جاء قرار اليونيسكو رقما جديدا في قائمة القرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة وتدين فيه الاعتداءات المتكررة على حقوق الفلسطينيين ولكنه قرار متميز نظرا لأن اليونيسكو هي الوكالة الأممية التي تعني بالعلوم والتراث، وقرارها هذا كفيل بأن يجعل غير المقتنعين يقتنعون بأنه لا يوجد علاقة بين اليهود وأرض فلسطين لا تاريخية ولا دينية. وأتمنى لو كان الصحفي المصري علي سالم (كاتب مسرحية مدرسة المشاغبين الشهيرة) لا يزال حيا لكي يعيد النظر في حبه الشديد لإسرائيل، وزياراته المتكررة لتل أبيب. وعلى أية حال، يوجد غيره كثيرون ممن يؤمنون بحق إسرائيل في الأرض الفلسطينية قناعة تامة، وهذا الإنجاز يسجل للأردن الذي طالب بإدراج القدس ضمن الأماكن الأثرية المعرضة للخطر بوصفه عضوا في لجنة التراث. 

لقد أنجز الفلسطينيون الكثير سلميا، وعليهم الاستمرار على هذا النهج، وتشجيع علمائهم ومفكريهم على الاستمرار في الكتابة والنشر والأبحاث أينما وجدوا، كما فعل اليهود عندما اشتروا تأييد الغرب من داخل بلادهم، وكسبوا التأييد العالمي، لأسباب كثيرة أهمها أنهم مسيطرون على العلم والمال والإعلام والتكامل ما بين اليهودية والمسيحية، أي العهد القديم ممثلا بالتوراة والعهد الجديد ممثلا بالإنجيل. ولولا أن المجتمعات لم تعد متدينة، وكثير من الغربيين ملحدون، لظلوا يقدسون إسرائيل ويدعمونها في الحق والباطل على حد سواء. ومما يجعل الظروف مواتية للتحرك الثقافي هو وجود توجه لدى الغربيين خاصة العلماء منهم نحو نسف فكرة الأديان وهم يصرحون بذلك ويحاولون إثباته علميا، وإذا ما استمر هذا النهج فلن يكون هناك أنبياء في التحول الفكري ولا يهود يسيطرون على المال والإعلام والعلم، ولا مسيحيون متشددون يساندونهم. 

ونذكر جميعا أنه أكثر من 300 أكاديمي بريطاني وقعوا سابقا على تعهد مقاطعة إسرائيل، في إطار حملة دولية لمقاطعتها ثقافياً وأكاديمياً، وذلك بعد أيام قليلة من توقيع 700 فنان بريطاني على وثيقة مشابهة يتعهدون فيها المقاطعة الثقافية لإسرائيل، وهذا يعني أن الرابطة الدينية بين المسيحية واليهودية لم تعد كما كانت، خاصة مع الاكتشافات الفلكية الحديثة، التي تدل ضمنيا أننا لسنا وحدنا في الكون وأن المعايير المطبقة على الأرض ليست بالضرورة هي الصحيحة. 

أتصور أنه لو كانت الدول الأعضاء في لجنة التراث التابعة لوكالة اليونيسكو متدينة لما صدر القرار، وعلى العرب استغلال هذا التوجه وتغيير المناهج وتدريس الأخلاق لكي نكسب تأييد العالم، ونسد الطريق على الفرس والعثمانيين الذين سال لعابهم لالتهام ما يمكن التهامه من ركام العرب. 

إن الدعم غير المحدود لإسرائيل نابع من سيطرة المحافظين الجدد على الكونغرس الأمريكي وهم يمينيون متشددون منهم مسيحيون ومنهم يهود وهم أصحاب فكرة إعادة تقسيم المنطقة، وهم الذين اتخذوا قرارا بغزو العراق، وهم الذين تواطئوا مع أعداء العرب، وهم الذين خلقوا الإرهاب وهيلاري كلنتون أغدقت على المنظمات الإرهابية بالأموال حين كانت وزيرة للخارجية، وفي النهاية أقر الكونغرس قانونا يقضي بجواز ملاحقة السعودية قضائيا على خلفية تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، بوصفها راعية للإرهاب مع أن المنطقة برمتها لم تسمع بالمنظمات الأصولية المتشددة إلا من خلال الولايات المتحدة.