محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

إيلاف وعثمان العمير وجهان لعملة واحدة، كأنها هو، وكأنه هي. فلم أرى مطبوعة عربية انعكست شخصية ناشرها عليها مثل إيلاف. لذلك كنت أقول وما أزال : إن عثمان لا يستطيع أن يعيش بدون إيلاف، وإيلاف لا يمكن أن تعيش بدون عثمان. عشر سنوات مرت الآن على إيلاف، استطاعت بالفعل أن تمتلك حق الريادة المبكرة قبل الآخرين، وكذلك القدرة ا على التغير ومواكبة كل جديد. ربما ليس مهما أن تكون من الرواد الأوائل في هذا المجال، ولكن من المهم، والمهم جداً، أن تستطيع أن تواكب التغير، وتمرن نفسك دائماً على أن تكون السبّاق لتكون في طليعة الركب لكي تبقى. ففي عصر الإلكترون، وانعدام أهمية المكان، أصبحت القدرة على البقاء مرتبطة أكثر من أي وقت مضى بالقدرة على التطور والتماهي مع المتغيرات؛ تغيّر وتطور تبقى، تكلس و ابق حيث أنت تفنى.

والصحافة الإلكترونية صحافة متمردة، ثائرة، قلقة، إعجازها في ثورتها، وتألقها في عدم إيمانها بالقديم، وكراهيتها للموروث، حتى وإن كان هذا الموروث قريباً وقريباً جداً؛ ولعل في ذلك أيضاً كثير من طبائع عثمان العمير.

ربما أن عشر سنوات في عمر الصحافة الورقية لا تعتبر شيئاً، أما في عمر الصحافة الجديدة، فهي تعتبر عمراً طويلاً. كثيرة هي الإصدارات التي الالكترونية التي جايلت إيلاف، أي صدرت قبيلها بقليل، أو بعدها بقليل، غير أن سر تألق هذه الماردة المتألقة أنها منذ أن صدرت، صدرت لكي تتغير، فكان التغير شرط ضرورة لبقائها؛ أي أن ناشرها كان مدركاً منذ البداية أن بقاء (إيلاف) مرتبط بقدرتها على التغير.

كان أبو علم الاجتماع العربي، المفكر العراقي العظيم الدكتور علي الوردي يقول : (إن الثورة نزعة أصيلة من نزعات المجتمع المتمدن، لا يستطيع أن يتخلى عنها إلا إذا أراد أن يسير في طريق الفناء) . فماذا عساه أن يقول لو طال به العمر، وعاش في زماننا، ورأى أن الثورة التي جعلها هذا العبقري شرط ضرورة لبقاء العالم المتمدن، أصبحت هي اليوم ديدن الحياة المعاصرة؛ فالعلاقة بين اليوم والأمس علاقة ثورية، والعلاقة بين هذا العام والعام الماضي هي علاقة ثورية أيضاً- تماماً كما كان يقول - و عندما يتخلى عنها العالم (المتمدن) يتجه إلى الفناء.

وكان منظرو الصحافة وكبار مؤرخيها يقولون : من الصعب أن تحتل الصحيفة القمة وتتألق، لكنها عندما تتألق يصعب ndash; أيضاً ndash; أن يخبو نجمها بسرعة. ربما أن هذا القول يصدق على الصحافة الورقية، أما الصحافة الإلكترونية، فهي لا تعترف بذلك، فليس ثمة كبير في قواميسها إلا من لديه القدرة على المواكبة والتغير والتطور، فمن لم يراع شرط الضرورة هذا فسوف يسقط (فوراً) لا محالة، كبيراً كان أم صغيرا. ولعل هذا ما جعل (إيلاف) تستمر وتبقى في حين سقط الآخرون.

ألف مبروك للحبيبة إيلاف، ومزيداً من الإبداع والمواكبة واقتحام الجديد.