تستعد مدينة أوسلو العاصمة النرويجية منذ منح الرئيس الأمريكي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام في أكتوبر الماضي، لاستقباله استقبالا يليق برئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم، وفي نفس الوقت بشكل يليق بتواضعة وبساطته التي جعلته يقول عند إبلاغه خبر منحه الجائزة: (هذا شرف عظيم لي...رغم أنني لا أستحقها)، و لكنّه قبلها متبرعا بقيمتها التي تبلغ مليون وأربعمائة ألف دولار للجمعيات والأعمال الخيرية. واليوم الأربعاء الموافق التاسع من ديسمبر لعام 2009، والرئيس باراك أوباما بيننا في أوسلو وسط شوارعها وسقوف بيوتها الملونة ببياض الثلج مثل قلوب أهلها النرويجيين خاصة أعضاء معهد نوبل للسلام النرويجي، من المفيد التذكير بالحيثيات التي جعلت المعهد يقرر منح الجائزة لأوباما بعد حوالي تسعة شهور فقط من توليه الرئاسة الأمريكية، وكان أول رئيس أمريكي أسود للبيت الأبيض.


لماذا منحوه الجائزة؟
تسعة شهور من توليه الرئاسة ليست كافية لتحقيق انجازات ضخمة سواء على المستوى الأمريكي الداخلي أو العالم الخارجي، كي تكون مبررا لمنحه جائزة نوبل للسلام، ورغم أن قرار اللجنة كان مفاجأة للجميع إلا أن السيد ثوربيورن ياجلاند رئيس لجنة نوبل النرويجية، قدّم من الأسباب والحيثيات المقنعة مما جعل الغالبية حول العالم تؤيد هذا القرار حتى في دول تعادي الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها. من هذه الأسباب والحيثيات:
أولا: quot; قررت منح جائزة نوبل للسلام لعام 2009 إلى الرئيس باراك أوباما بسبب جهوده الاستثنائية لتعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب. الدبلوماسية المتعددة الأطراف استعادت موقعا مركزيا مع التركيز على دور الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى quot;.
ثانيا: quot;نادرا ما استطاع شخص أن يجذب اهتمام العالم ويعطي الشعوب الأمل من أجل مستقبل أفضل كما فعل أوباما. دبلوماسيته القائمة على مفهوم أنّ هؤلاء الذين يقودون العالم يجب أن يفعلوا ذلك مستندين إلى القيم والتوجهات التي تتشارك بها الغالبية العظمى من سكان العالمquot;.
ثالثا: quot; لمست اللجنة أهمية خاصة لرؤية أوباما وعمله من أجل عالم خال من الأسلحة النووية. إنّ اوباما خلق مناخا جديدا من الدبلوماسية. إنّ الحوار والمفاوضات لهما الأفضلية كوسائل من أجل أكثر النزاعات الدولية تعقيدا، ورؤية عالم خال من الأسلحة النووية حفز بقوة مفاوضات نزع السلاح والسيطرة عليه. وبفضل مبادرات أوباما تؤدي الولايات المتحدة دورا بناء أكثر في مجابهة التحديات المناخية الكبيرة التي تواجه العالم.

وها هو يصل إلى قمة التغييرات المناخية
وهي صدفة مهمة للغاية أن يصل الرئيس أوباما إلى العاصمة النرويجية أوسلو يوم الاربعاء التاسع من ديسمبر ليتسلم الجائزة الخميس العاشر من ديسمبر الذي يصادف ذكرى وفاة مؤسس الجائزة الصناعي السويدي ألفرد نوبل في حفل ضخم يليق بالجائزة والرئيس، ثم يغادر أوسلو ليصل كوبنهاجن العاصمة الدانمركية يوم الثامن عشر من ديسمبر الحالي للمشاركة في قمة التغييرات المناخية المنعقدة بإشراف الأمم المتحدة. وللعلم فقد دعاه الملك النرويجي هارالد الخامس للإقامة عنده في القصر الملكي، إلا أن أوباما فضّل اقامة بسيطة في مركز المدينة في (جراند هوتيل)، الذي سيطل من شرفته غدا لتحية الجماهير المحتشدة وموكب المشاعل التقليدي الذي يمر من أمام الفندق. ومن الأهمية أيضا أن يكون الرئيس أوباما هو الرئيس الأمريكي الرابع الذي يفوز بالجائزة بعد الرئيس تيودور روزفلت (1906) و الرئيس ويدرو ويلسون (1919) والرئيس جيمي كارتر (2004)، ومن الشخصيات الأمريكية أيضا آل غور (2007) نائب الرئيس الأمريكي آنذاك مناصفة مع هيئة التغييرات المناخية التابعة للأمم المتحدة، وهي الهيئة التي تحظى باهتمام ودعم الرئيس أوباما لأهمية دورها في نشر المعرفة والتحذيرات حول مخاطر التغييرات المناخية التي نسبة عالية منها بسبب تصرفات وسلوك سكان العالم وحكوماته.

إنها جائزة اللغة الجديدة والأمل القادم
لا يختلف اثنان أن هذه الجائزة التي جاءت بعد تسعة شهور فقط من تولي أوباما رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، كانت للغة الجديدة التي أدخلها في قاموس البيت الأبيض ولقيت ترحيب العالم أجمع، و جرعات الأمل الزائدة التي وعد بها البشرية جمعاء بعد حروب وصراعات أحرقت الأخضر واليابس. لقد دخلت قاموس البيت الأبيض لغة جديدة تقول:
يوم الخامس من أبريل 2009، حيث شارك الرئيس أوباما في قمة الاتحاد الأوربي قال بشجاعة نادرة: quot; إن الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها القوة النووية الوحيدة في العالم التي استخدمت السلاح النووي، تتحمل مسؤولية أخلاقية العمل من أجل جعل العالم خاليا من السلاح النووي. من هنا أؤكد بوضوح وعن قناعة التزام الولايات المتحدة ورغبتها بالعمل من أجل السلام والأمن في عالم خال من الأسلحة النووية quot;.
ويوم الرابع من يونيو 2009، وجّه الرئيس أوباما من جامعة القاهرة خطابا للعالمين العربي والإسلامي مغايرا تماما للهجة التي سادت البيت الأبيض في الرئاسة السابقة لرئاسته، حيث أكّد على التعايش السلمي بين الشعوب كافة واحترام سيادة الدول، معتذرا عن سياسة سابقة أساءت للإسلام والمسلمين: quot; أقدم اعتذاري للعالم الإسلامي عن سوء الفهم واللغط الذي ساء إليهم وإلى شعائرهم نتيجة تهور سلفي الرئيس بوش، الذي أدى إلى عدم توازن سياسته الدولية في الشرق الأوسط وعدم تمكنه من تصنيف المسميات بشكل يتناسب مع أهمية التعايش والتعامل مع دين الإسلام وهو دين الأغلبية في الشرق الأوسط وخلط الإرهاب بالدين، تلك الأمور التي جئت من أجلها هنا كي أصحح نصاب الأمور وأنقل لكم رؤيتنا لتجربتنا الحديثة في التغيير في جوانب العلاقات الإسلامية مع الولايات المتحدة الأمريكية quot;.
quot; ليس هناك أي شك أن الإسلام هو جزء لا يتجزأ من أمريكا، وأعتقد أن التطلعات المشتركة بيننا جميعا بغض النظر عن العرق أو الديانة أو المكانة الاجتماعية، ألا وهي تطلعات العيش في ظل السلام والأمن والحصول على التعليم والعمل بكرامة والتعبير عن المحبة التي نكنها لعلائلاتنا ومجتمعاتنا ولربنا quot;.
ويوم السابع من يوليو 2009، أكدّ الرئيس أوباما من موسكو ضرورة قيام علاقات متوازنة بين القطبين الأعظمين في العالم، مركزا على ضرورة المجتمعات الديمقراطية: quot; إنّ مسار التاريخ يظهر لنا أن الحكومات التي تعمل على خدمة شعوبها تستمر وتزدهر، وليس الحكومات التي لا تخدم سوى قوتها الخاصة quot;، وقد كان جريئا في دعوته الحكومة الروسية إلى احترام قواعد دولة القانون والديمقراطية على الصعيد السياسي وإلى مكافحة الفساد والعمل على احترام القانون على الصعيد الاقتصادي.

وفيما يتعلق بالقارة السمراء،
أفريقيا التي تعود أصول الرئيس أوباما إليها حيث كان والده مهاجرا كينيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ففي زيارته إلى أكرا عاصمة غينيا في يوليو 2009، ألقى خطابا مثيرا أمام البرلماني الغاني بعد أن قام مصطحبا عائلته بزيارة لقلعة كيب كوست التي استخدمها تجار العبيد بدءا من القرن السابع عشر، وأصبحت تمثل رمزا لمعاناة الملايين من البشر الأفارقة حيث كان يتم احتجازهم في زنازين قبل شحنهم في بواخر عبر طريق اللاعودة، التي قال عنها أوباما:quot; هناك إحساس خاص في أن هذا المكان يرمز من ناحية للحزن العميق ومن ناحية أخرى من هنا بدأت رحلة التجربة التي خاضها كثير من الأمريكيين الأفارقةquot;. لقد شخّص أوباما في خطابه أهم المشاكل الأفريقية:quot; ما زال النزاع أو الصراع بالنسبة للكثيرين من الأفارقة جزء لا يتجزأ من الحياة. ثابت ومستمر مثل وجود الشمس. وهناك حروب على الأراضي وحروب على الموارد. وما زال من اليسير جدا على أولئك الذين لا ضمائر لهم أن يستغلوا مجتمعات بأكملها ويدفعوها نحو الحرب بين العقائد والعشائر. لذا ينبغي علينا أن نتضدى لكل ما يخالف الإنسانية بين ظهرانينا quot;.

مرحبا بك في وطني الثاني،
مملكة النرويج التي يفتخر شعبها أنه وحكوماته المتعاقبة لم يمارسوا الاحتلال والاستعمار كغيرهم من الشعوب وحكوماتهم، فلم يحدث أن احتلت أو استعمرت النرويج أية أوطان أخرى، وهذا مصدر فخر واعتزاز لشعبها، لذلك فالشعب النرويجي من أكثر الشعوب احساسا بمعاناة الشعوب الأخرى أيا كانت أسباب هذه المعاناة: اقتصادا أم فسادا أم احتلالا. وأنا أرحب بك سيادة الرئيس باراك أوباما في موطني الثاني المملكة النرويجية المباركة بإذن الله، وسأكون أحد المصفقين لك وأنت تتسلم جائزة نوبل للسلام للعام 2009، أرجوك أن لا تنسى وعودك بالنسبة

لموطني الأول فلسطين
الذي وعدت في خطابك المهم في جامعة القاهرة في الرابع من يونيو 2009 بشأنه وعودا مهمة أكسبتك احتراما لا مثيل له. تذكر قولك سيادة الرئيس في ذلك الخطاب قبل ستة شهور فقط:quot; لا يمكن نفي أن الشعب الفلسطيني مسلمين ومسيحيين، قد عانوا أيضا في سعيهم إلى إقامة وطن خاص بهم، لقد تحمل الفلسطينيون آلام النزوح على مدى أكثر من ستين سنة، حيث ينتظر العديد منهم في الضفة الغربية وغزة والبلدان المجاورة، لكي يعيشوا حياة يسودها السلام والأمن، هذه الحياة التي لم يستطيعوا عيشها حتى الآن. يتحمل الفلسطينيون الاهانات اليومية صغيرة أم كبيرة والتي هي ناتجة عن الاحتلال، وليس هناك أدنى أشك أن وضع الفلسطينيين لا يطاق، ولن تدير أمريكا ظهرها عن التطلعات المشروعة للفلسطينيين ألا وهي تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم quot;.

خطابك القادم في القدس الشرقية
كم سيكون رائعا سيادة الرئيس أن تساعد الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ وعودك هذه، مما يعني أنه ليس بعيدا أن يكون إحدى خطاباتك القادمة في القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية الموعودة، بدليل أن إدارتك الأمريكية الحالية أجلت نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، مما يعني رفض التزمت الإسرائيلي الخاص بوضع القدس الشرقية...كم جميل سيادة الرئيس أن تكون هناك، وتتجول في شوارع القدس متنقلا من المسجد الأقصى إلى كنيسة القيامة إلى شوارع بيت لحم حيث آثار السيد المسيح، مسيح السلام والمحبة التي افتقدها الفلسطينيون كما قلت لأكثر من ستين عاما...مرحبا بك ومبروك الجائزة التي تستحقها باعثا للأمل والسلام والتفاهم المشترك بين الشعوب كلها.
[email protected]