اعترف الشيخ متولي الشعراوي بشجاعة ndash; وكم أحب الشجاعة المعنوية حتى ولو كانت صفيقة ndash; بأنه ما إنْ سمع بهزيمة مصر أمام إسرائيل في حرب 67، حتى صلّى quot;صلاة الشكرquot; لهزيمة مصر. quot;لو انتصرت لسادت الشيوعية العالم العربيquot; كما قال. أراهن على أن صقور حماس قد فعلوا نفس الشيء، عندما عرفوا بانتصار نتنياهو وليبرمان في الانتخابات الإسرائيلية. اليمين وأقصى اليمين سواء في إسرائيل أو في فلسطين يتلاقيان موضوعيا في رفض quot;حل الدولتينquot;، كل منهما مدفوعا بأوهامه الخاصة. برفض حماس تجديد الهدنة خلال الحملة الانتخابية، صوتت، كما فعلت في 1996، لليكود نتنياهو وإسرائيل quot;بيتناquot; لليبرمان.
إدمان سياسة الأسوأ الملازمة للبنية النفسية المتطرفة هو الذي يملي لا شعوريا على صقر صقور حماس، خالد مشعل، سعيه المحموم لتمزيق م. ت. ف. الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. لحسن الحظ عارضه قائد آخر من حماس هو د. محمود الزهار وآخرون أيضا مما يدل على أن حماس ليست بنيانا مرصوصا كالأحزاب الفاشية والستالينية، بل بنية تنظيمية تترك هامشا للاختلاف العلني. سياسة الأسوأ هي التي تملي على صقور حماس أيضا الترديد الوسواسي لخيار المقاومة في معارضة خيار المفاوضة الذي تبنته فتح + م. ت. ف. والسلطة الوطنية الفلسطينية المنبثقة عنهما.
اللحظة التاريخية، لمن يهوى من الإسلاميين الأقْيسة التاريخية، ليست لصالح معركة quot;بدرquot; الظافرة، بل لصالح quot;صلح الحديبيةquot; حيث وقّع نبي الإسلام على ما هو أسوأ من اتفاقيات أوسلو: مصالحة قريش بالشروط المذلّة التي أملاها سفيرها عليه!
خالد مشعل يضحي بالوحدة الوطنية الفلسطينية وبخيار التفاوض مع إسرائيل، الضرورين كليهما، للحصول على دولة فلسطينية باتت منذ الآن قرارا دوليا. لأي سبب؟ في العمق، بسبب ميثاق حماس الجهادي المسكون، من أول سطر إلى آخر سطر فيه، بالحنين الجارف إلى إعادة الخلافة وإعادة فلسطين، المحرَّرة من الحضور اليهودي، اليها كـquot;وقـْف على جميع المسلمين في العالمquot; وليس كدولة ndash; أمة حديثة. هذا الهوس بالخلافة هو الذي يملي على صقور حماس تذويب فلسطين في إيران التي ينظرون إليها كنواة لخلافة إسلامية لا تغيب عنها الشمس quot;تمتد، كما قال رئيس quot;الجيش الإسلاميquot; في العراق، من الأندلس إلى حدود الصينquot;.
مصلحة إيران المعرّفة تعريفا خاطئا تتطلب نشر الفوضى في الشرق الأوسط والعالم، كما اعترف بذلك أحمدي نجاد لوزيري خارجية فرنسا وألمانيا السابقين عبْر امتلاك السلاح النووي، وتصدير الثورة (= الفوضى)، وضمّ quot;المحافظة الـ14 البحرينquot; كما طالب بذلك ناطق نوري الذي يقرأ في أفكار الولي الفقيه، مطالبة تعيد للذاكرة ضم صدام للمحافظة 19 والكوارث التي أعقبته، والاستمرار في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث والتخطيط لضم جنوب العراق.
توقيع السلام العربي الإسرائيلي، ولبّه السلام الفلسطيني الإسرائيلي، يناضل ضد هذا الخيار الكارثي. وهكذا كان على مشعل، وكيل أحمدي نجاد في حماس، أن يعمل ما استطاع، وهو يستطيع الكثير لعلاقته برئيس كتائب القسام، أحمد الجعبري، لإعاقة خيار المفاوضة. أول خطاب القاه الإمام خميني في إيران بعد عودته من منفاه قال فيه: quot;لا تهمنا مصلحة إيران بل مصلحة الإسلامquot;. بإمكان مشعل أن يقول محاكيا: quot;لا تهمنا مصلحة فلسطين، أحد ثغور دار الإسلام، بل مصلحة quot;الأمةquot; ونواتها الواعدة بالخلافة الإسلامية: إيرانquot;. كما ذوّب حسن نصر الله لبنان في quot;الأمةquot;، أي إيران ndash; الملالي، بتحويله من وطن إلى quot;ساحةquot; حرب لمصلحة إيران، يحاول مشعل تحويل فلسطين إلى quot;ورقة رابحةquot; في يد أحمدي نجاد ليساوم بها على دور طهران في الشرق الأوسط وعلى حصتها من كعكة السلام الموعود.
ما الذي يجعل الإسلاميين متعلقين إلى هذا الحد بالخلافة الإسلامية؟ هو الحنين السقيم إلى أسطورة quot;العصر الذهبيquot;. أسطورة عاينتها الدراسات الأثنولوجية لدى معظم القبائل البدائية. من أين جاءت أسطورة الحنين الى العصر الذهبي؟ من حنين الراشد الى وضعه كجنين في رحم الأم وكرضيع كان يأتيه، في الحالتين، رزقه رَغَدا. هذا الحنين الى ماض ذهبي، جدير بالأحياء هو العائق الأول لتبنّي النخب التقليدية وجمهورها الواسع لأساليب التفكير والتدبير الحديثة. وما هو الحنين؟ هو مرض نفسي عضال أعراضه الحزن المُقيم، الشعور الحاد بالاجتثاث من الجذور، كما لو أن ماردا لعينا حكم على ضحايا الحنين بالعيش في عصر ما كان لهم أن يختاروا الولادة فيه، فلا وجود لأي رابط وجداني أو ديني، يشدّهم إليه. حنين هؤلاء المرضى إلى عصر بائد يجعل تكيّفهم الضروري مع عصرهم صعبا، ولأصحاب المشروع الطالباني منهم، ضربا من المحال أو يكاد. هذا التمزق النفسي بين عصرين تتجلى أعراضه في تفشي القلق والأرق والقرف من الحياة أي quot;ذم الدنيا وأهلهاquot; والاكتئاب بما هو حِداد دائم على عزيز لن يعود. هذا الحِداد هو الذي يملي عليهم وهْمَ وجوب تكييف مؤسسات وعلوم وتكنولوجيا وقيم العصر مع الإسلام الذي يسمونه quot;أسلمة الحداثةquot; المستحيلة، بدلا من المحاولة الوحيدة الممكنة: تكييف الإسلام مع حداثة العصر دون شعور بالذنب. وهو ما أنجزته حتى الآن بنجاح قيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي. وما انجزته معظم القيادات الدينية التوحيدية والوثنية في العالم. للعِلم: 56% من ساكنة المعمورة لا زالوا وثنيين. ماذا جنى المسلمون من عجزهم عن التكيف مع تطورات العالم المعاصر؟ جميع مصائبهم من النكبة الفلسطينية الى اضطهاد المرأة والأقليات مرورا بقنبلة الانفجار السكاني التي يفجّرونها في أنفسهم والتأخر والفقر والجهل والأمية والإرهاب وسوء التعليم وسوء صناعة القرار... وقد أكون نسيت مصائب أخرى.