تميزت ولاية الملك عبد الله الثاني في العشر سنوات الماضية بأن الملك هو صانع المفاجآت في الساحة الأردنية، وغالبا استجابة غير مباشرة لتململات وهمسات الشارع الجماهيري الأردني، الذي يعلو صوته همسا في كثير من الأحيان بخصوص مجلس النواب بصرخة (مشان الله حلّه يا عبد الله) حسب تعبير الزميل الكاتب الأردني خالد محادين، وهي الصرخة التي جلبته للمحكمة بناء على شكوى مجلس النواب، ولكن القضاء الأردني انتصر لحرية التعبير وبرأ الزميل محادين. وقد كانت آخر مفاجأتين للملك عبد الله الثاني:


الأولى: حل مجلس النواب
المجلس الذي قام الملك بحله يوم الثلاثاء الموافق الرابع والعشرين من نوفمبر لعام 2009، هو المجلس النيابي الخامس عشر في تاريخ الحياة النيابية الأردنية، و كان قد تم انتخابه في نوفمبر من العام 2007، وجاء حله بعد عامين من انتخابه وقبل عامين من انتهاء ولايته في نوفمبر 2011، وكان أبرز ما ميّز انتخابات هذا المجلس هو إصرار السيدة فلك الجمعاني على خوض انتخابات دائرة مدينة مأدبا تنافسيا مع المرشحين الرجال أي خارج الكوتا النسائية (ستة عضوات) التي تضمن لها حظا أوفر من الفوز، ورغم ذلك فازت بعضوية المجلس دون الحاجة لهذه الكوتا النسائية، وبالتالي اصبح في هذا المجلس سبعة سيدات مع السيدات الستة اللواتي نجحن من خلال تلك الكوتا التي بدأ العمل بها في قانون انتخابات 2001 والتعديلات التي طرأت عليه.


النقابات تبارك حل المجلس
وقد كان أوضح وأقوى تأييد للخطوة الملكية بحل المجلس قد جاء من مجمع النقابات المهنية الذي يسيطر عليه في الغالب كوادر ونقباء من الحركة الإسلامية، خاصة أن الحركة خسرت خسارة فادحة في انتخابات هذا المجلس، إذ لم يفز لها من بين 22 مرشحا سوى ثمانية مرشحين. لذلك عبّر العديد من النقباء عن تأييدهم ورضاهم عن خطوة حل المجلس الذي كان رئيسه عبد الهادي المجالي (رئيسا لتسع مرات) قد أعلن عدم نيته خوض الانتخابات القادمة. وقد عبّر عن ذلك رئيس مجلس النقباء المهندس عبد الله عبيدات كما أورد موقع عمون الأردني، قائلا : quot; إنّ المجلس المنحل جاء نتيجة قانون الانتخابات الحالي الذي أدّى إلى افراز مجلس يفتقر إلى هوية سياسية محددة نتيجة التراكيب والتجمع العشوائي في الكتل النيابية، بالاضافة للمصالح الشخصية التي طغت على المجلس المنحل الذي أدّى إلى عدم تأدية المجلس لواجباته اتجاه المواطنين quot;.
هذا التشخيص الموضوعي للخلل في طريقة وأداء المجلس ليس مسؤولا عنه الناخب الأردني الذي أوصل للمجلس من يعتقد أنه أقدر على تمثيل مصالحه الحياتية، ولكن المسؤول هم النواب أنفسهم ليس في المجلس المنحل فقط وإنما في كل ما سيأتي من مجالس منتخبة، لأن المتابعة الميدانية والزيارات والمعرفة الشخصية لعمل النواب، تدلل على أن مكمن الخلل في اضاعة وقت النائب والمجلس ليس من أجل سنّ واصدار قوانين دائمة لتفعيل ما يخدم حاجات المواطن الحياتية بشكل قانوني دائم دون الحاجة لتدخل النائب لدى المسؤولين في كل صغيرة وكبيرة يحتاجها المواطن، وإنما وراء التدخل الشخصي من النائب الذي يحول وقته في المجلس وخارجه إلى ما يشبه (ساعي خدمات) لا يستطيع دوما تأمينها للمواطن، بينما في حالة وجود القانون وتطبيقه تنتفي هذه الحاجة لتدخلات النائب، وقد عبر عن ذلك نقيب المحامين أحمد طبيشات قائلا : quot; إنّ تدخل النواب في عمل الحكومة وإلحاحهم على التوظيف والطلبات الخاصة، بالإضافة إلى التصرفات الفردية من بعض النواب أدى إلى عكس صورة سلبية عنه...إنّ المجلس عانى من حالة عدم الانسجام في داخل جسمه نتيجة عدد الكتل وعدم اكتمال النصاب في العديد من الجلسات نتيجة الخلافات الجانبية للنواب، مما أدى إلى فقدان المجلس قيمته عند المواطن المتابع quot;، وهذا ما يجعل مهمة النائب في الدول العريقة في ديمقراطيتها تختلف عن مهمة النائب في بلادنا، حيث مهمته تنحصر في سن القوانين وإصدارها ثم ملاحقة تنفيذها بشفافية تشمل الجميع. ونتيجة الارتياح من الخطوة الملكية بحل المجلس اصدر أكثر من نقيب مهني تصريحات وبيانات مؤيدة.
التعديلات المتوقعة لقانون الانتخابات
وكانت إرادة ملكية أخرى قد صدرت تنص على (إجراء انتخابات المجلس النيابي حسب أحكام القانون طبقا للمادة 34 من الدستور)، وهذا يفتح المجال لاحتمالات تعديل قانون الانتخابات الحالي القائم على مبدأ (الصوت الواحد) أي أن يعطي الناخب صوته لمرشح واحد فقط، وهو القانون الذي أنتج المجلس المنحل الذي رافقته كل الانتقادات السابقة، لذلك فقد عبّر العديد من نقباء التجمعات المهنية والشخصيات العامة عن أملها في تغيير هذا القانون قبل الانتخابات القادمة، ويبدو أن الملك عبد الله الثاني مقدم على أخذ رأي الشارع الأردني بعين الاعتبار حول أهمية تغيير قانون الصوت الواحد المثير للنقد، ويمكن استنتاج ذلك من افتتاحية جريدة الرأي شبه الرسمية، حيث ورد : quot; إن الحكومة مدعوة وفق الرسالة الملكية إلى اتخاذ كل ما يلزم من اجراءات وخطوات عملية، والبدء بشكل فوري بالإعداد لإجراء انتخابات برلمانية وفق مواصفات وأسس ومعايير غير مسموح بالخروج عليها أو تجاوزها أو اخضاعها لأي تفسير، ويجب أن تتم بعد اجراء تعديل قانون الانتخابات وتطوير اجراء العملية الانتخابية بحيث تكون نقلة نوعية quot;. أعتقد أن quot; يجب quot; هذه التي استعملتها جريدة الرأي ليست قادمة من تحليلات بقدر ما هي توجيهات، وكون quot; يجب quot; هذه موجهة للحكومة، و حكومة نادر الذهبي قدمت استقالتها، فهذا يعني أن الشارع الأردني في انتظار قرارات حكومة سمير الرفاعي التي من المحتمل الإعلان عن تشكيلها خلال ساعات أو أيام قليلة جدا.


هل يشرف الجيش ودائرة المخابرات على الانتخابات القادمة؟
وجهت انتقادات عديدة في أكثر من انتخابات برلمانية أردنية لدوائر وأجهزة وزارة الداخلية المشرفة عادة على اجراء الانتخابات، لذلك فاجأ الجميع الزميل الكاتب الأردني خالد محادين يوم الخامس من ديسمبر بدعوة ورد فيها بعد أن انتقد بشدة مؤسستي الأمن والدرك : quot; من هنا أدعو وأتمنى أن يكون الإشراف الأمني على كل صغيرة وكبيرة في عملية الانتخابات مسؤولية جهازين محترمين يحمل لهما المواطنون التقدير والثقة والاعتزاز، وأعني القوات المسلحة ودائرة المخابرات العامة، فالأولى تحمينا من أعداء الخارج والثانية تحرسنا من أعداء الداخل quot;.
وأعتقد أن هذه الدعوة تنقضها نفس المبررات التي أوردها الزميل خالد محادين تبريرا لدعوته، فبالإضافة لتناقض إشراك الجيش الأردني في الإشراف على الانتخابات مع الدستور الأردني، ليس من المنطقي ولا الوطني أن يخرج الجيش عن مهمته التي قال عنها محادين (تحمينا من أعداء الخارج) ليصبح طرفا في خلافات داخلية دوما تصاحب أية انتخابات، فليبق الجيش الأردني جيش الوطن بكل مواطنيه أيا كان المرشح الذي صوت كل مواطن له. وكذلك دائرة المخابرات العامة فكون مهمتها كما قال الزميل (تحرسنامن أعداء الداخل)، فالمنطقي والوطني أن تحافظ على وظيفتها المهمة هذه التي أفشلت العديد من مؤامرات أعداء يستهدفون الداخل الأردني، وعدم الزج بالدائرة في خلافات الداخل هذا، فمهمتها أسمى وأثمن من ذلك، فلتبق بعيدة عن أية خلافات حزبية أو انتخابية لأنها حامية للداخل بكامله، خاصة أنها في ظل قيادتها الجديدة تثبت مهنية عالية مصدر تقدير العديد من الجهات الداخلية والخارجية لابتعادها عن الأضواء والتصريحات والمؤتمرات وتفرغها الكامل لحراسة الوطن من أعداء الداخل والخارج الذين يخططون للمس بالداخل الآمن المستقر. والجهاز الوحيد المؤهل للإشراف على الانتخابات هو الجهاز القضائي الذي يجب أن يمتلك الجراة والشفاقية المطلوبة التي يتحدث عنها صاحب المفاجأت الأردني.

فهل تكون مفاجأته القادمة،
هي الطلب من القانونيين الأردنيين وذوي الاختصاص اجراء التعديلات المطلوبة شعبيا وحزبيا ومهنيا على قانون الانتخابات الذي أشارت له جريدة الرأي شبه الرسمية؟. الداخل الأردني يترقب الشهور القليلة القادمة خاصة أنه حسب الدستور يجب أن تجري الانتخابات القادمة في موعد أقصاه الرابع والعشرين من مارس لعام 2010 أي أربع شهور بعد حلّ المجلس السابق وإلا يعاد التجديد له وبث الروح فيه من جديد، وهذا ما لا أعتقد يلبي طموحات صانع المفاجآت الأردني، وإلا ما كان قد لجأ لحله أساسا، وبالتالي فهذه التعديلات لن تتم إلا بعد،


التشكيل الوزاري الجديد،
الذي كلف الملك عبد الله الثاني به سمير الرفاعي رئيس مجلس الأعيان الذي بادر للاستقالة كي لا يكون هو ونجله على رأس المؤسستين التشريعية والتنفيذية في نفس الوقت. هذا ومما يلاحظ أن بعض قيادات الإخوان المسلمين الأردنيين الذين يجب أن يعارضوا حتى ولو على خطأ، فقد استبقوا التشكيلة الوزارية لسمير الرفاعي، وأعلنوا رفضهم لما أطلق عليه حمزة منصور رئيس مجلس شورى الجماعة (توريث للمناصب وإقطاع سياسي) باعتبار سمير الرفاعي هو نجل زيد الرفاعي وحفيد سمير الرفاعي حيث شكل الأب والجد أكثر من حكومة أردنية. ويمكن ملاحظة مسألتين على تحفظ الزعيم الإخواني :
الأولى : إن مجرد جرأته على هذا الانتقاد وكونه موجه لإرادة ملكية، وما يزال حرا في بيته وعمله الحزبي دون استدعائه لأي جهة أمنية ومحاسبته، وربما يدخل الانتخابات القادمة، هذا مما يضاف لرصيد الأفق الديمقراطي الذي يتجذر في الأردن، خاصة إذا ما قورن الوضع الأردني بأوضاع عربية لا يمكن فيها نقد وزير وليس الرئيس أو الملك، متذكرين أنه في بعض الحالات تمّ توريث لرئاسة الجمهورية، دون أن نسمع احتجاجا أو نقدا من حمزة منصور وجماعته.
الثانية: الحكم في الدول الديمقراطية لا يتم على الشخص قبل بدء حكومته العمل، بل يكون على تقييم أدائها في كافة الميادين وإصدار الحكم على الأداء والنتائج وليس الشخوص. والدليل أنه لم ينتقد أحد في الولايات المتحدة الأمريكية وصول جورج بوش الإبن لرئاسة البيت الأبيض بعد والده جورج بوش الأب، ولم يسموه توريثا أو إقطاعا سياسيا، بل انتظروا ممارسة جورج بوش الإبن لمسؤولياته الرئاسية ثم كانت الأحكام السلبية والايجابية على نتائج فترة حكمه.
ولكن جماعات الإخوان المسلمين يعتقدون أنهم يمثلون الذات والأحكام الإلهية، لذلك فلهم الحق في إصدار ما يشاءون من انتقادات غير موضوعية، متناسين أن كل المرشدين العامين في كافة جماعاتهم يستمرون في زعاماتهم من المهد إلى اللحد، فما هو حلال لهم حرام على غيرهم. لذلك فليعلن سمير الرفاعي حكومته، وبعد ذلك فالحكم على أدائها لغالبية الشعب الأردني بغض النظر عن والده وجده اللذين شكلا عدة حكومات أردنية، وكان لهما دور واضح ومؤثر ايجابيا في الحياة السياسية والحكومية الأردنية.
لذلك في انتظار إعلان التشكيلة الوزارية الجديدة، يتطلع الأردنيون لمفاجأة جديدة تتعلق بتغيير وتطوير قانون الانتخابات، صارخين هذه المرة (دخيل الله يا أبو حسين).
[email protected]