إختفى عن الأنظار السيد حسن نصر فى أعقاب quot;إنتصاره الإلهىquot; على إسرائيل فى حرب تموز الشهيرة، وأصبحنا لا نشاهده إلا من خلال قناة تليفزيونية مغلقة بعمامته السوداء وبخصلة شعر جميلة تنزلق (بدون قصد) أسفل العمامة وبذقنه المهذبة بشعرها الأسود والأشيب وتعطيك إنطباعا بأن هذا الشخص يجمع بين حكمة الشيب وإندفاع الشباب. وفى الحقيقة أنا إنزعجت من إختفاء حسن نصر الله وخاصة بعد quot;النصر الإلهىquot;، وإذا كان هذا الإختفاء قد حدث بعد quot;النصر الإلهىquot; فماذا يكون الحال إذا كانت نتيجة حرب تموز quot;هزيمة شيطانيةquot;، وأنا أعتقد أن حسن نصر يختبئ لأسباب غير التى نعرفها، لذلك قررت التوجه إلى جنوب لبنان ومحاولة لقائه لأطمئن على سلامته من جهه ولأسأله عن موقفه من الإتهامات المصرية الأخيرة لحزب الله، وقد قيل لى لا تحاول عقد لقاء صحفى معه لأنه لن يقابلك لأنك تكتب والعياذ بالله فى جرائد علمانية، فقلت لهم أنا مؤمن برحابة صدر السيد حسن نصر الله، وخاصة أننى أريد محاورته وطرح بعض الأسئلة عليه والتى لم يجرؤ أحد على سؤاله من قبل، وإستطعت أخيرا عن طريق صديقى رجل الأعمال الإيرانى quot;حسين خسروفانىquot; أن يرتب لى لقاء مع حسن نصر الله بعد صلاة الجمعة، وبعد رحلة مضنية توقفت خلالها فى مطار هيثرو بلندن وصلت مطار بيروت، ومن باب الإحتياط دخلت لبنان بإستخدام جواز سفرى المصرى، ووجدت على باب الخروج من ساحة المطار شاب يرتدى بدلة سوداء ويحمل لافتةعليها إسمى باللغتين العربية والإنجليزية، وإقتربت منه وصافحته، وعرفنى بإسمه (وطلب منى أن يظل إسمه سرا، وإحترمت رغبته وعلى فكرة هو إسمه على معالى )!! وبادرنى قائلا:
- شو؟؟ وين أغراضك؟
- فقلت له أغراضى واضحة هو أن أقوم بحديث صحفى مع حسن نصر
- هدا مو قصدى، أقصد وين شنط سفرك
- أنا معايا شنطة إيدى بس، لأنى راجع على طول
- شو مابدك تضل معانا فى لبنان
- لا الحقيقة أنا مش عاوز أضل
فإبتسم وإتجهنا إلى رصيف الطريق خارج المطار فجاءت سيارة خضراء ماركة لاند روفر الإنجليزية وعليها فيما يبدو إيريال إتصالات، ولاحظت أنه يوجد شخصان بالمقعد الأمامى للسيارة ولم أرتح لمنظرهما، وتوقفت السيارة أمامى ونزل منها الشخص الذى يجلس بجوار السائق، وكان يرتدى بدلة سوداء أيضا ونظارة شمسية ماركة راى بان الأمريكية وتوجه إلىّ مرحبا وفتح لى باب السيارة الخلفى، فركبت فوجدته يركب بجوارى دافعا إياى إلى منتصف المقعد الخلفى، وركب quot;على معالىquot; من الجهة الأخرى ووجدتنى فى وضع سندويتش بين quot;علىquot; وبين الشخص الآخر، ولما لاحظ quot;علىquot; الإنزعاج علىّ نتجة وضع السندويتش قال:
- ما تخاف إستاذ سامى، إحنا بنحميك شان ما فى حدا يقوسك
- يعنى إيه يقوسنى؟
- يعنى يطخك..شو طلقتين كلاشنكوف
- ربنا يطمئنك، كنت عاوز أصلى الجمعة
فرد الشخص الآخر بلهجة شبه آمرة
- مش مهم بعدين
وفجأة إسودت الدنيا فى وجهى فى عز النهار وسمعت صوت quot;علىquot; يقول:
- متأسفين إستاذ سامى التعليمات عنا، إنك ماتعرف إنت وين رايح
وتذكرت عادل إمام فى مسرحية شاهد ماشافش حاجة وهو يقول:
يعنى إيه؟إعدام؟ فيها إعدام؟!!
وحاولت أن أنزع الغمامة السوداء التى وضعوها على رأسى ففشلت مقاومتى، وقلت لا داعى للمقاومة لأننى فى طريقى للقاء quot;سيد المقاومةquot; شخصيا، وطلبوا منى أن أعطيهم جواز سفرى ولم أقاوم أيضا وأعطيتهم جواز سفرى المصرى، وساعتها فقط عرفت أن المصريين quot;مش بتوع مقاومةquot; وإستسلمت تماما لأوامرهم وقرأت الفاتحة على روحى وحاولت أن أنظر إلى الناحية الإيجابية وهوأننى ربما أكون على بعد خطوات من التخلص من الدنيا وبلاويها، وفكرت فى بناتى وقلت يمكن من الأفضل لهن أن ينشأن يتامى فقد تساعدهن ظروف اليتم على التخلص من حالات الدلع التى تنتابهن أحيانا، وبعد مدة ساعة ونصف أوساعتين توقفت السيارة، وسمعت صوت quot;علىquot; وهو يقول:
- إتفضل إستاذ
وتفضلت وأخذ شخص ثالث بيدى وأنا أسير مثل الأعمى، وتوقفنا ثم سمعت باب ينفتح وسحبنى شخصا من يدى مرة أخرى وسرنا مسافة بسيطة جدا ثم سمعت بابا يغلق ثم أحسست بحركة وكأننى راكبا لمصعد فى طريقه إلى أسفل، وتوقف المصعد بعد مسافة خمنتها بأنها ثلاث أدوار تحت الأرض على الأقل، وسلمونى إلى شخص آخر وكأننى بطيخة أنتقل من يد ليد، وأخيرا توقفنا وطلب منى الجلوس على الأرض، ففعلت ولم أسمع صوت أى أحد وأخذت أفكر فى حياتى منذ أن كنت طفلا صغيرا ومر تاريخ حياتى على ّ كشريط سينمائى سريع، وشعرت بشعور أستسلام غريب بأننى ربما فى غرفى إعدامى وأنه يتم تحضير قطع رقبتى وبث هذا المشهد على الإنترنت، وشعرت بشعور راحة ربما يشعر به الإستشهاديون قبل عملياتهم الإرهابية لأنهم على مقربة دقائق من quot;الجنةquot; ونعيمها.
وبعد إنتظار قدرته بحوالى ثلاثة أرباع الساعة، سمعت جلبة وهيصة وشدنى شخص من يدى لكى أنهض فنهضت ثم رفعوا عن رأسى الغمامة السوداء فلم أر شيئا فى البداية من شدة إضاءة المكان، وبعد لحظات تيقنت أننى أمام السيد حسن نصر الله والذى بادرنى بمد يده للسلام قائلا:
- أهلا إستاذ سامى البحيرى، عم نقرى مقالاتك إللى عم بتهاجم فيها حزب الله
- أهلا سيد حسن نصر الله
ولأول مرة تلفت حولى فوجدتنى فى غرفة كبيرة نسبيا بدون شبابيك وحوائطها ذكرتنى بحوائط البدومات الخرسانية والتى بنيتها من قبل أسفل العمارات
وأشار لى حسن نصر الله بالجلوس
فجلسنا على الأرض على سجاجيد فارسية فاخرة
وبادرنى حسن نصر الله بالسؤال:
- تشرب إيه إستاذ
- أشرب ميه بس
وفوجئت بحسن الله يقول لى:
- إنت عارف أنا ممكن آخدك رهينة لغاية مصر ما تفرج عن أعضاء حزب الله فى مصر
فقلت له:
- قلبك أبيض، إنت فاكر حكومة مصر بتسأل عن مواطنيها، فى مصر حيقولوا يستاهل إيه إللى خلاه يروح برجليه لحسن نصر الله؟
فإبتسم حسن نصر الله قائلا:
- الله يجازيكوا يامصريين، ما فى أخف من دمكوا
- تشكر، أنا اشكرك مرة أخرى على قبولك أن أجرى معك حديث صحفى وأرجو أن يتسع صدرك للأسئلة والتى قد تصدر من أعداءك قبل أصدقائك
- تفضل إستاذ، حنا ما عنا إشى نخبيه
- إيه حكاية حزب الله دى؟ هل يصح إقحام إسم الله فى السياسة بألعابيها المعروفة، وبعدين إذا كان حزبك هو حزب الله، فهل يعنى أن الأحزاب الأخرى هى أحزاب الشيطان؟
- أحب أن أقول لك أننى لم أختر إسم الحزب، فالحزب قد نشأ عام 1982 فى أعقاب الإجتياح الصهيونى للبنان وكان عمرى وقتها 22 عاما، ولم لا نطلق عليه إسم quot;حزب اللهquot; ألا تعلم بأن حزب الله هم الغالبون؟ وأصبح الحزب الآن هو عنوان المقاومة.
- أنا أفهم أن الحزب قد نشأ بهدف المقاومة بعد الإجتياح الإسرائيلى للبنان، ولكن الآن لبنان خالية من أى إحتلال، فماذا تقاوم ياسيد المقاومة؟
- نحن سنظل نقاوم الكيان الصهيونى حتى نقضى عليه تماما، لأن وجودنا يتعارض مع وجوده.
- ولكن فى العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة لم تحرك ساكنا سوى خطابات ملتهبة ضد مصر، حتى عندما أطلقت قذيفة فى إتجاه إسرائيل من جنوب لبنان قمتم بالنفى نفيا قاطعا أن تلك القذيفة قد إطلقت بواسطة مقاومى حزب الله؟ فأين المقاومة إذن، الجميع كان ينتظر منكم أن تنطلق من جنوب لبنان قوات حزب الله للتخفيف عن معاناة غزة
- نحن لا نريد التورط فى شئ لا نستطيع من إحتوائه، فنحن الذين نختار مكان وزمان المقاومة
- هل تعتقد أنكم إنتصرتم حقا فى حرب تموز؟ ألم تعترف بنفسك بأنك لم تكن تتوقع أن ترد إسرائيل بهذا العنف بعد خطف جنودها بواسطة حزب الله؟
- نعم إنتصرنا، وما النصر إلا من عند الله، لذا أطلقنا على هذا النصر quot;نصرا إلهياquot; وإذا لم تصدقنا فعليك أن تقرأ تقرير لجنة التحقيق الإسرائيلية والتى تشكلت فى أعقاب هزيمة الكيان الصهيونى على أرض جنوب لبنان.
- وماذا تقول عن الخسائر البشرية والمادية والتى أرجعت لبنان إلى الوراء أعواما؟
- الإنتقام هو من طبيعة العدو الصهيونى والذى لا يتورع عن قتل المدنيين وتدمير المنشآت المدنية، وقتلانا هم شهداء عند ربهم يرزقون، أما الخسائر المادية فهى لا تقارن بأرواح الشهداء
- لماذا إختبأت فى أعقاب النصر الإلهى، هل أنت خائف من الموت، فلماذا تخشى الظهور للناس ومريديك، هل تخشى أن تلقى مصير إستاذك عباس الموسوى والذى أسهم فى تأسيس حزب الله؟
- والله إن الشهادة هى أحب إلى من أى شئ آخر فى تلك الدنيا، ولكن الزملاء فى الحزب يحرصون على إستمرارى كأمين عام للحزب ويخشون على من غدر العدو الصهيونى.
- تم إغتيال عماد مغنية منذ فترة وأشارت أصابع الإتهام إلى إسرائيل وتوعدتم بالإنتقام له، فماذا حدث؟
- نحن الذين سوف نختار المكان والزمان للإنتقام للشهيد عماد مغنية، ولن أقول أكثر من هذا غير أن إنتقامنا سوف يكون مزلزلا.
- كثيرمن اللبنانيين يعتقدون أن حزب الله أصبح دولة داخل الدولة، وظهر هذا بعد إجتياح حزب الله لبيروت، ولماذا لا تضم قوات حزب الله إلى الجيش الوطنى اللبنانى؟
- حزب الله هو حزب لبنانى معترف به وممثل فى البرلمان، ونحن نحترم قوانين دولة لبنان، وجيشنا هو جيش مقاومة ولا يمكن أن نلقى سلاحه أو نقوم بضمه إلى جيش لبنان، لأن فى هذا سوف يكون نهاية للمقاومة.
- حزب الله متهم بأنه محاولة لمد النفوذ الإيرانى إلى البحر المتوسط، وبالإطلاع على موقع الحزب بالإنترنت نجد أنه قد وضع الخمينى وخامئينى على رأس القادة؟
- إيران هى إمتداد طبيعى للعمق الإسترتيجى للمقاومة ضد الصهيونية والأمريكان وعلينا أن نخشى إسرائيل أكثر من خشيتنا من إيران.
- فى خطابك الأخير إعترفت بأنك قد أرسلت سامى شهاب إلى مصر لأداء بعض المهام اللوجستية لأهالى غزة،ولى هنا سؤالين: لماذا إستخدمت كلمة quot;اللوجستيةquot; النبى عربى ياسيد حسن ألم تجد كلمة عربية نستطيع أن نفهمها؟ ثانيا: يعنى هى مصر ناقصة مصايب حتى ترسل أتباعك إلى مصر، وألا تعتبر هذا تدخلا فى شئون مصر، وهل تعتبر مصر وكالة بدون بواب، وإذا كنت جادا فى المقاومة لماذا لا تقاوم من جنوب لبنان بدلا من أن تقاوم عن طريق مصر (وودنك منين ياجحا)؟
- عندك حق مفروض أن أستخدم كلمة أخرى عربية غير لوجستية، دعنا نسميها تسهيلات، حاول سامى شهاب وزملاؤه تقديم دعم وتسهيلات إلى إخواننا فى غزة، ومصر هى قاعدة المقاومة الأولى ضد العدو الصهيونى وتظل هى الخطر الحقيقى على هذا العدو، ونحن لا نعتبر ما فعلناه فيه إعتداء على سيادة إخواننا فى مصر لأننا لا نعترف بالحدود بين الدول الإسلامية، فالأمة الإسلامية هى أمة واحدة فرقها المستعمر بحدود مصطنعة ونحن لا نعترف بتلك الحدود، ولقد قاومنا من لبنان ولن يستطيع أحد أن يزايد علينا ومساعدة المقاومة فى غزة تهمة لا ننفيها ولا نعتذر عنها.
- أشكرك على هذا الحديث، ممكن أروح بقى؟
- هو دخول الحمام زى خروجه؟
وحمدت الله على أن هذا اللقاء كان مجرد لقاءا خياليا، ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم.