تمر الأيام القليلة القادمة ذكرى مرور عامين ونصف على الانقلاب العسكري الذي نفذته حركة حماس في قطاع غزة، ونتج عنه في أرض الواقع الفلسطيني قيام دويلتين كرتونيتين على الورق فقط: إمارة حماس في قطاع غزة، ودويلة عباس الفتحاوية في الضفة الغربية، وأهم ملامح الحرب بين الإمارة والدويلة:
أولا: قامت القوة التنفيذية ألأمنية لإمارة حماس بطرد وقتل وسجن المئات من العناصر والكوادر الفتحاوية، بشكل قذر بعضه لم يجرؤ الاحتلال على ممارسته، ويكفي التذكير بهروب العشرات من كوادر فتح إلى إسرائيل خوفا من جرائم حماس في يناير 2008 بما فيهم القيادي في حركة فتح أحمد حلس وعائلته، أي أن دولة إسرائيل كانت عندهم في لحظة ما أرحم من عناصر شرطة حماس، وكلنا يتذكر كيف قامت الشرطة الإسرائيلية بتعريتهم من ملابسهم كاملة ما عدا الملابس الداخلية، وتصويرهم وتوزيع صورهم على وسائل الإعلام. أما القيادة السياسية للإمارة فقد نزعت الشرعية عن منظمة التحرير الفلسطينية والرئيس محمود عباس، مما يعني في عرفهم أن لهم الحق إن تمكنوا للقيام بنفس الانقلاب في الضفة الغربية لضمها لشرعيتهم وإلحاقها بإمارتهم في القطاع.
ثانيا: قيام نفس الممارسات في دويلة عباس في الضفة ضد عناصر حماس بشكل ألطف وأرق فلم يحدث قتل أو طرد خارج الضفة، ولكن السجن فقط للحد من نفوذ حماس أو توسع نشاطاتها، وقد صاحب ذلك بعض الاعتداءات على العديد من عناصر حماس ومؤيديها، ومنع ندوات ونشاطات للحركة ومناصريها.
ما هو مصير الحوار بين الإمارة والدويلة؟
أعقب انقلاب حماس منذ عامين ونصف تقريبا، انطلاق الوساطات العربية فكان توقيع اتفاق مكة في فبراير 2007 في المملكة العربية السعودية، وفور عودة وفدي حماس وفتح للضفة والقطاع، أعلنوا تنكرهم للاتفاق محملا كل طرف الطرف الآخر بإفشال الاتفاق، ثم كان الحوار في صنعاء وتوقيع اتفاقية هناك في مارس 2008، وأيضا تمّ التنصل منها فور مغادرة صنعاء، وكأنهم بهذا يتلهون ويضحكون على أنفسهم وشعبهم والدول التي ترعى الحوار والتوقيع، إذ لا يفهم عاقل أو مجنون أن يستمر الحوار عدة أيام ويتم التوقيع، وفور المغادرة يتنصل الطرفان مما وقعوا عليه، أليس في ذلك مسخرة تعتبر قمة المساخر؟.
أما جولات الحوار في مصر،
فحدث ولا حرج، فهي مستمرة بدون انقطاع حيث أصبح من الصعب معرفة عدد جولاتها رغم أن كافة الأطراف في انتظار ما يسمونه الجولة الخامسة بعد أيام قليلة في القاهرة، والموضوعات محل الخلاف في الحوار طويلة ومعقدة، وأكثر تعقيدا من موضوعات الخلاف مع الجانب الإسرائيلي،لأن الجانب الإسرائيلي رغم الاجحاف الواضح في شروطه وتهربه من التقدم نحو السلام العادل، إلا أنه واضح إلى حد أن بينامين نيتنياهو رئيس الوزراء الجديد أعلن بوضوح أن إسرائيل لن تنسحب من هضبة الجولان السورية المحتلة، مما يعني توقف محادثات السلام السورية الإسرائيلية المباشرة أو غير المباشرة، وفي الموضوع الفلسطيني تعلن إسرائيل رفضها لعودة اللاجئين وكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية ونزع كافة المستوطنات. هذا بينما وفدي فتح وحماس لا أحد يستطيع فهم شروطهم وفهمهم لموضوعات الخلاف التي منها: الموقف من رئاسة محمود عباس، والموقف من الانتخابات التشريعية وهل تكون مستقلة أم متواكبة مع الانتخابات الرئاسية، والموقف من منظمة التحرير الفلسطينية من مدخل هل هي فعلا ممثلة للشعب الفلسطيني، وكيف يكون هذا وحركة حماس والجهاد غير ممثلة فيها؟. وكذلك الخلاف حول حكومة حماس التي أعقبت فوزها بأغلبية المجلس التشريعي في الخامس والعشرين من يناير 2006، فحركة حماس تعتبرها حكومة شرعية تمثل الشعب الفلسطيني، و في عرف دويلة رام الله فهي حكومة تمت إقالتها من الرئيس عباس، وأعقب ذلك تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة سلام فياض لا تعترف بها حكومة حماس وتعتبر رئيسها خائنا حسب وصف حماس الرسمي له.
النتيجة المتوقعة
إزاء تمترس كل فريق خلف وجهات نظره بقوة لا تقبل التنازل، فالجولة القادمة من الحوار الفلسطيني بعد أيام قليلة في القاهرة ليس من المتوقع أبدا لها النجاح أو تقريب وجهات النظر بين الإمارة والدويلة، وبالتالي هذا يعني إعلان الطلاق البائن بين الحركتين مما يعني أو سيخلفه:
أولا: تكريس الانقسام الفلسطيني بين القطاع والضفة بشكل دائم وقد مرّ عليه الآن عامان ونصف، رغم أنه عند حدوثه كان رأي بعض المتفائلين أنه مجرد أسابيع ويعود الطرفان لرشدهم وتوحدهم قيادة لشعب طاله من ظلم الاحتلال وبني قومه ما لم يطل شعب آخر.
ثانيا: استمرار حكومة حماس طرح نفسها على أنها الشرعية التي تمثل كل الشعب الفلسطيني، واستمرار دويلة عباس عدم الاعتراف بشرعيتها وأنها حكومة تمت إقالتها وأن الشرعية هي للحكومة المؤقتة التي يرأسها سلام فياض في رام الله.
ثالثا: اللجوء إلى إجراء انتخابات عامة تشريعية وربما رئاسية في الوقت ذاته، لن تسمح حركة حماس بإجرائها في القطاع، وبالتالي يتكرس الانقسام بين الإمارة في غزة والدويلة في رام الله.
ولأنها من المحتمل أن تكون هذه الجولة هي الجولة الأخيرة ليس من المستبعد أن يتظاهر الطرفان في القاهرة بالاتفاق والتوقيع، وفور عودتهما للقطاع والضفة يتنصلا من الاتفاق ويطرح كل طرف مفهوما مختلفا لما تمّ الاتفاق عليه، كما حدث مع اتفاق مكة و إعلان صنعاء قبل ذلك، مما يعني أيضا فشل الحوار وتكريس النتائج المتوقعة سابقا.
لذلك فإنني أقترح التالي:
أولا: الدعوة لإعلان رسمي لتشييع جثمان الحوار الفلسطيني وذلك كالتالي: التجمع والتجمهر في قطاع غزة في ساحة الجندي المجهول وقراءة الفاتحة على الحوار المرحوم، مع ملاحظة رفع أعلام حماس فقط، يمنع رفع الفلسطيني لأنه علم باق وخالد لشعب لن يموت ولن يتوقف نضاله من أجل الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. أما في رام الله فيكون التجمع والتجمهر في ساحة المنارة وأيضا يتم رفع أعلام فتح فقط وعدم رفع العلم الفلسطيني للأسباب المذكورة سابقا.
ثانيا: الدعوة والدعاء في هذين التجمعين للطرفين إمارة حماس ودويلة عباس للتهدئة بينهم، ومحاولة بحث إقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين، لأنه من غير المعقول أن يحرص الطرفان على الحوار مع دولة إسرائيل، والحرب والتقاتل فيما بينهم، ضاربين عرض الحائط ومقابر ألاف الشهداء بتضحيات ومصالح الشعب الفلسطيني. وفي هذا المجال من الممكن أن يقوم الجندي الإسرائيلي الفرنسي الجنسية جلعاد شاليط برسول سلام بين الطرفين، لما يتمتع به من حب واحترام وحرص على حياته لدى الإمارة والدويلة، التي لو توفر ربع هذا الحرص على حياة ومستقبل ومعاناة الشعب الفلسطيني، لأنجح الطرفان الحوار وعادوا للوحدة والعمل المشترك خاصة أن خلافهم أصبح واضحا أنه ليس من اجل التحرير أو الدولة المستقلة، بل من أجل مصالح كل طرف واستمرار سيطرته على الكرسي والسلطة والمال.
ثالثا: التوجه بالشكر لله تعالى والظروف الجغرافية التي لم توجد حدودا مشتركة بين القطاع والضفة، و إلا لمارس الطرفان ضد بعض حرب عصابات وتسلل وتفجيرات وتصفيات لا يتصورها أي عاقل أو مجنون.
ملاحظة
إذا نجحت الجولة الخامسة من الحوار بعد أيام وانتهى الانقسام الفلسطيني، وترسخت وحدة وطنية فلسطينية جديدة على برنامج سياسي موحد غير قابل للاختلاف والانقسام مستقبلا، فسوف أعتذر عن هذا التحليل والتوقع، وأضع نفسي في خدمة الحرس الرئاسي الموحد الجديد سواء كان الرئيس حمساويا أو فتحاويا، وإذا فشلت الجولة وترسخ الانقسام فسوف نعلن بعد التشاور عن موعد تشييع جثمان الحوار في ساحة الجندي المجهول بالقطاع وساحة المنارة في الضفة..فلننتظر القادم لنعرف ماذا سنفعل!!.
[email protected]