أسئلة مشروعة كثيرة تتطرق إلى الاذهان، ماذا تبقى من 11 سبتمبر؟، وهل انتهت الحرب الأمريكية على الإرهاب؟، وهل تغير شئ فى الشرق الأوسط عن ما قبل 11 سبتمبر؟، وهل ستنجح المصالحات التى يقوم بها اوباما مع ما يسمى بالعالم الإسلامى؟.
دعونا نعود قليلا إلى الوراء لنتذكر مقدمات 11 سبتمبر وهى تأسيس الجبهة العالمية لمحاربة الكفار والصليبيين والتى أسسها أسامة بن لادن بوحى من عقله المفكر أيمن الظواهرى، بعدما فشلوا فى اسقاط أى نظام عربى كما كانوا يخططون للإنطلاق منه لتحقيق حلم الخلافة الإسلامية، ومن قبل ذلك إلى أدبيات الإسلام السياسى منذ نشأته على يد حسن البنا والمودودى وفى مقدمة أجندته العداء للغرب حيث تعتبر هذه التيارات أن الإسلام فى حالة صراع حتمى وتاريخى مع الغرب.. وكما ذكرت منشورات الجهاد الإسلامى أن الصراع بين الإسلام والغرب له أولوية خاصة فى إطار الصراع بين الإسلام والجاهلية، وأن التمكين الكامل للإسلام لا يتم إلا على أنقاض الجاهلية الغربية. كما تصف أدبيات الحركات الإسلامية الغرب بالجاهلية والكفر والمادية والالحاد والانحلال.
الكراهية للغرب قديمة جدا ولها جذور تاريخية عميقة، وجاء البترول العربى ليعطى لهذه الافكار دفعة قوية لامكانية تنفيذ ما تحلم به هذه التيارات من إيذاء للغرب وبلغت ذروة ذلك فى 11 سبتمبر2001.
ماذا عن الجانب المقابل؟.فى الوقت التى بلغت الكراهية للغرب ذروتها عند تيار واسع فى الدول الإسلامية كان الغرب فى أوج تألقه لبناء العولمة مع ما تتطلبه من انفتاح واسع وتوطيد الثقة بين البشر بعضهم البعض كشركاء فى كوكب واحد، وإزالة للحواجز المعوقة لإندماج الكوكب تحت شعار: عالم واحد...مصالح واحدة... مصير واحد...إنسانية واحدة.فى هذه اللحظة جاءت أحداث 11 سبتمبر لتستفيد القوى الشريرة من العولمة فى ضرب العولمة ووقف تسارعها فى محاولة لجر العالم مرة أخرى إلى مربع الصراعات بدل التعاون.
على الجانب الأمريكى ادرك بعض المخططين الاستراتيجيين أن هناك بالفعل قوما يكرهون الغرب،وأن هؤلاء القوم يستمدون هذه الكراهية من قراءتهم، سواء الصحيحة أو الخاطئة، لدينهم.. وأن المواجهة مع هؤلاء القوم حتمية وربما تكون الحرب الواسعة قادمة فى المستقبل....هذه هى القراءة التى بنت عليها إدارة بوش تحركاتها، وهى قراءة منطقية جدا، فالكراهية من الدول الإسلامية لأمريكا والغرب واقع لا يمكن لأى منصف انكاره، ومحاولة إيذاء الغرب من هؤلاء القوم حقيقة أثبتتها كثرة الحوادث الإرهابية ضد الغرب، ومصادر هذه الكراهية وبواعثها الدينية حقيقة أخرى لا ينكرها سوى كل مكابر... المشكلة كانت فى تطبيق سياسات الحرب على الإرهاب، فقد شابها الكثير من الأخطاء.. وفى وقت ما توجهت إلى المكان الخطأ وهو العراق.... نعم صدام حسين ديكتاتور متوحش وكان على العالم التخلص من شروره وتحرير شعب العراق المحاصر ولكن فى اطار آخر غير محاربة الإرهاب الإسلامى، فصدام لم يكن جزءا من هذا الإرهاب... صدام كان طاغية تقليدى مثل كثير من الطغاة كهتلر وموسيلينى وموجابى وغيرهم، ولكنه لم يكن طرفا فى هذا الإرهاب المتأسلم.... علاوة على أن تكلفة الحرب على الإرهاب فاقت كل التوقعات والحسابات وكانت سببا رئيسيا فى الأزمة الأقتصادية العالمية فيما بعد.
ولكن رغم الأخطاء الكثيرة التى شابت الحرب على الإرهاب، وكانت نتيجة لمحاولة التحرك بسرعة ضد هول المفاجئة فى 11 سبتمبر، إلا انها حققت أيضا الكثير أيضا من النجاحات ومنها:
? الغاء المناطق الامنة فيما يتعلق بتهريب الاموال وغسيلها وتحركاتها، فلم تعد سويسرا ملاذا آمنا لهذه الاموال غير المشروعة وبات عليها الافصاح عن كافة الودائع لديها، كما بات على كافة البنوك حول العالم الافصاح عن تحركات الاموال.
? حدث تعاون مخابراتى واسع ،وخاصة بين الدول الغربية فى تعقب الإرهابيين وتحركاتهم ومصادر تمويلهم.
? لم تعد الدول الاوربية كما كانت ملاذا آمنا للإرهابيين الإسلاميين المطاردين من دولهم، وما تبقى منهم تقلصت قدرته على إيذاء موطنه الأصلى وعلى إيذاء الغرب، واصبح تحت مراقبة مستمرة فى جميع تحركاته، بل أن بعض هؤلاء الإرهابيين يتعاونون مع المخابرات الغربية من آجل الإرشاد عن زملاءهم.
? توقف التمويل الرسمى من الدول العربية البترولية للإرهاب ولو جزئيا ولو مؤقتا، فلا يخفى على أحد أن شخصيات عربية رفيعة ومن الاسر الحاكمة ضالعة فى تمويل الأرهاب بما فى ذلك القاعدة، التى تعد صناعة عربية ممولة بالكامل من هذه الشخصيات ومن بعض الأنظمة العربية.
? تفكيك هيكل القاعدة ومطاردة عناصرها حول العالم حتى أن بقايا هذا التنظيم باتت تعيش فى ذعر فى المناطق الوعرة فى باكستان وافغانستان ولا تأمن للمبيت ليلتين متتاليتين فى مكان واحد.
? تم هزيمة القاعدة فى العراق أيضا بشكل لافت للنظر، ولم يتبقى من العنف سوى عمليات طائفية تحركها دوافع سياسية فى الاساس.
كل هذه الأمور أدت إلى تباطؤ العمليات الإرهابية وتراجع الإرهاب المتأسلم وتقليص قوة الجماعات الإسلامية الإرهابية... ولكن مستوى الكراهية للغرب لم تتراجع،فهى أحدى الثوابت التى تعشعش فى عقول التيار الرئيسى من الشارع الإسلامى.
ورغم اتجاه اوباما لتجنب المواجهة وتقليص الحرب على الإرهاب إلى أقصى مدى ومحاولاته المخلصة لإجراء مصالحة بين أمريكا والدول الإسلامية... تبقى كراهية امريكا والغرب قوية ومسيطرة على الكثير من العقول فى الدول الإسلامية.ربما تكون أيجابية تحركات اوباما إنها عملت على تبريد الوضع الملتهب بين الغرب والدول الإسلامية
لإعطاء فرصة للعقلاء من الطرفين لتقليص احتمالات المواجهة... ولكن هذا لا يعنى نجاحه فى إجتثاث الكراهية من العقول والقلوب.
وقد خلص المحللون إلى أن القضاء على هذه الكراهية يستلزم القضاء على مسبباتها.
فهناك فريق يرى أن القضاء على هذه الكراهية للغرب لن يحدث إلا بعد نهاية الإسلام السياسى، ورغم تراجع الإسلام السياسى مؤخرا إلا انه مازال ظاهرة قوية ومؤثرة ومتغلغلة فى الشارع وفى العقول ويمكن أن تعود لتوهجها فى اى وقت.
وهناك فريق ثان يرى أن نهاية هذه الكراهية ومن ثم هذا الإرهاب المتولد عنها لن يحدث إلا بعد نهاية حقبة البترول العربى... فهذا البترول هو المؤسس والممول الرئيسى لظاهرة الإسلامية الدولية وكذا للإرهاب الدولى... وبدون البترول تظل الكراهية حبيسة العقول والقلوب.
وهناك فريق ثالث، ولكنه صغير جدا ومحدود جدا فى الغرب، يرى أن هذه الكراهية وهذا الإرهاب لن يتوقف إلا بسقوط الإسلام ذاته باعتباره الايدولوجية المحركة لكل هذا... ويرى هذا الفريق أن مفتاح سقوط الإسلام هو الحريات الدينية للدول الإسلامية، فلن يصمد الإسلام إذا اتيحت الحرية الدينية للمسلمين لترك دينهم بدون أى معوقات... ويرى هذا الفريق أن الإسلام سيسقط بشكل مفاجئ إذا اسقط فى احدى الدول الإسلامية الخمس الكبرى والمؤثرة على مجمل ما يسمى بالعالم الإسلامى وهى اندونيسيا وباكستان ومصر وإيران والسعودية.. ويقول هذا الفريق أن قادة الدول الإسلامية يعرفون هشاشة الوضع الدينى لديهم ولهذا يضعون قيودا حديدية على الحريات الدينية.
وبعض أفراد هذا الفريق لديه الآمل فى سقوط الإسلام خلال عدة عقود ومنهم رجل الدين المصرى القمص زكريا بطرس، المهاجم الشرس للإسلام، الذى يحلم بأن يقيم قداسا مسيحيا فى مكة فى يوم ما من حياته.
قد يكون تفكير هذا الفريق ينطلق من أمنيات أكثر من كونه ينبع من حقائق على أرض الواقع ، ولكنه فريق موجود ويفكر بهذه الطريقة رغم محدودية عدد افراده.

ويبقى من 11 سبتمبر إنه جعل النقاش فى كل هذه الأمور واضح وصريح.. وجعل أيضا كل الاحتمالات قائمة فى المستقبل.
[email protected]