في آخر موقف من مواقف المسؤولين الايرانيين العبثية، يقول العميد حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الايراني أن بلاده لا تعترف بالحدود في تعقب معارضيها، وأن القوات المسماة بـ "مدافعي الحرم" ستقوم بتدميرهم في أي مكان في العالم!!

"قوات مدافعي الحرم" هو المسمى الذي اطلقته إيران في البداية على ميلشياتها الموجودة على الأراضي السورية، لكنها عممت المسمى ليشمل جميع الميلشيات الشيعية الشعبية (الباسيج) التابعة للحرس الثوري في داخل إيران وخارجها، وقد تباهى سلامي بشكل مستفز بأن الميلشيات الايرانية قد أثبتت أنها لا تعرف أي خطوط حمر في معاقبة معارضي النظام الايراني، مذكراً بعمليات اغتيال قام بها النظام الايراني ضد معارضيه في دول غربية عدة!!

لم يكتف نائب قائد الحرس الثوري بما قال، بل تمادى متباهياً بأن في خطاب له مؤخراً أمام قوات "الباسيج" في مدينة أورومية غرب إيران، وقال "أنتم ترون كيف توسعت حدودنا وتخطت الحدود الايرانية لتصل إلى البحر الأحمر وشرق البحر الأبيض".

هذه التصريحات بحد ذاتها دليل كاف على نوايا إيران العدوانية التوسعية، وعلى أن نظامها لا يسعى إلى أمن واستقرار اقليمي، ولا ينخرط في مكافحة الارهاب كما يحاول ايهام العالم بذلك، فأحد أبرز مسؤولي الحرس الثوري يعترف صراحة بأن ميلشياته تطارد معارضي النظام الايراني، ولم يتحدث لا عن ارهاب عن لا غيره، بل يشير من دون مواربة إلى أن طهران تعمل على قمع معارضيها وملاحقتهم في مختلف دول العالم، بل ويعترف علناً باغتيالهم في دول عدة من دون خوف من محاسبة أمام المحاكم الجنائية الدولية، ولا اتهام برعاية الارهاب ودعمه!! ثم بعد ذلك كله وهذه الاعترافات الصريحة المثيرة للدهشة لفرط وقاحتها تتهم عواصم غربية دول مجلس التعاون برعاية الارهاب أو دعمه!!

عندما يتباهي قائد عسكري إيراني رفيع المستوى بأن بلاده لا تعترف بالحدود الدولية في ملاحقة معارضيها، فهي الفوضى الجوسياسية بعينها، فالرجل يجهر بأن بلاده تصرب بالقانون الدولي عرض الحائط من دون أن يخشى تورطي نظامه في هذه التصريحات غير المسؤولة!!

تصريحات سلامي غير مسبوقة في فجاجتها ووقاحتها، وتنطوي على استهانة بالغة بالقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، لاسيما أن هذه التجاوزات غير المسبوقة لا تستهدف ملاحقة ارهاب دولي ولا تنظيمات وميلشيات وعناصر تمثل خطراً على الأمن والاستقرار الدوليين، بل تستهدف من يعتبرهم النظام الايراني معارضون له بحسب اعتراف العميد سلامي!!

لا أدرى إن كان هذا الهذيان قد لفت انتباه قادة ومسؤولي الدول الكبرى، التي ترى في إيران شريكاً اقليمياً ودولياً أم لا، ولكنه في كل الأحوال يستحق وقفة على الصعيد الاقليمي، حيث يجب عرض مثل هذه المواقف الرسمية على المجتمع الدولي وتوضيح حقيقة الموقف الدولي حيالها، فإيران باتت تعمل على نشر الفوضى والاضطراب في منطقة الشرق الاوسط من دون حسيب أو رقيب، ويبدو أنها باتت تستشعر أنها في موقف قوة، أو اتفاقها النووي مع مجموعة "5+1" يمنحها تفويضاً تلقائياً بالعربدة في هذه المنطقة الحساسة من العالم.

منذ عام أو يزيد قليلاً، تحدث مسؤولون إيرانيون كثر عن احتلال عواصم عربية أربع، ونجحت دول التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، في إحباط المخطط الايراني في اليمن، الذي كان يستهدف إحكام طوق الحصار الاستراتيجي حول دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والأن يعود قائد إيران ليتحدث عن مد النفوذ وتوسيع الحدود الايرانية إلى البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، في إشارة إلى التواجد الايراني بشكل مباشر في سورية، وعبر وكلاء على الأرض في اليمن، بالاضافة إلى وجود بحري عسكري مباشر في منطقة بحر العرب وباب المندب.

الآن، تبدو نوايا إيران التوسعية البغيضة واضحة ومكشوفة للجميع، فلا مجال للدفاع عن "مظلومين" ولا مكلومين كما كان يزعم القادة الايرانيين في فترات سابقة، فالهدف استراتيجي توسعي بحت يتخذ من الشعارات المذهبية ستاراً كي يخدع البسطاء والدهماء ممن ينساقوا وراء شعارات مذهبية مخاتلة لا محل لها ولا مكان على أرض الواقع!

تنفيذاً لهذه النوايا الخبيثة وترجمة لها على أرض الواقع، أعلنت إيران الأسبوع الماضي عن تشكيل ميلشيات جديدة أطلقت عليها مسمى "كتائب الفاتحين"(لاحظوا دلالات المسمى) ومهمتها الأساسية كما هو معلن الدفاع عن "الولاية" أي الدفاع عن المرشد الأعلى علي خامني في الداخل والخارج، وهذه الخطوة الاستفزازية لها دلالات عدة في مقدمتها أن هناك توسع في تمويل المخططات العسكرية الايرانية بفضل ما حصلت عليه طهران من أموال تم الافراج عنها مؤخراً في دول مختلفة تنفيذاً للاتفاق النووي، ما يعني أن هذه الأموال ستستخدم في تمويل مخططات إيران التوسعية، وضرب الأمن والاستقرار الاقليمي، وهو ماسبق التحذير منه مراراً من جانب مراقبني وخبراء ودول المنطقة، ولكن الغرب يتغاضى عن هذه التحذيرات ويمضي وراء مصالحه الاستراتيجية بغض النظر عما تسببه هذه السياسة من كوارث واضطرابات اقليمية.

على المجتمع الدولي أن يدرك أيضاً أن ترك الحبل على الغارب لإيران كي تعبث بأمن واستقرار منطقة الخليج العربي، وعدم الرد الدولي على فكرة عدم الاعتراف بالحدود التي يقول بها نائب قائد الحرس الثوري الايراني، أمر في غاية الخطورة ويقوض مرتكزات الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي، ويضرب بميثاق الأمم المتحدة عرض الحائط، ولنا ان نتخيل دولة في القرن الحادي والعشرين تتصرف وفق سلوك عشوائي لا يراعي سيادة الدولة وحرمة حدودها وفقا لما تفضي إليه خيالات قادتها المريضة بجنون العظمة وغرور القوة!