاجه تستجيب لارتفاع الاسعار اولا بالرغبة في مكافأة المساهمين من خلال زيادة حصصهم من الارباح"، بحسب المحلل رائد الاسلام من شركة "ريستاد اينيرجي" النرويجية للابحاث والاستشارات. 

كما انها مقترة في استثماراتها التي تختارها بعناية شديدة. 

قال سبنسر ويلش من "اي اتش اس ماركت" ان شركات النفط "حذرة للغاية وتقوم باختبار ما اذا كانت المشاريع ستكون مجدية اقتصاديا عندما تكون اسعار النفط اقل من 50 دولار للبرميل او حتى 40 دولار للبرميل قبل ان توافق على المشروع". 

واضاف ان الانفاق على التنقيب والانتاج لا يزال ضعيفا ولا يتجاوز حجمه نصف ما كان عليه بين 2011 و2014. 

والبلد الوحيد الذي يزداد فيه الانفاق هو الولايات المتحدة حيث حول التنقيب عن مخزونات النفط الصخري البلاد الى منتج كبير للخام مرة اخرى. 

وبحسب ارقام معهد "اي اف بي اي ان" فإن الاستثمار العالمي في التنقيب عن النفط وانتاجه بلغ 700 مليار دولار في 2014 قبل ان ينخفض مع انهيار اسعار النفط. 

وحتى لو ارتفع الاستثمار بشكل متواضع، فإنه لن يزيد عن 400 مليار دولار هذا العام، بحسب توقعات المعهد. 

واثار هذا التردد في الاستثمار تحذيرات من وكالة الطاقة الدولية بأن امدادات النفط لن تكون كافية لتلبية الطلب المتزايد خلال السنوات القليلة المقبلة. 

ويوافق ويلش على ذلك قائلا انه رغم تفهمه لمخاوف الشركات، لكن عليها ان تظهر بعض الشجاعة اذا ارادت ان تحافظ على امدادا العالم بالنفط. 

ويوضح "لا يزال العالم يحتاج الى النفط بمعدل 100 مليون برميل يوميا، وسيحتاج الى مزيد منه. لذا، يجب زيادة عمليات العثور على النفط وتطويره اكثر من المستويات الحالية، لان الانتاج الان بحاجة الى التعويض مع انخفاض الامدادات الحالية". 

ضغط على مزودي الخدمات

دفعت سنوات من الازمة شركات النفط الى تفضيل الاستثمار في المشاريع الارخص والاكثر بساطة. 

قال رائد الاسلام "ما تخشاه الشركات الكبرى هو اطلاق شكل من اشكال تضخم الاسعار الذي شهدناه خلال ايام اسعار النفط المرتفعة بشكل كبير". 

على سبيل المثال فإن شركة بريتش بتروليوم (بي بي) وشركائها كانوا يخططون لاستثمار 20 مليار دولار في مشروع "ماد دوغ2" العملاق في خليج المكسيك. 

لكنهم غيروا رأيهم لاحقا وقالوا ان المشروع مكلف ومعقد جدا. 

وقرروا بدلا من ذلك استثمار 9 مليارات دولار بعد تبسيط خطط بناء المنصة. 

وللابقاء على التكاليف منخفضة، فإن الشركات تمارس ضغوطا على مزودي الخدمات الذين اضطروا الى التخلص من الاف الوظائف في السنوات الاخيرة. 

قال غايل بودينز مدير شركة بوربون الفرنسية التي توفر الخدمات البحرية لشركات النفط "عام 2018 كان رابع عام على التوالي تنخفض فيه الميزانيات". 

واضاف "علينا الانتظار حتى 2019 لنرى الاستثمارات تزداد مجددا تدريجيا".