الإضطهاد هو المشكلة الرئيسية التى تواجه الشعب القبطى
يدور نقاش حاليا بين بعض الكرادلة فى أروقة الفاتيكان لعمل مصالحة تاريخية بأعتماد المصلح الدينى الكبير مارتن لوثر(1483-1546) قديسا فى الكنيسة الكاثوليكية،وقد حضر البابا الراحل يوحنا بولس الثانى احتفالا بمرور 500 عام على ميلاد مارتن لوثر وذلك فى احدى الكنائس اللوثرية فى روما،ووصفه فى كلمته فى هذا الاحتفال بأنه كان رجلا تقيا ورعا Pious.
يأتى هذا الاتجاه البناء التصالحى مع الماضى رغم أن مارتن لوثر كان سببا فى تقسيم الكنيسة الكاثوليكية ولم تخلوا حركته من أفكار خاطئة متنشنجة فى بدايتها حتى إنه فى احدى رسائله كان عنوانها quot;بابوية روما أسسها الشيطانquot;، ولكن التاريخ مكانه صفحات الكتب ولوحات المتاحف طالما أن مارتن لوثر لم يخرج عن أسس الايمان المسيحى الصحيح.
فى نفس الوقت اقرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأن الخلافات فى مجمع خلقدونية لم تكن خلافات إيمانية، بعد أن أتضح أنه لا يوجد خلاف لاهوتى حقيقى بقدر ما كانت قراءة خاطئة للنصوص وخلافات على المصطلحات اللاهوتية والترجمات اللغوية، وخلافات بين الكنائس على مراكز القيادة والتراتيبية الكنسية، ولم تكن تخلو من خلافات شخصية أيضا. وقد قبلت الكنائس المسكونية المعاصرة صيغة الكنيسة القبطية عن الإيمان الواحد،وهناك حوار لاهوتى مسكونى فى عهد قداسة البابا شنودة الثالث من آجل وحدة الايمان وليس وحدة رئاسة الكنائس.
بعد كل هذا التاريخ الطويل من الحروب الدينية والمشاحنات المذهبية وصل العالم المسيحى إلى ما يمكن اعتباره وثيقة الايمان المسيحى بدون مجامع، حيث أن المجامع المسكونية الكبرى الجامعة توقفت بعد خلقدونية 451 ميلادية.
ويمكن تلخيص أسس هذا الايمان المسيحى فى الاتى:


1-لاهوت المسيح

2- فداء المسيح للبشرية على الصليب وقيامته من الاموات

3-وحدة الكتاب المقدس.
بالإضافة إلى الاعتراف بقانون الإيمان النيقاوى الذى صاغه البابا أثناثيوس السكندرى فى مجمع نيقية 325 ميلادية قبل تقسيم الكنائس، ويجمع أسس الإيمان المسيحى سالفة الذكر فى نص ايمانى قاطع وواضح( بالحقيقة نؤمن باله واحد....الخ).
الكنائس الثلاثة المصرية،الأرثوذكسية والكاثوليكية والطوائف البروتستانتية المعروفة تؤمن وتقر بأسس الإيمان المسيحى سالفة الذكر، حتى أن الكنائس البروتستانتية فى مصر تعلق قانون الإيمان النيقاوى داخل كنائسها.

ما هو الفرق إذن؟.
هى خلافات فى الطقوس وطرق العبادة والنظام الكنسى وبعض الخلافات الفرعية فى المعتقدات التى لا تؤثر على جوهر وأسس الأيمان المسيحى.
ويمكن تشبيه ذلك بعزف أنشودة مسيحية بتوزيع موسيقى متنوع،الأنشودة هى انشودة الخلاص، وليكن غاية إيمانكم خلاص النفوس، ورابح النفوس حكيم، واللحن هو لحن الإيمان والرجاء، الإيمان بالمسيح الها ومخلصا وفاديا وكما يقول بولس الرسول لا يستطيع احد أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس،أما التوزيع الموسيقى فمختلف، فالكنيسة القبطية الارثوذكسية تعزف بفرقة اوكسترالية كاملة،أما الطوائف البروتستانتية فتكتفى بعدد صغير من العازفين بإيقاع مودرن سريع.
المهم أن يعيش الشخص حقيقة مع الانشودة واللحن الحياة المسيحية الحقيقية المعاشة.
ولا خوف كما يروج البعض على الأرثوذكسية فى مصر ولا على التنوع المذهبى الجميل،فمن تعود على ثراء وتنوع وجمال الكمال الاوكسترالى لن يلتفت إلى العزف اللايت، ومن تعود على العزف اللايت يستثقل بشدة السماع إلى الاوكسترا الكاملة.

من ناحية أخرى يتوقع معظم المحلليين السياسيين والمتابعين للشأن المصرى فى الداخل والخارج أن سيناريو الفوضى هو واحد من السيناريوهات المتوقعة لمستقبل النظام السياسى فى مصر. وإذا حدثت هذه الفوضى،لا قدر الله،سيقع على الأقباط العبء الاكبر من نتائجها وستحل كارثة حقيقية بالشعب القبطى.
ومن هذا المنطلق فان المشاحنات التى تحدث احيانا من بعض ممن ينتمون للطوائف المسيحية المختلفة فى مصر هو انحراف لاتجاه البوصلة إلى الاتجاه الخطأ. التمييز والإضطهاد هو المشكلة الرئيسية التى تواجه المسيحيين فى مصر، والخوف من مستقبل يحمل بوادر مخاطر أوسع هو الاتجاه الذى يجب أن تجتمع عليه كل الطوائف المسيحية وتفكر وتخطط فى كيفية مواجهته، والحوادث المتسارعة التى تقع على الأقباط فى مصر لم تفرق بين طائفة وأخرى إلا بحكم عدد الطائفة، فمعظم هذه الحوادث تقع على الاقباط الأرثوذكس بحكم إنها الطائفة الأكبر والتى تحوى العدد الاكبر من فقراء الأقباط المطحونيين.
إذا كان البروتستانت على حق فى رفض الطعن فى إيمانهم من بعض القيادات الأرثوذكسية،فأن الأرثوذكس لديهم أيضا الحق فى رفض الهجوم المستمر عليهم من قبل عدد من القيادات الإنجيلية والذى وصل إلى حد دعمهم للمنشق المدعى ماكس ميشيل بدعاوى ليبرالية زائفة، فماكس ميشيل قانونيا هو مدعى لا يعترف به أحد فى العالم سوى حفنة من المنشقين المنبوذيين مثله وبعد أن سحب القضاء المصرى بطاقة الرقم القومى منه، فى حين أن الكنيسة الانجيلية تقف فى وجه طائفة عالمية معروفه هى الطائفة المعمدانية الكتابية الاولى فى مصر والتى يرأسها الدكتور القس بطرس فلتاؤوس، مع العلم أن الطائفة المعمدانية هى طائفة مسيحية معروفة عالميا وينتمى اليها الرئيس الأمريكى الاسبق جيمى كارتر، ولا وجه للمقارنة بينها وبين المدعى الدعى ماكس ميشيل،فلماذا يساند قادة الطائفة الانجيلية المدعى ماكس ميشيل ويتحالفون معه بدعوى الليبرالية فى حين يحاربون طائفة مسيحية معتمدة فى مصر والعالم بكل الاسلحة الممكنة لديهم؟!!!.
لقد ارسل لى الصديق القس بطرس فلتاؤوس عدة مرات مستندات كثيرة جدا عن حقوقه وحقوق طائفته والحروب الشرسة ضده من رئيس الطائفة الانجيلية لكى أكتب عنها واعتذرت عن ذلك حتى لا يساء فهم كونى ارثوذكسى وازرع خصومات بينهم.
لقد نجحت الكنيسة الانجيلية فى مصر فى خلق لوبى من المثقفين والصحفيين المسلمين للدفاع عنها فى الحق والباطل فى مواجهة الكنيسة الأرثوذكسية، وهذا التكتل ضد الكنيسة الأرثوذكسية، والمصروف عليه بسخاء، شئ معيب يجب أن يتوقف.

الخلاصة: لا يوجد تناقض بين الكنائس المسيحية فى مصر، ولا يوجد خلاف فى الأيمان المسيحى الصحيح، ولكن بعض الأفراد من هنا وهناك يهاجمون بعضهم البعض ويزرعون الشقاق والخصامات، وتهلل لهم الصحف الأمنية فى مصر والأجهزة التى تقف وراءها من آجل شغل الأقباط عن الإضطهاد الذى يقع عليهم ومن آجل اضعافهم أكثر.
على الكنيسة القبطية الأرثوذكسية باعتبارها الاكبر،التوقف فورا عن التشكيك فى إيمان الآخرين، وعلى الطائفة الانجيلية تحديدا التوقف عن طعن الكنيسة الارثوذكسية والتطاول عليها والتشكيك فى سمعتها، وسحب دعمها للمنشق المدعى المخرب ماكس ميشيل.
وعلى الجميع أن يلتفتوا إلى الهدف الأسمى وهو مقاومة الاضطهاد الذى يقع على الشعب القبطى والعمل سويا من آجل الوحدة والسلام والمحبة ومساندة المضطهدين ومسح دموع الباكين وتضميد جروح المتآلمين...ولو ادرك الجميع حجم الآلم الذى يقع على الشعب لترفع عن هذه المعارك الوهمية الصغيرة.
المسيح يصرخ من خلال شعبه فى وجه المضطهدين:أنا يسوع الناصرى الذى أنت تضطهده، فهل نستجيب لنداء المسيح أم نتفرج على جنبه النازف ونعطى الحربة لاعدائه لمواصلة الطعن؟.
[email protected]