quot;حماس خير لنا، لأنها تعرض علينا السلطة الفلسطينية عارية (...) الفتنة بين الفلسطينيين، لا وحدتهم، هي الممتازة لنا. وهي بكل يقين أفضل لناquot; ( هارون ليبران، عميد احتياط ومسؤول كبير سابق في quot;أمانquot;، معاريف 25/12 /2007)

quot;... لكن هناك توصيات ونصائح وجهت لحماس وقمنا بإيصالها إلى منظمة التحرير الفلسطينية .. بالطبع المسئوليات بالنسبة لهم أصبحت مختلفة فعندما تولوا إدارة الدولة كان يجب أن يكون موقفهم مختلفا ، وأنا أعتقد أن هذا صحيح حيث كان يجب أن يكون لهم دور مختلف بعد أن أصبحوا فى موقع المسئولية لكن ما حدث بعد ذلك كان مغايرا (...) وباختصار فإننا نرى أن الوحدة الفلسطينية أمر مهم وأساسي .. وندرك يقينا أنه ليس هناك ما يؤثر على القضية الفلسطينية أكثر من التفرق والتشرذم .. فماذا تستطيع أن تفعل فلسطين إزاء إسرائيل وهى غير موحدة ؟ جغرافيا وهى مقسمة .. وعندما نضيف إلى ذلك الانقسام السياسي يكون الامر صعبا بالنسبة للفلسطينيين، والعرب ولنا فى تركيا. لذلك أقول إنه يجب إنهاء هذا الانقسام وأن تكون حماس جزءا من العملية السياسية.. وهنا أشير إلى أنه عندما فازت حماس فى الانتخابات كنت وقتها وزيرا للخارجية ودعوتهم إلى تركيا لمناقشة هذه الامور وقلت لهم آنذاك إنكم فزتم فى الانتخابات ويجب أن يكون تصرفكم مختلفا (...) فقد قلت آنذاك إن الله سبحانه وتعالى حبانا بالعقل والمنطق ويجب أن نكون واقعيين وأن ننظر نظرة إيجابية ونقرأ الواقع قراءة صحيحةquot; عبدالله غُل، رئيس الجمهورية التركية (اليومية السعودية quot;المدينةquot; 2 شباط / فبراير 2009).

ما قاله ليبران بصوت عال هو ما يفكر فيه قطاع عريض من المؤسسة الأمنية واليمين وأقصى اليمين الإسرائيلي: فصل حماس لغزة عن الضفة الغربية قدم لأعداء الدولة الفلسطينية في إسرائيل الذريعة التي يبحثون عنها: لمن نعطي الدولة؟ هل لـ 60% من الفلسطينيين في الضفة الغربية؟ أم لـ 40% منهم في غزة؟ إذن لن نعطيها لأحد. ما زال اليمين وأقصى اليمين يعتبران quot;الخطر الخارجيquot; هو إسمنْت الوحدة القومية الإسرائيلية. كما يريان في الدولة الفلسطينية ما رأته فيها غولدا مئير سنة 1974: quot;بداية النهاية لدولة إسرائيل. مثلما كانت الصين الشعبية بالنسبة للصين الوطنية. تدريجيا سيسحب العالم اعترافه بإسرائيل ليعترف بالدولة الفلسطينية كما حدث مع الصين الوطنيةquot;. كان هذا التصريح لرئيسة الحكومة الإسرائيلية آنذاك ردا على قرار م. ت. ف. quot;إقامة الدولة الفلسطينية على كل شبر محرر من أرض فلسطينquot; 1967. صقور حماس يفكرون بنفس منطق غولدا مئير، لكن معكوسا: اعتراف الشعب الفلسطيني بإسرائيل، سيكون بداية النهاية لحلم تحرير فلسطين حتى آخر ذرة تراب...
اليمين واقصى اليمين الإسرائيلي والفلسطيني مصابان كلاهما بالرُهاب: رُهاب (فوبيا) أن يكون اعتراف إسرائيل بفلسطين بداية النهاية لإسرائيل؛ وأن يكون اعتراف فلسطين بإسرائيل بداية النهاية لحلم يقظة تحرير فلسطين من البحر الى النهر... خوفان هستيريان متمردان على المنطق. موضوع الرُهاب لا يشكّل خطرا حقيقيا على المريض به. لكنه يسبّب له قلقا يشل مداركه فلا يعود قادرا على التفكير المنطقي. إحدى استراتيجيات الرُهابي هي علاج موضوع رُهابه بـquot;الفرار إلى الأمامquot; في المغامرات الكارثية. وهو ما لم يقصّر فيه لا مجانين إسرائيل الكبرى ولا مجانين فلسطين الكبرى. لكن العقلاء في إسرائيل وفي فلسطين معا يراهنون على السيناريو المتفائل: حل الدولتين المتعايشتين سلميا والمتعاونتين اقتصاديا وتكنولوجيا وعلميا وثقافيا في إطار شرق أوسط مشروعه الجماعي هو التنمية المستدامة والتضامن ضد المخاطر الإيكولوجية، التي لا تقل خطرا عن استخدام أسلحة الدمار الشامل، والتي ستُداهِمُ الشرق الأوسط والعالم ابتداء من سنة 2020.
الفرار إلى الأمام الإسرائيلي والفلسطيني، الحرب الدائمة الإسرائيلية؛ والمقاومة الدائمة الفلسطينية، خياران انتحاريان مرفوضان من القوى الإقليمية والدولية ومن غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين.
رغم حرب غزة quot;الوحشيةquot; على حد اعتراف تسيبي ليفني، فإن غالبية ساحقة من الفلسطينيين ترفض خيار المقاومة الحمسوي: 88,9% منهم 87% في غزة يطالبون حماس بتوقيع هدنة مع إسرائيل كما جاء ذلك في استطلاع quot;المركز الفلسطيني للاستطلاعquot; ( PCPo ). واللافت فيه أن مؤيدي خيار المفاوضة بين الفلسطينيين متفوقون على أنصار خيار المقاومة. نسبة مؤيدي فتح كانت الأعلى في غزة: 42,5% مقابل 27,8% لحماس؛ بالمثل كانت الأعلى في الضفة الغربية: 34,2% لفتح مقابل 23,7% لحماس. 51% من الفلسطينيين يرون أن حماس تسير بفلسطين في الاتجاه الخاطئ و 14% يحملونها مسؤولية الحرب مقابل 54% لإسرائيل. بخصوص نوايا التصويت في الرئاسيات تفوق إسماعيل هنية على محمود عباس. أما خالد مشعل فلم يحصل إلا على 8,9% فيما حصل ياسر عبد ربه 9,8% وأعلى تقييم إيجابي للزعماء الفلسطينيين كان لياسر عبد ربه نصير خيار المفاوضة: 28,4% فيما حصل مشعل على 24%. أما أعلى نسبة تقييم إيجابي فلم يحصل عليها أي زعيم فلسطيني، ولا حتى أبو عمار في حياته، بل حصل عليها الرئيس الأمريكي، اوباما، الذي وضعته حماس من أول يوم في قفص الاتهام 41,7%.
هل سيفكر صقور حماس في جس نبْض شعبهم قبل اتخاذ قرارهم؟ هل سيتخلون عن خيار المقاومة المرفوض من شعبهم ومحيطهم الإقليمي ndash; عدا إيران أحمدي نجاد- والعالم؟ هل سيستمعون لنصيحة صديق حماس عبدالله غُل، رئيس الجمهورية التركية، الذي ينصحهم بالوحدة الوطنية والانضمام للعملية السلمية؟ أم سيواصلون الاستماع للعميد احتياط ليبران بالاستمرار في فصل غزة عن الضفة والتحريض على الفتنة الفلسطينية، والاستعداد لها في الضفة الغربية ومخيمات لبنان، والتواطؤ الموضوعي مع اليمين وأقصى اليمين الإسرائيلي المعادي مثلهم لمشروع الدولتين الذي هو المشروع الواقعي الوحيد الموعود، في السيناريو المتفائل، بالتحقيق؟ هل سيجدون الشجاعة السياسية لتوديع رغبتهم الجهادية المقطوعة من الواقع ويعيدوا الاعتراف بالواقع الذي لا يرفض الاعتراف به إلا المجانين؟ هل سيتدبّرون نصيحة الرئيس عبدالله غُل الثمينة: quot; إن الله سبحانه وتعالى حبانا بالعقل والمنطق ويجب أن نكون واقعيين وأن ننظر نظرة إيجابية ونقرأ الواقع قراءة صحيحةquot;؟ quot;قراءة الواقع قراءة صحيحةquot; هي دليل كل سياسي ما زال يحتفظ برأسه بين كتفيه.


PS (بعد الكتابة)
بعد كتابة هذا المقال عُيّن نتنياهو رئيسا لحكومة قد تكون شراكة بين اليمين وأقصى اليمين والتعصب الديني اليهودي. لا شك أن صقور حماس سيجدونها تُكْـأة لهم ليفركوا أيديهم قائلين: مات خيار المفاوضة عاش خيار المقاومة. لا تصدقوهم. خيار المفاوضة هو اليوم أهم منه بالأمس مع حكومة الوسط. خيار المفاوضة هو السلاح الفلسطيني الدبلوماسي والاعلامي الضّارِبْ الكفيل بوضع حكومة اليمين في قفص الاتهام أمام القوتين العظيمتين في العالم: أمريكا والرأي العام العالمي. من يكسب هذه الحرب الإعلامية يكسب الحرب دون إراقة قطر دم واحدة.