انشغل الإعلام الأردني عقب خطاب التكليف الملكي لسمير الرفاعي بتشكيل الحكومة الجديدة عقب استقالة حكومة نادر الذهبي، بمعارك جانبية على هامش الاستقالة والتكليف أي الرئيس المغادر والرئيس القادم، ويمكن تسجيل بعض الملاحظات على أداء هذا الإعلام الورقي والإليكتروني، والمقصود من هذه الملاحظات ليس النقد لمجرد النقد ولكن النقد الهادف لتسخير الإعلام للقضايا الرئيسية التي تهم المواطن الأردني الذي يتمنى أن تكون كافة الحكومات في مستوى مضمون التكليف الملكي الذي لو طبقت تلك الحكومات نسبة بسيطة منه لتراجعت شكاوي المواطن واحتجاجاته المكتومة والمعلنة. من هذه الملاحظات:
أولا: انشغال الإعلام بشكل ملحوظ بظاهرة دائمة ومستديمة، تكاد تصل لحد الظاهرة المرضية ذات الطابع المصلحي الشخصي، وهي النسيان الكامل أو النقد الشديد للرئيس المغادر وحكومته من أسماء سبق لها أن كالت الثناء والمديح له بشكل مبالغ فيه أثناء وجوده في دار الرئاسة. ويقابل ذلك الاستقبال المهيج والمصفق والمرحب بكلمات ترقى لصوت الزغاريد بالرئيس القادم حسب التكليف الملكي، مختلقين مناقب وصفات له من المؤكد أنه نفسه لا يقبلها خاصة أن كل ذلك حتى قبل أن ينتهي من إعلان تشكيلة وزارته وبدء عملها ليعرف المواطن عبر الممارسة خيرها من شرها. طبعا وللإنصاف فهناك قلة محدودة للغاية من الكتاب المعروفين الذين رحبوا بالرئيس المغادر ذاكرين حسناته وايجابيته التي تميزه عن فريقه الوزاري المغادر حوالي نصفه معه، والعائد حوالي نصفه مع الرئيس الجديد القادم.
ثانيا: التكاثر السريع لانجاب وسائل الإعلام الورقية الاسبوعية والشهرية وشقيقاتها الإليكترونية الانترنتية التي أصبحت أكثر من قدرة القارىء الأردني على متابعتها، هذا إن أتت بجديد حيث يلاحظ أن الانترنتية منها أغلبها تنقل من بعض أو من مواقع عربية معروفة، وأعتقد أنه يوجد في متناول القارىء الأردني ما لايقل عن خمسين مطبوعة ورقية وإليكترونية المشهور منها الورقيات اليومية: الرأي، الدستور، العرب اليوم، والغد. ومن الاليكترونية المعروفة بكثرة متابعيها من الأردنيين في الداخل والخارج موقعي سرايا و عمون. لذلك أرى أن هذا التكاثر لوسائل الإعلام الأردني رغم أنه ظاهرة صحية على حدود حرية الرأي المتاحة، إلا أنه أكثر من طاقة القارىء الأردني على المتابعة، وأكثر من حاجته للعديد من الأراء المخالفة والناقدة، إلا أنه يبقى من حق أي شخص أيا كان عدد قراء مطبوعته أو موقعه. وهذا يذكر بقول المرحوم الملك حسين عن تكاثر الأحزاب الأردنية الذي لا يقل عن تناسل الصحف والمواقع: quot; الزحام يعيق الحركة quot;.
ثالثا: الخلط لدى بعض مراسلي الصحف ووكالات الأنباء العربية والأجنبية بين نقل الخبر كما يحدث على الأرض وفي الواقع، وبين رؤيته الشخصية أو التحليلية لذلك الحدث.رغم أن هذه الإشكالية من السهل حلها عند توفر المصداقية من خلال نقل الخبر أولا بشكل مجرد واقعي، ثم الكتابة المستقلة عبر مقالة تحلل ذلك الحدث من وجهة نظر المراسل ككاتب ومواطن هذه المرة وليس مراسلا لمطبوعة أو وكالة ما، وفي هذه الحالة إن تعرض الكاتب لنقد أو مساءلة فتكون له ككاتب أردني وليس مراسلا للمطبوعة أو الوكالة الفلانية.


معركة رويترز- الخالدي
أقصد بذلك ما نشرته وكالة رويترز عند الإعلان عن التكليف الملكي لسمير الرفاعي بتشكيل الحكومة الجديدة، إذ نشرت الخبر منسوبا لمراسلها الأردني سليمان الخالدي تحت عنوان quot; عاهل الأردن يطلب من الحكومة المحافظة الجديدة التعجيل بالإصلاح quot;. والملاحظة الأولى هي أن هذا العنوان يصلح لمقالة رأي وليس لخبر حدثي في الواقع الأردني، إذ تم نشر هذا المضمون فور صدور التكليف الملكي الذي ركّز على ضرورة التعجيل بالإصلاح، أي قبل تشكيل حكومة رئيس الوزراء المكلف سمير الرفاعي، التي أساسا لا يمكن وصفها بحكومة محافظة أو ليبرالية اعتمادا فقط على أسماء وزرائها، فالوزراء لا يحكم عليهم في الدول الديمقراطية من خلال خلفيتهم السياسية أو الحزبية، ولكن من خلال كيفية تطبيقهم لهذه الخلفية وممارساتهم في فترة وجودهم في الوزارة، بعد ذلك يمكن الحكم عليهم أو توصيفهم بأنهم محافظون أو ليبراليون أو بصفات أخرى.

وقد كان مضمون تحليل(وليس خبر)رويترز الخالدي،
مثيرا خاصة لمراقبي الشأن الأردني الأجانب في الخارج، حيث سارعوا لطلب ترجمة التحليل وابداء الرأي فيه لأنه تضمن عبارات ذات حساسية دقيقة منها ما ورد حرفيا:
quot; قال مسؤولون يوم الأحد أن من المقرر أن تؤدي حكومة أردنية جديدة يهيمن عليها المحافظون برئاسة رئيس الوزراء الجديد سمير الرفاعي اليمين الدستورية في غضون 48 ساعة quot;. من هم هؤلاء المسؤولون الذين قالوا ذلك؟ لا ذكر لأحد منهم في سياق التحليل-الخبر؟. وكيف عرف هؤلاء المسؤلون المجهولون أنها ستكون حكومة يهيمن عليها المحافظون رغم القول انها ستعلن بعد 48 ساعة؟. إنّ هذا ليس نقلا لخبر ولا إدعاءا بالتنجيم بقدر ماهو كما يقول المثل (رمي العصا قبل الراعي) أي تعبير عن تكهنات قوى أو اشخاص.

quot;ومني الإصلاحيون الليبراليون بخسارة كبيرة منذ استقالة باسم عوض الله رئيس الديوان الملكي السابق ذي الأصول الفلسطينية من منصبه العام الماضي، بعد أن تعرض لانتقادات غير مسبوقة من المحافظين الذين اتهموه باتباع برامج اصلاحات موالية للغرب تتجاهل الحساسيات العشائرية. وقال مسؤولون أنّ من المتوقع أنّ تتألف الحكومة في الأغلب من سياسيين محافظين وشخصيات عشائرية وخبراء فنيين كان لهم نفوذ في حكومات سابقة quot;. إن ربط هذه الفقرة بما قبلها يعطي الحق في الاستنتاج أن المسؤولين الذين أشار اليهم المراسل الخالدي في الفقرة السابقة ينتمون لمن أسماهم في الفقرة الثانية (الإصلاحيين الليبراليين) بدليل أنهم تكهنوا بأن الحكومة الجديدة التي لم تعلن تلك الساعة أنها ستنتمي لتيار المحافظين، وذلك لمجرد عدم مجيء ليبرالي إصلاحي حسب مواصفات المراسل رئيسا للوزارة الجديدة.

quot; وتضغط الشخصيات العشائرية وهي العمود الفقري التقليدي المؤيد للملك كي تلعب الدولة دورا اقتصاديا أكبر، وهو ما يتعارض مع سياسات السوق الحرة التي يخشى أن تمنح دورا سياسيا أكبر لمواطنيهم من ذوي الأصول الفلسطينية. ويشكل الأردنيون المنحدرون من أصول فلسطينية أغلبية في الأردن التي يبلغ تعدادها ستة ملايين نسمة، ويستبعد معظمهم من الجيش والشرطة والمخابرات، لكنهم يمثلون الدعامة الرئيسية لمجتمع الأعمال quot;. تلك كانت أخطر فقرة فيما نشره الخالدي في رويترز على أنه خبر، وهو لا علاقة له بالخبر بل إنه راي شخصي للكاتب ما كان لوكالة عريقة مثل رويترز أن تنشره ضمن سياق الأخبار الخاصة بتشكيل الحكومة الأردنية الجديدة، بل إذا أرادت نشره كان يجب أن يكون (وجهة نظر) للكاتب سليمان الخالدي كمواطن أردني وليس مراسلا لرويترز، لأن نشره ضمن السياق الذي جاء ضمنه أعطى الحق للبعض ان يعتبره تدخلا من رويترز في الشأن الأردني الداخلي، وهذا ما يتعارض مع مهنيتها كوكالة أنباء عالمية.


لذلك لاقى هذا التحليل ndash;الخبر موجة عارمة،
من النقد الصريح الواضح من طرف العديد من الكتاب الأردنيين المعروفين، لأنه يغذي النعرات الإقليمية التي لا تخدم سوى أجندات الفتنة الداخلية، خاصة ضمن ظروف المشاريع اللاوطنية المطروحة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولكن من المهم أيضا التنبيه إلى أنّ موجة النقد العارمة التي تتعرض لها هكذا أطروحات وتحليلات تخدمها من جوانب أخرى، لأنه من الواضح والمؤكد أن تخوف (الوطن البديل) من المستحيل تطبيقه واقعيا إلا في توفر عاملين هما: خيانة الشعب الفلسطيني و تواطىء الشعب الأردني وهذان عاملان من المستحيل توفرهما. فمن المستحيل خيانة الشعب الفلسطيني وموافقته التنازل عن مطلب دولته المستقلة ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ويقبل بدولة ذات كيان مصطنع مغتصب على حساب دولة الشعب الأردني (المملكة الأردنية الهاشمية) بغض النظر عن نسبة المنابع والأصول السكانية في تلك الدولة. وأيضا من المستحيل تواطىء الشعب الأردني للتنازل عن الأرض الفلسطينية مقابل رشوة للشعب الفلسطيني اسمها قيام دويلة على الأرض الأردنية، وهو تواطىء مزدوج: التنازل عن الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية التاريخية، والتنازل عن الدولة الأردنية على الأرض الأردنية.
لذلك فلتهدأ الخواطر، فالقضية أكبر وأعمق من تقرير لأية وكالة أنباء، والأنظار الآن تتركز على أداء الحكومة الجديدة التي شكلها سمير الرفاعي، مع أمل تطبيق كامل لكافة الوعود التي أصرّ عليها رئيس الوزراء الجديد وأهمها ترسيخ الانتماء لوطن اسمه الأردن، وهذا وحده يعزز الطريق نحو الدولة الفلسطينية المستقلة التي يتمناها كل الأردنيين في الأردن، وكل الفلسطينيين في القطاع والضفة والشتات.
[email protected]