عالية هي نسبة المغاربة المستجوبين من طرف " إيلاف المغرب" شككت في ان تؤدي الرسالتان اللتان نشرهما اخيراً الياس العماري،أمين عام حزب الاصالة والمعاصرة، المصنف مجازا في المعارضة، الى إقامة ود بينه وبين الإسلاميين في " حزب العدالة والتنمية ".
فعن سؤال في الموضوع أجاب حوالي 82 في المائة من مجموع المستجوبين ب "لا " على السؤال الواضح في مبناه ومعناه.
ولم تقل "نعم" سوى عينة محدودة لم تتجاوز 4.55في المائة فيما عبر 13.64في المائة عن عدم اهتمامهم ودرايتهم بحصول التقارب من عدمه ما يفيد ان التقارب لايعنيهم في شيء.
وسجلت "إيلاف المغرب" وهي تراقب اقبال المغاربة على تصفح الموقع، ومنذ الأيام الاولى للاستطلاع، ان النسبة قاربت السبعين في المائة في الأيام الاولى،لتستمر في منحى تصاعدي الى ان استقرت عند اكثر من ثمانين في المائة.
جدير بالإشارة الى أن السؤال ظل موضوعا لاكثر من أسبوع، وهو زمن تعتقد "إيلاف المغرب " انه كاف لبلورة اتجاهات الراي العام الكبرى، حيال قضية سياسية يدور حولها النقاش راهنا بالمغرب، مثلما هو حاصل على خلفية الصراع الجاري بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة،متصدري انتخابات 7 أكتوبر الماضي، والذي ستنعكس قريبا نتائجه على تشكيل الحكومة المقبلة التي يجري المكلف بها، عبد الاله ابن كيران، مشاورات مع كافة الأحزاب حتى التي عارضته باستثناء " الاصالة والمعاصرة". فماذا يعني الرفض الواسع او التشكيك في جدوى ومصداقية مبادرة زعيم حزب الاصالة والمعاصرة وقد أضفى عليها هالة فكرية رصينة كما انها لا تخلو من اجتهاد في التأويل والإستشهاد بالأدلة المعرفية والأمثلة التاريخية التي أقام عليها أطروحته لتبرير دعوته للتصالح التاريخي بين الإسلاميين المعبرين من وجهة نظر الرسالة عن التيار المحافظ الموجود في المجتمع المغربي، وبين حزبه " الاصالة والمعاصرة" الذي يقول زعيمه انه يعبر فكريا وليس تنظيميا، عن تيار فكري مجتمعي واسع، يتشكل من اليسار بأطيافه والليبراليين الى جانب المؤمنين بافكار الوسط. وهذا الخليط الذي ينعت ايضا بالعلماني او الحداثي، له سند حسب المدافعين عنه، منغرس ايضا في بنية وتربة المجتمع المغربي من خلال الفئات المتوسطة. 
لماذا لا يعتقد المغاربة في غالبيتهم في إمكانية اللقاء والحوار الهادي والتساكن السلمي بين الكتلتين الكبيرتين: الاسلاميون المعتدلون والليبراليون الحداثيون؟ 
برأي ملاحظين، فان مثل هذا السؤال لو طرح في سياق سياسي اخر، وزمن مختلف،لحاز نسبة قبول محترمة، بعد ان تنتهي فصول وتداعيات الصراع الانتخابي الذي أسفر عن هزيمة رهانات حزب الاصالة والمعاصرة وحيازة " العدالة والتنمية " المرتبة الاولى، الي غاية الحسم في الطعون المرفوعة الى القضاء من احزاب ضد بعضها البعض. الجو ما زال مشحونا بين الحزبين لا يتيح اجابة هادئة مفكرا فيها على مهل.
ما يبرر كذلك النتيجة المثيرة، او بالأحرى ينير خلفياتها، هو طبيعة الخلاف الشخصي المستحكم القائم بين " الاصالة والمعاصرة " والعدالة والتنمية" مشخصين في زعميهما: عبد الاله ابن كيران وإلياس العماري، فهمًا الفاعلان اللذان لم يتركا كلمة في قاموس السجال والسباب السياسي من دون استعمالها في سياقات ومواقف، بمناسبة ومن دونها. 
وعلى سبيل المثال حرم ابن كيران، على نفسه التعامل الشخصي مع زعيم "الاصالة أوالمعاصرة "، والدخول معه في أية عملية سياسية، بل وصفه بنعوت قاسية مشبها إياه ب "زعيم عصابة"!!!
ولم يكن العماري من جهته رحيما بخصمه ابن كيران،فقد كال اليه تهما كثيرة من قبيل تعريض استقرار وأمن المغرب للخطر والتعامل مع الأجنبي، في إشارة الى ارتباط اصحاب اين كيران مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
ولذلك ظل هاجس حزب الاصالة والمعاصرة هو محاربة الإسلاميين ومنع وصولهم باي ثمن، الى رئاسة الحكومة والحيلولة دون تبوأ الحزب الاسلامي الصدارة في الانتخابات التشريعية حتى لا يطالب بمنصب رئاسة الحكومة. 
وبينما كان مفترضا ان يلطف "الاصالة والمعاصرة " وزعيمه من غلواء عبارات النقد والاتهامات الموجهة للاسلاميين،على خلفية نتيجة الانتخابات الجماعية( البلدية) والجهوية التي جرت في خريف العام الماضي ومنحت نصرا بينا للاسلاميين،ما يعني ان الناخبين المغاربة لم يصوتواسلبا على الإسلاميين عقابا لهم على ادائهم المتواضع وهم مكون أساسي في السلطة الحكومية. 
على العكس من ذلك، شحذ كل معسكر سلاحه ووجه فوهات مدافعه ضد مواقع الاخر، فظهر جليا ان الخلاف مستحكم وعميق بين الجانبين،مرت عليه مدة ليست بالقليلة، ولا يمكن ان تمحو أثاره بسرعة وبمجرد إطلاق مبادرة بنشر رسالة تدعو بعبارات مهذبة وصيغة فكرية متقدمة؛ ما دفع كثيرين للتساؤل عن حقيقة الرسالة لدرجة التشكيك في ان يكون، الياس العماري،المبادر وحده لكتابتها ونشرها، وتبرأ جهاز حزبه منها،ماجعل "العدالة والتنمية"، يرى فيها مجرد خدعة سياسية أو رسالة طائشة اخطأت عنوانها دون انتساب هدفها فاستحقت منهم عدم الرد والاهمال.
الأكثر من ذلك ان المبادرة التي أطلقها العماري،لم تثر ردود فعل اخرى متجاوبة خارج المرسلة اليهم، من النخب السياسية والفكرية بل رأى كثيرون منهم ان الرسالة أخلفت موعدها وبالتالي فإن استطلاع " إيلاف المغرب" لا يجانب الحقيقة. 
كان سيكون للرسالة معنى لو ان مرسلها، تريث قليلا حتى تنطفئ نيران المعارك الانتخابية والى ما بعد تشكيل الحكومة ووضوح ملامح المشهد السياسي في المغرب بحيث تتموقع التيارات الفكرية والسياسي في المكان الطبيعي المعد لها. 
ان عدم قبول المبادرة من لدن عينة من المغاربة، بقولهم "لا " صريحة، لا يعني بالضرورة رفض الفكرة من أساسها. إذ لو انطلقت الفكرة من منصة فكرية أكاديمية مستقلة او خرجت من صلب المجتمع المدني،لحازت قبولا نسبيا خاصة وان الإسلاميين لا يرفضون فكرة التعاون والتصالح وحتى التحالف مع من يخالفهم الراي إجمالا لأن ذاك يحقق لهم امتدادا سياسيا في المجتمع وتصالحامعه. 
لسنا في حاجة للتأكيد في موقع " إيلاف المغرب" ان هذا الاستطلاع مثل سابقيه و لاحقيه مستقبلا، إنّما يتوخى ملامسة بعض الظواهر السياسية المغربية وهي في وضعية مادة خامة، لذلك نختار أسئلة مباشرة لا لبس فيها. 
لقد سجلنا خلال اليومين الاخيرين تراجعا بسيطا في صف الرافضين المتشككين ولكنه لم ينزل عن نسبة الثمانين في المائة، وفي مقابل ذلك نزلت نسبة المؤيدين عن عتبة الخمسة في المائة كما ارتفعت خانة اللاأدرية، بنسبة قليلة ايضا. 
والخلاصة ان التساكن بين الإسلاميين وحزب الاصالة والمعاصرة اولا ما زال بعيدا ويلزمه إعداد وتهيئة الارض بإزالة " الفيتو" الشخصي المرفوع ضد الياس العماري. 
في هذا السياق، وعلى سبيل المقارنة لم تترك دعوة بعض الأكاديميين والمثقفين المغاربة من مشارب شتى، من خلال رسالة وجهوها لزعيمة فيدرالية اليسار الموحد، نبيلة منيب، يدعون فيها الى تأسيس طريق سياسي ثالث بعيد عن السلطوية وجمود الإسلاميين المحافظين. النداء كان صيحة في واد بل لم تحرز الزعيمة التي علقت عليها امال،مقعدها في مجلس النواب. 
يستنتج من هذا ان المغاربة في غالبيتهم لهم اجندات مختلفة عن الطبقة السياسية وأنهم لا يستفتون فيما يهم حياتهم، حاضرهم ومستقبلهم.