ثبت قطعيا من الأحداث الماضية خطأ صمويل هنتغتون الذي ادعى أن الصراع المستقبلي سيكون صراع حضارات، فقد حصر في كتابه "صراع الحضارات وتشكيل النظام العالمي الجديد" الذي صدر في عام 1996 الحضارات الرئيسية في العالم بالحضارات التالية:

• الحضارة الغربية

• الحضارة اللاتينية

• الحضارة اليابانية

• الحضارة الصينية

• الحضارة الهندية

• الحضارة الإسلامية

• الحضارة الأرثوذكسية

• الحضارة الأفريقية

• الحضارة البوذية

 

وادعى هنتغتون أن الصراع سيكون حضاريا وثقافيا في المستقبل. لكن الصراعات القائمة حاليا هي صراعات اقتصادية واستراتيجية وآيدولوجية، أما الاقتصادية فهي تتغير في زمن وجيز بحسب المصالح، حيث يتنازع الجبابرة على فريسة اسمها العالم العربي. وهذا العالم العربي يغير تحالفاته للنجاة بجلده. فإذا شعر أن مصلحته مع هذا الحلف، فإنه يغادر دون وداع، أما الحديث عن مبادئ وثوابت، فهو عملية تجميلية باتت لا تخفي أية عيوب أو مآرب مريبة.

كانت الولايات المتحدة تحتضن بعض الدول نظرا لوجود مصلحة معها، ثم قلبت لها ظهر المجن ووجدت حلفاء جدد بعيدا عنهم. والسر يكمن في نجاحها في إنتاج النفط الصخري ووجود دول أخرى غنية في النفط وهي جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا، ولكنها أرادت فصم عرى التقارب بين سوريا وإيران قبل أن تذهب وذلك لتأمين إسرائيل وإبعاد شبح إيران عنها، وتفاجأت بالدخول القوي لروسيا إلى ساحة القتال، دفاعا عن مصالحها ومصالح ايران وكلاهما عملاقان في إنتاج الغاز على الرغم من التباين الآيدولوجي بين هذه الدول وانتمائها إلى حضارات مختلفة. كما أن الصراع بين المسلمين يكاد يكون الأشرس والأكثر ضراوة في العالم على الرغم من انتمائهم إلى حضارة واحدة. وكانت تركيا حليفة للولايات المتحدة ثم غيرت موقفها وتصالحت مع روسيا وإسرائيل بعد محاولة الانقلاب التي دعمتها الولايات المتحدة، وكانت مصر حليفة لدول الخليج ثم استشفت غيوما سوداء في الأفق، فتركت حلفاءها، وانضمت إلى حلف جديد، قد يعفيها من التورط في صدامات مستقبلية قد تخسف الأرض بها خصوصا مع تردي الأوضاع الاقتصادية وفشل القيادة في الخروج من مستنقع الفقر المدقع.

كان المحلل السياسي مايكل وحيد حنا قد كتب في مجلة فورين أفيرز الأمريكية في عدد نوفمبر-ديسمبر 2015 مقالة دعا فيها الإدارة الأمريكية إلى التخلي عن مصر وتخفيض المساعدات لها من 1.3 مليار دولار إلى 500 مليون دولار، وبرر دعوته بأن مصر فقدت ثقلها الاستراتيجي ولم يعد هناك حاجة لها، فهي دولة فقيرة جدا وعلى علاقة ممتازة مع إسرائيل وليس هناك مبرر لمدها بالمساعدات والأولى أن تذهب هذه المساعدات إلى دول أخرى كتونس والأردن. وفي الواقع أن خروج مصر من حلف وانضمامها إلى آخر هو بحث عن مصلحتها فقط، فإذا توفرت عروض جيدة، لماذا لا تقتنصها؟ وهي بذلك تساير المزاج الدولي العام، ألم تترك بريطانيا الاتحاد الأوروبي مع أنها تشترك معهم في الحضارة والنشاط الاقتصادي والتحالف الاستراتيجي بحثا عن استقلالية القرار وعدم التبعية التي لا تحقق لها أرباحا؟

ورغم هذا وذاك، هناك تحالف آيدولوجي شذ عن قاعدة المصالح ألا وهو التحالف الشيعي الذي تجاوز المصالح إلى المبادئ، وتسعى ايران بكل قوتها إلى قيادة هذا التحالف ونشر عقيدتها بأي وسيلة كانت حتى لو أبادت خصومها. ولا يوازيها في ذلك إلا دولة إسرائيل التي اقامت دولة على أساس ديني مخالفة بذلك اللوائح والقوانين العالمية، ونظرا لأن المسيحية تعترف باليهودية كديانة وتنكر الإسلام، فقد دعمت إسرائيل دعما مطلقا. فإذا كان هنتغتون حصر الصراع بأنه حضاري، فالشواهد تدل أنه ليس حضاري بل اقتصادي بالدرجة الأولى وآيدولوجي بالدرجة الثانية، وهما الأمران الذي نفاهما هنتغتون. فهناك دول تدخل في تحالفات لمآرب اقتصادية وهناك دول تدخل تحالفات آيدولوجية. أما الصراع الحضاري فليس له مكان في القرن الحادي والعشرين، خاصة في ظل الانفتاح الثقافي والعولمة الثقافية.