لعل أفضل القراءات التي يمكن الإشارة إليها في شهر رمضان تلك المتعلقة بالأقصى المبارك وأحادث جبل الهيكل كما يطلق عليه من وجهة النظر اليهودية والتي لا تنقطع منذ صيحة بن جوريون الشهيرة، أسد يهوذا الجديد، ومؤسس دولتها الحديثة من انه quot; لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل quot;، وهو الهدف الرئيس من بناء الكنيس، ذلك التعبير المختصر الموارب وان حمل نفس المغزى أي إعادة بناء الهيكل، هيكل سليمان ذلك الذي كثرت عنه الأحاديث ما بين الثابت تاريخيا والمنحول تقليديا، هذا الهيكل الذي لا يقام إلا إذا تم هدم الأقصى، والأصوات في إسرائيل اليوم لا تنفك تصيح...من ذا الذي يستطيع أن يسمح لنفسه بان يواصل تجاهل جبل الهيكل، والمسلمون الذين نسكن بينهم يكررون الإيضاح لنا إن هذا الجبل (حائط البراق) ستقوم القصة كلها وتسقط عليه؟ لا يمكن، وكما يقول المفتون الكبار ما تزال لا توجد حاجة أيضا إلى إقامة الهيكل الثالث الآن. ومن شبه المحقق انه لن يهبط من السماء مبنيا ومعدا كما يؤمن الحريديون. ولكنه لا يجب علينا الآن أن نقيمه ولو كان ذلك لمجرد أننا لا نعلم أين وكيف ولأننا لا نملك الطهارة المطلوبة ولا الكهنة ولا حلا للاختلاف القديم في شان أتكون هناك قرابين وأين مكانها؟.

لماذا لا نبني كنيس في جبل الهيكل؟
صيحة أطلقها الحاخامان اليهوديان الرئيسيان في إسرائيل مؤخرا quot; ورين والياهو quot;. أما سبب عدم التنفيذ فعندهم هو التهديد الذي يوقعه بنا المسلمون ب quot; حساسيتهم quot; المقدسة بالأماكن المقدسة اليهودية. بل أنهم لا يسمحون لنا بالصلاة في جبل الهيكل بغير كنيس.ويوقف أفراد شرطة الوقف كما تعلمون كل إنسان ذي سحنة يهودية يبدو يهمس لنفسه شيئا ما قرب موقع معراج النبي محمد.... هكذا تنطلق الحناجر في إسرائيل.
هل ما تقدم أحاديث متناقضة؟ ربما يبدو الظاهر هكذا لكن رؤية متأنية تؤكد أن المخطط ماض قدما في طريق هدف واضح حافظ عليه اليهود عبر ألفي عام من الدياسبورا وهو العودة إلى أورشليم ومن ثم إقامة الهيكل وتقديم الذبائح التي توقفت منذ رجاسة الخراب يوم دنس الرومان الهيكل وهدموه على من فيه.
يسجل الجنرال quot; إوزي ناركيس quot; قائد المنطقة الوسطى الإسرائيلية في حرب 1967 في مذكراته انه بعد نصف ساعة تقريبا من وقوف موشي ديان واسحق رابين وناركيس صباح السابع من يونيو أمام حائط المبكى بعد وقوع القدس الشرقية انه هرع إلى الموقع كبير حاخامات الجيش الإسرائيلي الجنرال شلومو جورين. ويضيف ناركيس quot; إنني وقفت بجوار الحاخام وهو يتلو بعض الأدعية بصوت عال وسط تزاحم ضباط وجنود من الوحدات جاءؤا لمشاهدة الحائط وملامسته، وفجأة أخذني شلومو الحاخام الأكبر من يدي جانبا وقال لي هامسا quot; اوزي أليست هذه اللحظة الملائمة لوضع مائة كيلو جرام من المفرقعات في مسجد عمر، وقبة الصخرة حتى تتوقف دعاوى المسلمين بوجود حق ديني أو تاريخي لهم في القدسquot;.
ويضيف quot;: قلت لكبير الحاخامات: أرجوك ذلك أمر لا داعي له وسوف يثر الدنيا علينا وسألني أي دنيا سوف يثيرها؟ فقلت: المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا. أمريكا لها صداقات كثيرة تحرص عليها في المنطقة، نحن أيضا لنا أصدقاء في العلام الإسلامي، تركيا وإيران بالذات واندونيسيا وباكستان وغيرهم كثيرون، ولكن كبير الحاخامات إصر على مواصلة دعوته قائلا لي: اوزي هذه فرصتك لدخول لتاريخ وأنت تضيعها ورددت مضطرا عليه quot; بأنني سجلت اسمي في كتب التاريخ بدخول القدس وانتهى الأمر، وأدار كبير الحاخامات ظهره لي ومشى بعيداquot;.
والشاهد انه إذا كان شلومو جورين قد أدار ظهره منذ أربعة عقود فان هناك الكثيرين حتى الساعة يولون وجوههم شطر جبل الهيكل ويتساءلون quot; متى يقام الهيكل حتى لو غضب الأمريكيون وثار المسلمون؟
ربما يكون إغلاق مؤسسة الأقصى الأيام الماضية تمهيد للاسوا الذي لم يأت بعد سيما بعدما كشفت المؤسسة في تقرير لها عن خطط صهيونية فعلية مستمرة لبناء كنيس يهودي جديد ملاصق للأقصى وغرف لصلاة اليهود أسفل ساحته الشريفة وان الحفريات المتواصلة التي كانت تتم بعيدا نسبيا عن ساحة الأقصى أصبحت الآن تحت المسجد الأقصى.
فيما الشيخ رائد صلاح رئيس بلدية أم الفحم السابق والمسؤول عن مهرجان الأقصى ورئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة 1948 يذهب إلى أن ما يجري أسفل الأقصى إنما هو حلقة من حلقات ممتدة تهدف إلى تدمير الأقصى ويقول إن أخر ما تم الكشف عنه بالدليل القاطع هو وجود كنيس مستحدث تحت المسجد الأقصى المبارك وان هذا الكنيس يؤمه المصلون اليهود كما تم الكشف عن 7 غرف بناها احد المصممين اليهود ويدعى quot; ألياف نحليئيلي quot; وانه تم كشف سراديب وأنفاق وبوابات حديدية مقفلة وخلفها تجري الحفريات التي لا يعلم لها طول ولا عرض ولا عمق والمخفي فيها أعظم وقد تم تصوير ما يجري أسفل الأقصى بصورة حية.
والحقيقة هي أن إسرائيل قد بدعت في التضليل الإعلامي حول العالم فحسب البيانات الرسمية الصادرة عن مؤسسة الأقصى فان وزارة السياحة ومنذ احتلال إسرائيل المدينة المقدسة quot; القدس quot; عام 1967 عملت على تضليل الأفواج السياحية القادمة من مختلف أنحاء العالم وتغييب التاريخ الإسلامي الممتد على مدار أربعة عشر قرنا من الزمان في المدينة بشكل عام وفي المسجد الأقصى بشكل خاص حيث منعت المرشدين السياحيين من العرب من مزاولة مهنة الإرشاد السياحي وعدم إعطاء رخصة مزاولة إلا للمرشدين السياحيين من اليهود وفي ذلك يقول احد القادة الإسرائيليين انه يمكن للعربي أن يصبح طيارا في سلاح الجو الإسرائيلي quot; وهو الأمر غير الممكن فعليا quot; لكن لا يمكن أن يصبح مرشدا سياحيا وفي ذلك بدا اليهود تضليل الرأي العام العالمي والأفواج السياحية بمرافقتهم بمرشدين سياحيين إسرائيليين داخل المسجد الأقصى المبارك والترويج لأساطير التوراة والتلمود وحول ما يسمونه بجبل الهيكل المزعوم وعن اغتصاب العرب المسلمين لهذه المنطقة وهدمهم لتراثهم الديني الذي لم يثبته أي اثر تاريخي أو معماري طوال ثلاثين سنة من التنقيب عن الآثار.
وإذا كانت دولة إسرائيل تستند في أساسها للدعم الأمريكي غير المحدود فماذا إذن عن الموقف الأمريكي تجاه قضية هدم الأقصى وإعادة بناء الهيكل الثالث المزعوم؟
في أوائل العام 1989 نشرت مجلة التايم الأمريكية تحقيقا تحت عنوان quot; هل آن أوان بناء هيكل جديد؟
وكما هو واضح فالعنوان اللئيم يحمل على الغيظ والحنق الشديدين خاصة وان عنوانا فرعيا أخر جاء تحت العنوان الرئيسي يضيف quot; أن اليهود التقليديين يأملون في تشييد بنائهم المقدس لكن مسجدا وقرونا من العداء تقف في طريقهم quot;.
وفي تحقيقها قالت المجلة إن إعادة بناء الهيكل لم تكن قضية مثارة إلى أن استولت إسرائيل في عام 67 على ما أسمته المجلة جبل الهيكل وان إسرائيل نظرا لحرصها على صون السلام واصلت السماح للمسلمين بإدارة الموقع غير أن المسلمين لا يسمحون_ تقول المجلة ـ ليهودي أو مسيحي بإقامة شعائر الصلاة علنا على الأرض المقدسة في جبل الهيكل ولم يبدوا أدنى استعداد للسماح ببناء ابسط معبد يهودي أو كنيسة فاقل إشارة إلى موضوع إعادة بناء الهيكل تثير استفظاع quot; أتباع النبي quot; الذين عقدوا العزم على الدفاع عن المقدسات الإسلامية إلى آخر قطرة من دمائهم.
هكذا جاء الحديث الأمريكي الذي يطلب بالتصريح ولا يلتمس بالتلميح بناء الهيكل وفي ظل الحكومة الأمريكية اليمينية الأخيرة وتصاعد المد الديني الأصولي الأمريكي نجد مغالاة من قبل أمريكيين غير يهود لاسيما من جماعات اليهو مسيحية في دعم فكرة هدم الأقصى وإقامة الهيكل كما تشهد إسرائيل وصول رحلات سياحية دينية بكثافة تهدف للدعم المعنوي والمادي للجماعات اليهودية المتطرفة الساعية إلى تحقيق هذا الحلم الصهيوني وهو ما يجعلنا نتساءل عن حقيقة التطلع الإيديولوجي الصهيوني للأقصى المبارك؟
والتساؤل الجدير بنا كعالم عربي وإسلامي طرحه على الغرب سواء في أوربا أو أمريكا هو هل هذا السيناريو سيناريو هدم الأقصى وبناء الهيكل ينسجم مع التوجهات المسيحية ونصوص وتصريحات السيد المسيح أم أن الأمر مجرد اختراقات صهيونية لا أساس لها من الصحة إسلامية أو مسيحية؟
هذه هي الحقيقة التي لا مراء فيها وهي أن كل ما سبق من ادعاءات صهيونية تخالف التوجه المسيحي غير المخترق والحديث للسيد المسيح نفسه الذي قال عن هذا الهيكل أي الهيكل الثالث quot; انه لن يقوم له حجر على حجر إلا وينقض quot; إلا أن الفكر الصهيوني لا يزال كعادته يحاول الاختراق من الداخل من خلال قلب الآيات وخلق الأوهام في أذهان الغربيين والمسيحيين المؤمنين منهم على وجه التحديد من أن هدم الأقصى وبناء الهيكل هو شرط من شروط عودة المسيح إلى الأرض من خلال ما يعرف بنظرية الملك الألفي أي أن الهيكل الجديد سيكون مقر ومستقر للسيد المسيح يحكم منه العالم ألف سنة وقد نجح أتباع هذه التيارات المخولة في إصدار وثائق منها الوثيقة رقم 3 الصادرة عن منظمة العمل المسيحي من اجل إسرائيل في جنوب أفريقيا والمعروفة بعلاقتها مع اللوبي اليهودي والمشهورة بالاختراق الصهيوني لها وفيها انه من أسباب بناء المعبد quot; الهيكل quot; انه سيكون الدليل على أننا في عصر المسيا وكعادة إسرائيل في غسل العقول فأنها توهم القارئ والناظر بأنه سيكون عصر سلام يمتد لألف سنة ويؤسس سيطرة إسرائيل على القدس الموحدة.
هل الأقصى حقا في خطر؟ نعم وبكل تأكيد وتحديد وبدون خطة عربية ـ دولية ذات طابع إنساني وإيماني لإنقاذه يمكننا القول أن الاسوا قادم في الطريق.
كاتب مصري
[email protected]