بضعة ايام تفصلنا عن الجواب للتساؤل المتقدم والذي سيكشف عن مكنونات قلب المجتمع الامريكي وهل تجاوز هذا المازق العنصري ام انه لا يزال راسخا في جذوره.
واقع الأمر تاريخيا يشير إلى ارتباط كلمة اسود بكلمة عبودية في الولايات المتحدة، وقد جاءت نشأة المجتمع والدولة في البلاد على عدة أسس من أهمها ضرورة جلب عبيد بأعداد كبيرة من القارة الإفريقية للعمل في الأراضي الشاسعة ولم يمنع ويتوقف استيراد العبيد من أفريقيا إلا عام 1806 وكان صوت الأمريكي الأسود الحر يبلغ ثلاثة أخماس صوت المواطن الأبيض، وتطلب الأمر حربا أهلية ضروسا للتغلب على تراث العبودية في أمريكا.
وقد كانت أواخر الستينات عند الكثيرين مرحلة شبه فاصلة في العلاقة بين السود والبيض وانتهت باغتيال القس الدكتور مارتن لوثر كنج المدافع الشهير صاحب الحلم الأكبر لتحرير السود من عبودية البيض في أمريكا وان بقيت كثير من الولايات البيضاء البشرة تعلق على لافتاتها لوحات عنصرية من عينة quot; ممنوع دخول السود واليهود والكلابquot;، ورغم مرور قرابة أربعة عقود من الزمان فان الشواهد والأدلة بل والأرقام المجردة تؤكد على أننا أمام عنصرية مقيتة لا حل لها... ماذا عن ذلك؟
في شهر أغسطس من عام 2001 وقبل أسابيع قليلة من الحدث الذي اتخذ ذريعة للمضي قدما في طريق المشروعات الإمبريالية الأمريكية حول العالم اتهمت الأمم المتحدة واشنطن بعدم اتخاذ الإجراءات الكافية بمحاربة التمييز العنصري وأعلنت لجنة مكافحة التمييز العنصري أن رد الولايات المتحدة على اتهامات وفد اللجنة بشان اضطهاد الأقليات في المجتمع الأمريكي لم يكن مقنعا.
وقد تلقت اللجنة تقريرا مبدائيا من الإدارة الأمريكية أكدت فيه أنها اتخذت جميع الخطوات لحماية الأقليات من أي تمييز أو اضطهاد بسبب العرق أو اللون أو الموطن الأصلي إلا أن مصادر مطلعة في لجنة مكافحة العنصرية ومقرها جنيف أكدت عدم اقتناع اللجنة بالرد الأمريكي وأشارت إلى أن التزام واشنطن بمعاهدة الحد من جميع أشكال التمييز العرقي ما زال اقل كثيرا من المتوقع وأضحت اللجنة أن تأكيدات واشنطن بشان حماية الأقليات في أمريكا غير واقعية.
في هذا السياق كانت الناشطة بمركز الحقوق الدستورية quot;نانسي شانغquot; تؤكد على أن أعضاء لجنة الأمم المتحدة اقتنعوا أثناء زيارتهم لواشنطن بانتشار جميع أشكال التمييز العنصري في خدمات التعليم والصحة والإسكان والرعاية الاجتماعية إضافة إلى القضاء ومعاملة المجرمين.
في هذا الصدد يذكر الدكتور جيمس زغبي مدير المعهد العربي الامريكي في واشنطن: انه بالعودة إلى الوراء إلى عام 1964 كانت صكوك الملكية العقارية في شمال غرب واشنطن تتضمن تعهدا يمنع بيع ذلك العقار إلى أمريكي من اصل أفريقي وبعد نحو أربعة عقود أو يزيد من إعلان هذه المواثيق باطلة ولاغية فقد ظلت واشنطن دي سي عاصمة الولايات المتحدة عاصمة منقسمة بشكل غير عادي فعلى الرغم من ان ثلثي سكان المدينة من الأمريكيين الأفارقة فان الفروقات الواضحة في الداخل مثل البنية التحتية والخدمات والفرص كلها أشياء تذكرنا بان هناك لا تزال أشياء غير مكتملة لإنجاز عمل د. كنج.
وعند اللجوء إلى الإحصائيات نلحظ أن عدد السود في الولايات المتحدة يبلغ نحو 40 مليون نسمة من اصل 300 مليون هم إجمالي عدد السكان ولذلك لا يمثلون بالتالي سوى 13% من السكان غير أن التفاوت يبقى صارخا بين السود والبيض حيث تتضاعف احتمالات البطالة والفقر بين السود أكثر من البيض حتى أن معدل البطالة فيما بينهم يبلغ 8% بينهم مقابل 4% من مجمل السكان فيما يضيف 25% من السود بأنهم يعيشون دون الفقر كما يقدر معدل دخل السود بحوالي 32 ألف دولار سنويا مقابل 51 ألف للبيض أما على الصعيد الصحي فالتفاوت كبير أيضا إذ يقل معدل عمر الرجل الأسود بست سنوات عن معدل نظيرة الأبيض فيما يشكل السود 47% من ايجابي المصل لفيروس مرض نقص المناعة المكتسبة quot; إيدز quot; مقابل 34% من لالبيض.
والشاهد أن التمييز العنصري يمتد بدوره إلى السجون حيث يبلغ عدد السود ستة أضعاف عدد البيض وفي ضوء هذا التمييز كان من الطبيعي ان يلفت مراقبون للمشهد النظر إلى انه منذ منتصف الستينات وحتى الساعة فان 60% من الشباب السود يشعرون بأنهم منبوذون من المجتمع الأمريكي.
في هذا السياق يكتب quot; كايل دروب quot;عبر الواشنطن بوست يقول ان نحو نصف الأمريكيين برون ان العلاقات العرقية في البلاد تأخذ شكلا متدهورا ويعترف 3 من اصل 10 أمريكيين بمشاعرهم بالتحيز العنصري وذلك وفقا لنتائج استطلاعات الرأي، ويضيف أن التحيز العنصري يظهر بوضوح اشد في التصنيف الذي يؤكد على أن 6 من اصل 10 أفريقيين أمريكيين يرون أن العلاقات ليست على ما يرام أو هزيلة في حين يعبر أكثر من نصف البيض بقليل عن عدم ارتياحهم لاختيار اوباما ويرون انه اختيار خطير على البيت الأبيض ويذهب الثلثين إلى أن جون ماكين المرشح لجمهوري هو المرشح والاختيار السليم وتقل نسبة المؤيدين لاوباما في البيض فيقول نحو 43% منهم أن اوباما يتمتع بخبرة كافية لتولي منصب الرئيس بفعالية بينما يبدي نحو 2 من 10 قلقهم من انه سيبالغ في تمثيل مصالح الأفريقيين الأمريكيين.
هل يصلح اوباما ما أفسدته العنصرية؟
يبقى هذا التساؤل حقيق بالتوقف أمامه شكلا وموضوعا والإجابة هنا نحيلها من جديد إلى استطلاع اجرته صحيفة الواشنطن بوست وفيه يظن الكثيرون أن اوباما يمتلك القدرة على تحويل السياسة العنصرية الحالية، ويؤمن 6 من 10 في أن ترشيحه سيعيد تنظيم الوضع العنصري الراهن أكان للأفضل أو للاسوا ومن بين أولئك الذين يعتقدون بان ترشيح اوباما سيؤثر على العلاقات العرقية يقول نحو 3 مقابل 1 أن التأثير سيكون ايجابيا في حين يذهب 4 مقابل 10 انه لن يحدث تغييرا كبيرا على الأرجح وفي هذا الصدد يتفوق الافريقيون الأمريكيون بتفاؤلهم على البيض إذ يقول 60 % أن ترشيح اوباما سيعمل أكثر على تحسين العلاقات مقارنة مع 38% من البيض.
ويعتقد الثلثان أولئك الذين يدعمونه للرئاسة انه سيحسن الوضع، غير أن اعتماد دلالة هذا السلوك وغيره من المشاعر العنصرية على الانتخابات الرئاسية ليس صحيحا فحوالي خمس البيض يقولون أن عرق المرشح هام في تحديد أصواتهم ولكن وضع اوباما بين هؤلاء الذين يقولون ذلك ليس أسوا من وضعه بين أولئك الذين يقولون أن ذلك لا يشكل عاملا هاما وحتى انه ليس عاملا بحد ذاته وكذلك الوضع بالنسبة للبيض الذين يقولون أن لديهم بعض مشاعر التحيز العنصري التي تزيد أو تقلل من دعمهم لاوباما.
ويكشف ضم المعايير المختلفة إلى بعضها البعض في مؤشر quot;الحساسية العنصرية quot; عن أن لهذا السلوك تأثير هام على اولويات الناخبين بعيدا عن الهوية الحزبية فبدمج الأجوبة مع الأسئلة حول المشاعر العنصرية ومفاهيم التمييز العنصري وما إذا كان لدى المستطلع صداقة شخصية حميمة مع احد من العرق الأخر في مقياس من فئات ثلاث يظهر أهمية السلوك العنصري القائم.
ويمنع البيض المحتلين الصدارة في المجموعة الحساسة أصواتهم عن اوباما بنحو 20 في المئة بينما يعطي من هم في أسفل الفئات الثلاث أصواتهم لماكين بحوالي 20 مقابل 1.
وينطبق هذا النمط على الديمقراطيين إذ يسجل اوباما أكثر من 20 نقطة بين الديمقراطيين من غير السود والمستقلين الذين يميلون إلى الديمقراطيين في أعلى المجموعة أفضل مما يسجله من نقاط في أسفل المجموعة.
ويبقى التساؤل الاخطر والاهم: هل مع اوباما تبدأ دورة تاريخية جديدة لأمريكا؟
هذا التساؤل يتصدى له quot; جيري هارت quot; السيناتور الديمقراطي السابق والذي يكتب عبر النيويورك تايمز الأمريكية يقول أن أهم ما يواجه الدورة الأمريكية القادمة قدرتنا على مواجهة جملة من الحقائق الجديدة لعالمنا خاصة وأنها حقائق تتجاوز عالم ما بعد الإرهاب الإسلامي على حد قوله، وتتضمن هذه الحقائق أسواق العولمة والتجارة الحرة واتساع رقعة ثورة المعلومات ووصولها إلى دول تبعد عنا حتى الصين، صعود قوي عالمية جديدة في مقدمتها الصين والهند وتدهور المناخ العالمي وانتشار الدول الفاشلة وكذلك تغير طبيعة وتكتيكات الحرب وتزايد موجات الهجرة الجماعية الواسعة وانتشار الأسلحة النووية ثم تفشي الأوبئة والأمراض الفيروسية وغيرها كثير وكثير.
وبالنظر إلى هذه الحقائق فانه ينبغي لمساعي السيناتور باراك اوباما الرامية لبدء الدورة السياسية المقبلة من التاريخ الأمريكي أن تشمل ثلاثة عناصر أساسية أولها تحديد مفهوم جديد للأمن القومي بحيث يكون أوسع مدى ومتجاوزا إلى مرحلة ما بعد الحرب الباردة وثانيها ضرورة انتقال الاقتصاد الأمريكي من النمط الاستهلاكي إلى الإنتاجي وثالثها إعلاء مسؤوليتنا الأخلاقية إزاء صيانة الحياة في كوكب الأرض وجعله متاحا لخير الجميع ورفاهيتهم.
وعلامة الاستفهام في هذا المقام: هل اوباما قادر على إدراك ما تقدم وغيره الكثير مما يتساوق وعودة أمريكا كمدينة فوق جبل تنير لبقية دول العالم؟.
الاجابة شديدة الوعورة،ذلك انه حال فوز اوباما سيضحى امام خياران لا ثالث لهما فاما ان يتساءل quot; ثم ماذا بعد؟quot;، وهذا امر متوقع بدرجة كبيرة وعندها ستبطل كل دعاوى واحاديث زمن الانتخابات واما ان يظهر قيادة حقيقية لدورة سياسية امريكية واضحة المعالم يدعمه فيها التفويض الشعبي الذي سيكون قد حصل عليه عبر صناديق الاقتراع حتى يتسنى له تحرير امريكا من سلطان العادة والخوف وسلطة الارتخاء والجمود الأرثوذكسي.
على ان الخياران رهن بوصول اوباما الى البيت الابيض اذا انتصرت روح امريكا الجديدة على ارث عنصريتها القديمة وما لم تقف الايادي الخفية الضاربة في عمق المجتمع الامريكي اياديها موقف محايد من المرشح الشاب الذي تجرا على الامل ولم يخف من بندقية تترصده عبر مكتبة عامة كما جرى في اوائل الستينات مع رئيس شاب حاول ان يترك بصماته على خريطة امريكا الجديد ولم يقدر له في ذلك نجحا.