هل يشفق المرء على الرئيس الأمريكي القادم سواء أكان المرشح الجمهوري جون ماكين أو الديمقراطي باراك اوباما؟
ربما يكون ذلك كذلك بالفعل والسبب في هذا هو أن هناك ارث بغيض تركه الرئيس بوش لخلفه وبات معه من الصعوبة للغاية التخلص منه ودليلنا في هذا المقام عدة شواهد بعضها يشير إلى الأزمات التي ستواجه ذلك الرئيس في منطقة الشرق الأوسط على سبيل المثال والبعض الأخر يؤمي إلى حالة العجز الثلاثي التي أصابت أمريكا في الداخل. والمثير في الأمرين أن الكاتب والمحلل لإشكالية أمريكا في الخارج والداخل هو ذاته منظر العولمة الأشهر توماس فريدمان والذي ملا ولا يزال الدنيا صياحا بحديثه عن العولمة وتبشيره بقرب انبلاج العالم الجديد بقيادة أمريكية وهو على ما يبدو تراجع عنه مؤخرا.
وعلامة الاستفهام في هذا المقام كيف سيتصرف الرئيس الأمريكي الجديد إزاء العديد من الملفات الخلافية المؤلمة ولعل أولها أزمة الشرق الأوسط؟
يجيب فريدمان تحت عنوان quot; رئيس لحرب باردة جديدة quot; بالقول: سوف يرث الرئيس الأمريكي الجديد العديد من التحديات على صعيد السياسة الخارجية، ومن أهمها على الإطلاق ذلك الخاص بالحرب الباردة.
وهنا ترتسم على الوجوه علامة استفهام عريضة عن أي حرب باردة يتكلم فريدمان؟ الم تنتهي الحرب الباردة في نهاية حقبة الثمانينات من القرن المنصرم بهزيمة ساحقة مدوية للمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي؟ المؤكد أن فريدمان هنا يشير إلى حرب باردة من نوع جديد وفي موقع وموضع مختلفين والمقصود هنا بالحرب الباردة هي إيران.. كيف ذلك؟
واقع الحال يشير إلى أن هناك حالة من التنازع والتشارع على النفوذ سيما في منطقة الخليج العربي بين معسكرين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وبجانبها عدد من الدول ذات التوجه السني والمعروفة باسم معسكر الاعتدال في مواجهة إيران وسوريا وحزب الله وحماس ما يعرف بالهلال الشيعي، وبالنسبة للتقسيم السابق فان الفريق الصديق لأمريكا يخسر بحسب فريدمان على كافة الجبهات والتساؤل لماذا؟ يجيب لان ذلك يرجع إلى أن إيران ذكية وعديمة الرحمة أما أمريكا فغبية وضعيفة ويبق العالم السني العربي ضعيف ومتهاون ومقسم.
ولعل المرء يتساءل أليس غريبا أن يذهب فريدمان مذهب واحد من أهم المراقبين الإسرائيليين المختصين بشؤون الشرق الأوسط quot; أيهود يعاريquot; quot; الذي كتب عبر صفحات quot; جيروزاليم ريبورت quot; مؤخرا يقول إن المنطقة تعيش حالة من السلام الإيراني quot;.
في هذا السياق يشير يعاري إلى شبكة النفوذ التي بنتها إيران في مختلف أنحاء الشرق الأوسط بدءا من نفوذها على رئيس الوزراء العراقي نور المالكي إلى قدرتها على تحويل حزب الله إلى قوة مرهوبة الجانب بحوزتها 40 ألف صاروخ وقادرة على السيطرة على لبنان وتهديد إسرائيل إذا ما فكرت في مهاجمة طهران بالإضافة إلى قدرتها أيضا على تقوية وضع حماس في غزة وإعاقة أي اتفاقية سلام إسرائيلية ـ فلسطينية ترعاها الولايات المتحدة.
لكن ماذا على الجانب الأخر من الأطلسي...... ماذا عن فريق بوش؟
بحسب رؤية النيويورك تايمز فان جماعة بوش نجحت خلال السنوات الثماني الماضية من عمر الإدارة في الحكم في وضع أمريكا بموضع فريد داخل الشرق الأوسط غدت فيه دولة غير محبوبة وغير مرهوبة وغير محترمة كما يقول ديفيد ميلر المفاوض السابق في الشرق الأوسط عبر كتابه الجديد المثير للجدل عن عملية السلام والمعنون بquot; الأرض الموعودة بلا حساب quot;.
ماذا يعني ما تقدم؟
يعني باختصار غير مخل أن الرئيس الأمريكي القادم سيرث ولاشك تهديدا استراتيجيا لأهم مبدأين حافظت كل الإدارات الأمريكية السابقة على تأمينهما الأول هو امن وأمان إسرائيل ذاك الذي أصبح مهددا بما لا يقبل الشك وقد كانت حرب يوليو تموز من العام 2006 خير شاهد على ذلك مع الأخذ في عين الاعتبار الأوضاع التسليحية الأقوى لحزب الله الان ووجود حماس في مراكز متقدمة عسكريا داخل غزة، والأمر الأخر هو تهديد منابع النفط في منطقة الخليج العربي، إذ ليس خافيا على احد أن إيران لن تتوانى حال تعرضها لهجومات إيرانية أن تهدد بدورها بقية المنطقة التي يشكل نفطها عصب الحياة الأمريكية.
ويطول الحديث عن الألم الذي يفتح ذراعية لاستقبال ماكين أو اوباما غير أن النتيجة الحتمية المواجهة للإمبراطورية الأمريكية هي quot; العجز الثلاثي quot; والتعبير هنا من جديد لتوماس فريدمان في توصيف فريد لحالة الوهن وضعف النفوذ والتأثير الأمريكية على دول العالم الخارجي... ماذا عن هذا؟
يؤكد فريدمان على أن اكبر فشل واجهته السياسة الخارجية الأمريكية في عهد إدارة بوش ليس الفشل في إدارة العراق على الرغم من أبعاده الكارثية وإنما هو فشل أخر ذو تداعيات واسعة النطاق على موازين القوى الحالية ويقصد به على نحو خاص فشل بلاده بعد الحادي عشر من سبتمبر في وضع سياسة فعالة للطاقة وبعملية حسابية وفقا لشهادة خبير الطاقة الأمريكي quot; جال لوفت quot; والتي أدلى بها أمام الكونجرس فان ارتفاع سعر برميل النفط إلى 200 دولار سيعني أن منظمة quot; أوبك quot; يمكن أن تشتري بنك أمريكا بحصيلة شهر واحد من الإنتاج وشركة ابل للكمبيوتر بحصيلة أسبوع وجنرال موتورز بحصيلة ثلاثة أيام فقط.
والحاصل أن الرئيس الأمريكي القادم ربما يتوجب عليه قبل الدخول إلى البيت الأبيض أن يقرا كتابين غاية في الأهمية صدرا مؤخرا في الولايات المتحدة الأمريكية الأول هو quot; عالم ما بعد أمريكا quot; لمؤلفه فريد زكريا quot; رئيس تحرير نيوزويك انترناشيونال والثاني هو كتاب quot; الطبقة السوبر quot; لمؤلفه quot; ديفيد روثكوف quot; الأستاذ الزائر بمؤسسة كارنيجي والتساؤل لماذا هذان الكتابان؟
ببساطة لان الأول يشير إلى حالة العجز التي سيتسلم الرئيس الجديد أمريكا عليها بعد أن اعتمدت طويلا على مواردها الطبيعية الهائلة وجامعاتها المطورة وأسواقها الحرة وثروتها المتنوعة من المواهب البشرية، وافترضت أن تلك الموارد ستعوض عن انخفاض معدلات ادخارها وعدم امتلاكها لنظام رعاية صحية، أو خطة استراتيجية لتحسين قدرتها التنافسية هل هذا كل شيء؟.
ليس بعد إذ يرى زكريا quot; انه لم يكن هناك باس في ذلك في عالم لم تكن فيه الدول الأخرى تنجز، ولكن تلك الدول تركض في الوقت الراهن بأقصى سرعة تعمل بجد وتدخر كثيرا وتفكر للمدى الطويل وأنها قد quot; استفادت من دروسنا وتلعب في الوقت الراهن لعبتنا وإننا إذا لم نقم بإصلاح نظامنا السياسي ونبدأ في التفكير على نحو استراتيجي حول الكيفية التي يجب أن نقوم بها بتحسين قدرتنا التنافسية فإننا quot; سنعرض مركزنا المتميز والفريد في العالم لخطر التآكل في الوقت نفسه الذي ستواصل فيه الدول الأخرى صعودها quot;.
اما روثكوف فيحذر من إشكالية أسوا إذ يقر بان نفوذ الدول والأمم يتضاءل في الوقت الراهن في طائفة من أكثر القضايا أهمية في زمننا وان النظام الخاص الذي تستخدمه تلك الدول في معالجة وتناول الموضوعات العالمية قد وصل إلى درجة من عدم الفعالية لم يسبق له أن وصل إليها من قبل وهو ما يؤدي إلى نشوء حالة من فراغ القوة الذي يتم ملئه من قبل مجموعة صغيرة من اللاعبين المنتمين إلى ما يعرف بquot; الطبقة السوبر quot; التي تتكون من طبقة جديدة من النخب العالمية المهيأة بشكل أفضل للعمل على الساحة العالمية والتأثير على المحصلات العالمية أيضا بشكل يفوق من حيث القدرة معظم قادة الدول.
هل من مخرج لامريكا من مازقها الحالي؟ ربما تكون في العودة الى مراجعة اوراق حكماء امريكا المعاصرين ونصائحهم بداية لاستعادة راس المال السياسي الأمريكي المبدد فماذا عن تلك القراءات؟
إلى اللقاء في المقال القادم.