بغض النظر عن نتائج الحرب غير المتكافئة و الدائرة الآن فى غزة بين إسرائيل وبين قوات المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس، فإن إسرائيل قد إرتكبت خطأ سياسيا كبيرا (ناهيك عن الجريمة الأخلاقية من قتل للمدنيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى تلك الحرب)، فقادة حماس قد صرحوا من أول يوم بأنهم لن يستسلموا حتى لو أبيدوا تماما وهم فى هذا صادقون لأن تلك الحرب بالنسبة لحماس هى حربا مقدسة دينية والموت فيها هو أقصى مايتمناه مقاتلها حيث أنه يتمنى أن يكون شهيدا، وحماس ليس لديه ما تخسره (حتى لو خسرت كل مقاتليها) فإن شباب فلسطين لن يعجزوا عن تجنيد الآلاف ممن المقاتلين الجدد، فعندما يكون الإنسان الفلسطينى تحت حصار ظالم (أيا كان سببه) فإنه سوف يصل إلى مرحلة من اليأس تجعل موته أفضل كثيرا من حياة بائسة مهينة ولو أدى بنفسه إلى التهلكه، لأنه يعيش التهلكة بالفعل بصفة يومية، ولقد نجحت حماس بالفعل فى تحويل تلك الحرب إلى حرب دينية وتكاتف معها الأغلبية الساحقة من المسلمين فى كافة أنحاء العالم وكثير من دول العالم الأخرى، وقد اعتقد الكثيرون (وأنا واحد منهم) أن رفض حماس لإستمرار التهدئة كان خطأ وغباءا من حماس لعدم تكافؤ القوى مع إسرائيل، وقد يكون هذا صحيحا فقط على المدى القصير، وحماس جرّت إسرائيل إلى تلك الحرب وهى تعلم عدم كفاءتها أمام آلة الحرب الإسرائيلية ولكنها سياسيا تعلم تماما أنها الرابحة على المدى البعيد، بل وحتى على المدى القصير وحتى لحظة كتابة هذهالمقالة، فإن حماس مازالت تطلق الصواريخ يوميا على جنوب إسرائيل، وبالرغم من عبثية تلك الصواريخ وعدم جدواها، إلا أن مجرد مقدرة حماس على الإستمرار فى إطلاق تلك الصواريخ، إنما يثبت فشل إسرائيل فى تحقيق أهدافها العسكرية وهو إيقاف إطلاق تلك الصواريخ، وحتى بفرض أن إسرائيل قد تتمكن خلال الأيام القادمة من إيقاف تلك الصواريخ تماما، فلا يوجد هناك ضمان لإمكانية توقف تلك الصواريخ بعد إنتهاء الحرب وإنسحاب إسرائيل، إلا إذا قررت إسرائيل إعادة إحتلال وحكم غزة بالكامل حكما عسكريا وهو ما أنكره قادتها.
وفى معظم الحروب الحديثة لم يحدث أن تمكن جيش نظامي من القضاء تماما على الميلشيات لأن الجيش النظامى يستطيع أن يحارب جيشا نظاميا مثله بعيدا عن المدنيين، ولكن عندما يختلط جيش الميليشيا بالمدنيين يصعب التفرقة بين من هو عسكرى ومن هو مدني، وبالتالى يضيع الكثير من الضحايا المدنيين مما يشكل ضغط رأى عام عالمى (ومحلى فى بعض الأحيان) على الجيش النظامى، وكلما إزداد عدد الضحايا من المدنيين كلما زاد هذا الضغط الشعبى لإيقاف تلك المجزرة. وأنا أتوقع تماما ألا تتخلى إسرائيل عن أهدافها العسكرية وهى وقف الصواريخ ومحاولة القضاء على حماس، وقد تتمكن من القضاء على إطلاق الصواريخ لفترة ما (طالت أم قصرت، ولكنها لن تستطيع القضاء على حماس، وخاصة أن الأسباب والظروف التى أدت إلى ظهور حماس إلى الساحة ما زالت موجودة، بل بالعكس قد تنشأ منظمات أخرى من عباءة حماس أكثر تطرفا ولا تقبل إلا بالقضاء على إسرائيل حتى لو إستمر هذا أربعة قرون من الزمان.، فالعرب بصفة عامة يؤمنون بالتاريخ أكثركثيرا من إيمانهم بالجغرافيا.
وأتوقع أن تخرج حماس من تلك الحرب بالمكاسب التالية:
أولا: سوف تعلن فور إنتهاء الحرب أنهاحققت نصرا الهيا.
ثانيا: سوف تتدفق المساعدات على غزة وعلى حماس لإعادة البناء.
ثالثا: سوف تصبح حماس لاعبا أساسيا فى أى تسوية فيما بعد الحرب، ولن يمكن تجاهلها مهما أعلنت أمريكا وأوروبا أنها منظمة إرهابية (هل تذكرون عندما عامل العالم منظمة quot;فتحquot; على أنها منظمة إرهابية، ورفضوا التعامل مع ياسر عرفات بإعتباره إرهابيا)؟
رابعا: سوف تبدأ حماس فى التفكير بالتصرف كدولة وليس كقوات ميليشيا.
خامسا: إذا تمت الإنتخابات اليوم فى غزة والضفة، فسوف تفوز حماس بالأغلبية سواء فى الرئاسة أو فى المجلس التشريعى، وقد يكون هذا أفضل للفلسطينيين، بدلا من الإنقسام الحاصل حاليا.
سادسا: سوف يقوى ماحدث كل القوى الأصولية فى العالم الإسلامى، وفى مقدمتهم جماعة الأخوان المسلمين.
سابعا: سوف يكون على الفلسطينيين والعرب وإسرائيل إما الإستمرار فى الحروب والدمار إلى أن يقضى طرف على الآخر تماما ويجبره على الإستسلام، أو يجلسوا إلى طاولة المفاوضات فى سبيل تحقيق سلام حقيقى وشامل بدون مناورات وبدون شغل عيال، فإذا إختارت حماس وإسرائيل خيار الحرب كما هو حاصل حاليا فعليهم تحمل النتائج والكف عن العويل والتهليل، أما إذا إختاروا خيار السلام فعليهم أن يقدموا على ما أطلق عليه ياسر عرفات quot;سلام الشجعانquot;، وكان quot;سلام الشجعانquot; كلمة حق يراد بها باطل، فكان عرفات يقصد أن سلام السادات هو سلام quot;الجبناءquot;، وأنا أدع التاريخ وحده يحكم من هم الجبناء ومن هم الشجعان.