بداية نقول إن الرئيس الأمركي، سواء كان جمهورياً او ديموقراطياً عليه ان يعمل علي رعاية وتنمية وتطوير " الأمن الأمريكي ومصالح الشعب الأمريكي، وان يحافظ علي التواجد الإستراتيجي للدولة خارج الحدود ويعمل علي تمدده لكي يدعم أمنها ومصالح مواطنيها الداخلية والخارجية "..

و لكي نفهم أكثر " صدمة إنتخاب ترامب " رئيساً للولايات المتحدة، كما وصفها محللون في مصر وفي خارجها، علينا ان نتفق علي..

1 – ان أي تغيير داخلي أو خارجي علي مستوي أمريكا في أي من مستويات تعاملاتها، لا يتم إلا عبر المؤسسات وأليات استصدار القرارات السيادية التى تخدم متطلبات التغيير..

2 – هناك فرق واسع بين الحملات الدعائية والخطابات الجماهيرية التى تداعب غرائز الناخبين، وبين كيفية تحقيقها أو تعديلها او اسقاطها عبر المنابر التى تشارك فيها المؤسسات المختصة..

3 – المشهد الأمريكي ليس هو الداخل فقط وليس هو الخارج فقط، بل هو مزيج متجانس من الملفين.. خليط متوازن يضع " نسبه المئوية " مراكز صنع القرار في شكل تفاعل ثقافي سياسي محلي وعالمي " يرسم ملامح التوجه السياسي للإدارة الأمريكية المنتخب رئيسها..

ونضيف..

هناك من يري ان انتخاب ترامب يمثل موجه جديدة من موجات تمدد " قوي أقصي اليمين " علي مستوي دول الغرب الشهيرة من فرنسا التي فضلت محلياتها اختيار ممثلي هذا التيار لكي يدير شئونهم الحياتية اليومية إلي المملكة المتحدة التى صوتت غالبية شعبها للخروج من الإتحاد الأوربي!! وها هي الإصوات الأمريكية تختار رئيس يفتقد للخبرة السياسية غارق في حقول الشعوبية..

هذه الموجات التى إختارت أقصي اليمين!! كان يحركها الخوف من تزايد الهجرة ويُرعبها فكرة تعرض أمنها الداخلي لهزات علي يد متطرفين، ويحرك هاجسها الأكبر مشاكل إقتصادية صنعتها أزمات لم يكن لها يد فيها خصم تواصلها لسنوات كثيرة من مكانتها الاجتماعية ومن قدراتها علي التطوير.. ويخشي بعضها من تآكل سيادة دولهم الوطنية وعلي قدرة الأخرين علي إختراق حدودها.. وخاف غالبيتهم من تداعيات الهجرات غير الشرعية وتنامي مشاكلهم الأثنية..

وهناك من يري أن المرشح الجمهوري إستطاع ان يستخدم التحولات الإقتصادية والتحولات الإجتماعية لجذب وإستمالة فئات كثيرة من الأمريكيين المُحبطين الذين تراجع تصويتهم عام 2008 من 57% إلي 52 % عام 2016، برغم تزايد عدد من يحق لهم التصويت خلال الثامن سنوات الأخيرة.. لذلك صوت له 70 % من

سكان أمريكا من ذوي البشرة البيضاء الناقمين علي أوضاعهم الأقتصادية بعد فقدهم لوظائفهم إما بسبب حذفها من الهرم الوظيفي او بسبب الإستغناء عن أشخاصهم..

من هنا جاءت براعة حملة ترامب في طرح شعار " إستعادة أمريكا " الذي دفع الملايين للتصويت له برغم ما قيل عن تصريحاته غير اللائقة حيال فئات من المهاجرين و النساء و المسلمين..

" امريكا اولاُ " ستكون شفرة استراتيجية دونالد ترامب عندما يبدأ قبل نهاية يناير القادم في تولي مسئولياته التنفيذية ومن خلاله سيعمل هو وفريقه، الذي يكعف علي اختياره منذ الأن، علي الحفاظ علي تفوقها..

داخليا.. عن طريق الحد من مخاوف الطبقة المتوسطة و تقوية ساعد الدولة لمنع الهجرات غير الشرعية.. وتخفيف حدة التنابذ بين راس المال والمواطن العادي وتوسيع دائرة المشاريع الإنتاجية التى من شأنها أن تستوعب أعداد أكبر من اليد العاملة.. وعلي توفير التحديث التقني لكل الفئات المنتجة علي المستويبن التعليمي والمهني..

وخارجيا.. ستكون لإدارته رؤية مختلفة تجاه المشروع الأمريكي في أوربا.. وتجاه العلاقات من موسكو التى كرر رئيسها بوتين أكثر من مرة ترحيبه بترشح ترامب والترويج لبرنامجه الدعائي خلال مراحل الحملة الانتخابية الرئاسية، علي منافسته الديموقراطية.. وتجاه المشاكل المنفجرة في الشرق الأوسط.. وربما يكون له ولها رؤية متنوعة حيال حرب الثقافات والحضارات التى أشعلتها فترتي حكم أوباما..

أما مواجهته مع الصين وسعيها مع آخرون لكسر هيمنة الدولار علي الأسواق والبورصات العالمية، فستكون محسوبة ومن المتوقع ان يتفق الطرفان علي " صفقة " ترضي الطرفين..

وعلينا ان نتذكر معاً.. أن الأب الروحي للدستور الأمريكي " جيمس ماديسون " حصن الدولة الأمريكية ضد انحرافات الرؤساء المنتخبين وإمكانيات إنحرافهم عن جادة مصالح شعبها وضد غرائزهم اللاعقلانية، وعمل علي كبح شطحاتهم عن طريق توزيع المسئوليات بينهم وبين مؤسسات الدولة.. فعلي سبيل المثال.. رئيس الجمهورية الأمريكية يملك الحق في إعلان الحرب علي طرف آخر، ولكنه لا يملك سلطة توفير الميزانية التى تحقق أهداف هذه الحرب..

قد يتسائل البعض.. هل يمكن ان تسري هذه القاعدة في ظل التركيبة التى تقول أن الرئيس الأمريكي رقم 45 ينتمي للحزب الجمهوري الذي فاز بالأغلبية علي مستوي مجلسي النواب والشيوخ؟؟..

والاجابة.. بنعم.. ستسري لأن عضوية المجلسين التى تسقط عن أعضائهما الإنتماء الحزبي وتفرض عليهم الدفاع عن مصالح الدولة العليا، وقدرة وسائل الاعلام علي المطالبة بالمصداقية والشفافية والمراقبة المستدامة التى تتولاها اللجان المستقلة والمراكز البحثية التى تشارك في صنع القرار، كافية في مجملها علي منع هذه التركيبة من ان تتحول إلي طغيان.

[email protected]