يبدو أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة والتي وصفها الكاتب الأمريكي مايكل دوبز بأنها اوديسا القرن العشرين لا تود البقاء، بعيدا عن الأضواء والشهرة فبعد كتابها المثير quot; الجبروت والجبار: تأملات في السلطة والدين والشؤون الدولية quot; والذي صدر منذ نحو عامين وبمقدمة كتبها لها آنذاك الرئيس السابق بيل كلينتون والذي عملت في أدارته عادت مؤخرا للأضواء من جديد بكتابها quot; مذكرة إلى الرئيس المنتخب quot;.
والملاحظ أن أولبرايت وقبل صدور كتابها الأخير كانت وعبر الواشنطن بوست الأمريكية قد أثارت الغبار حول قضية جوهرية ربما تنعكس من الآن والى مدى بعيد على أمريكا بالسلب ألا وهي ذيوع وشيوع ثقافة الخوف مما جعل الرؤية بالنسبة للرئيس الأمريكي القادم ضبابية، وهو ما دفعها للعودة ثانية إلى مشهد الأحداث لا من باب السلطة التنفيذية كما من قبل إنما من بوابة التنظير الأيديولوجي لإمبراطورية غرقت كثيرا في أحلام وأوهام رئيس اعتقد انه quot; مخلص العالم quot; والتعبير هنا للكاتب الأمريكي جايمس بوفارد، وخيل إليه انه الرجل الذي فوضته العناية الإلهية في إقامة مدينة الله DE CIVITATE DEI التي حلم بها الفلاسفة والمصلحون من خلال تقسيمه العالم إلى معسكرين ما بين الخير والشر.
وحتى يتحرر الرئيس الأمريكي المنتخب في العام 2008 من حاجة بلاده للخوف ولكي يسترد إيمانه بفكرة أمريكا كمدينة فوق جبل CITY ON A HILL تنير للجالسين في الظلمة ديمقراطية، وحقوقيا وتملا الدنيا حرية، وعدالة فقد تزيات أولبرايت بثياب النبؤة السياسية ومهدت الطريق بوصايا عشر للرئيس القادم فماذا عن ذلك؟
قبل الغوص في الأفكار والأعماق والأفاق التي تقترحها أولبرايت، يجدر عقد مقارنة بين التركة التي خلفها بيل كلينتون لجورج بوش الابن وتلك التي سيمضي الأخير تاركا إياها للرئيس القادم، وهي مقارنة واجبة فضلا عن دلالاتها القوية، ذلك لان كلينتون وفي رحيله قد ترك اقتصادا مزدهرا للغاية وساحة دولية تكاد تخلو من الحروب الأمريكية ورصيد في المحافل الدولية كقوة تحولت من قوة عظمى SUPPER POWER إلى القوة الأعظم HYPER POWER وهو مشهد ينافي ويجافي واقع الحال اليوم ذلك أن القضايا المعلقة ينؤ بحملها الرئيس المنتخب القادم فمن حروب مفتوحة ولا تزال في العراق وأفغانستان مرورا بحملة دولية هلامية ضد الإرهاب ناهيك عن قيام أقطاب مناوئة ولو كانت في أطوار بدائية إلى متوسطة كالصين والهند ومواجهة عنقاء روسية قائمة من رمادها عطفا على اقتصاد مصاب بركود وعجز غير مسبوق في ميزان المدفوعات ودولار متهاوي تستطيع الصين أن تفقده بين عشية وضحاها قيمته وصولا إلى تهديدات كونية متمثلة في تغير المناخ والذي ساهمت سياسات بوش الأحادية في تغييره للاسوا يضحى التساؤل ما الطريق إلى معالجة مثل هذا الكم العرمرم من المشاكل؟ وهل الأمر في حاجة إلى رئيس اعتيادي أم رئيس خارق اقرب ما يكون إلى الإنسان الأعلى SUPER MAN كما تراءى لنيتشه الفيلسوف الألماني ذات مرة؟
بحال من الأحوال، ربما يكون في وصايا أولبرايت، ضوء على الطريق وان لم يكن ضوءا كاشفا بما يكفي وحتى لو انتابته لحظات من ذات الرؤية العقائدية التي امن بها بوش، وتوصي بها أولبرايت في جانب منها:
وأول: ما توصى به اوديسا القرن العشرين، هو إعادة الاهتمام بجنود القوات المسلحة الأمريكية عن طريق الاهتمام بجنود القوات المسلحة الأمريكية عن طريق تكريمهم وعدم نسيان تضحياتهم وتزويدهم بما يمكنهم من أداء مهمتهم وإعادتهم إلى ارض الوطن سالمين عندما تسمح الظروف.
ثانيا: ضرورة أن يدرك الرئيس القادم أن الثنائية الحزبية في الولايات المتحدة ليست جدية بمعنى انه لا الديمقراطيين ولا الجمهوريين يمتلكون باحتكار الحكمة المؤهلة لفكر المطلق.
ثالثا: يجب أن يتذكر الرئيس الجديد أن أمريكا بلدا استثنائيا بالنظر إلى ما يتوافر له من موارد وتقاليد ومثل وأخلاقيات وليس بسبب ما يقدم عليه من استثناءات للقواعد كما يفعل الآخرون وهنا تشير إلى أن التعذيب على سبيل المثال لم يكن إضافة لروح أمريكا بل أزلال لها وهدية للقاعدة.
رابعا: توجه حديثها للقادم من بعيد بالقول quot;اعمل بجهد من اجل إعادة إحياء الثقة فيما هو أمريكي ـ تحدث بحذر وأنصت بصبر، واكسب الاحترام دون أن تسعى إليه أو تطالب به، واشتبك كل يوم في حرب ضد محور الشر وهو ثالوث الفقر والجهل والمرضquot;.
خامسا: توصي أولبرايت بعدم مهادنة القاعدة لكن تميز بين هؤلاء الذين تصفهم بأنهم يتعاملون بحد السيف كرؤية وحيدة للمستقبل وبين إشكالية اتهامهم بالإرهاب الإسلامي لان جرائمهم غير إسلامية بامتياز، وتطالب بان quot; عليك أن تشير دائما وبتعاطف إلى الإرث اليهودي ـ المسيحي ـ الإسلامي quot;.
سادسا: تحذر من أن يهمل الرئيس الجديد فكرة نشر الديمقراطية بسبب ما أصابها من ضرر كان وراءه بوش ورؤاه الضبابية، لكنها في ذات الوقت تذكر بان الديمقراطية يجب أن تتطور ولا يمكن أن تفرض، وهي تجبل من مزيج من الأفكار السامية والتجارب السامية والتجارب اليومية على مستوى الشارع.
سابعا: ثق بالشعب الأمريكي فهو أكثر استعدادا للتضحية مما يعتقد اغلب السياسيين شرط أن يعامل معاملة البالغين وان يتم إطلاعه على الحقائق دون تزييف.
ثامنا: كافئ على الصدق ولا تكافئ المداهنة، واجمع حولك من المستشارين الأمناء،من يحذرونك عندما تكون على وشك الوقوع في الخطأ، ولا يتماهون مع أخطائك عندما يجانبك الصواب.
تاسعا: تؤكد على حتمية تعلم الجالس سعيدا في البيت التبييض من الماضي، فالتاريخ لا يكرر نفسه والعالم لا يتوقف عند ذات المكان مرتين.
عاشرا: حتى تغادر البيت الأبيض مرفوع الرأس فعليك أن لا تسعى للعظمة المنحولة وإنما العظمة الحقيقية ستأتيك من وضع الفطنة والشجاعة والصبر دائما في خدمة الغايات النبيلة.
ويبقى التساؤل هل ستجد تلك الوصايا طريقها للتنفيذ من خلال الرئيس الجديد؟ وهل في هذه الوصايا فقط دون غيرها خلاص أمريكا وتصحيح صورتها التي تشوهت طولا وعرضا وشكلا وموضوعا ومساحة إجمالية في عهد بوش؟ إلى اللقاء في مقال قادم.
كاتب مصري
[email protected]