بما أن ثمة فصيل كردي عراقي مُغرم بعمامات (قم) إلى درجة الهيام، لذا فمن باب التذكير إن فادت الذكرى سنورد ما كتبه يوماً المفكر الايراني علي شريعتي في كتابه النباهة والاستحمار بقوله:"عندما يشب حريقٌ في بيت، ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرع الى الله، ينبغي عليك أن تعلم أنها دعوة خائن، لأن الإهتمام بغير إطفاء الحريق والإنصراف عنه لعملٍ آخر ما هو إلا استحمار" لذا نرى بأن قول شريعتي هذا يتوافق مع ما قام وتقوم به بعض الجهات في اقليم كردستان العراق، وما يقدمون عليه في أوج الإستفار والحرب مع داعش، إذ بدلاً من سعيهم مع البيشمركة للتخلص من الحريق الهائل (داعش) راحوا تارة يستجدون بغداد لإقامة العلاقات السرية معها، وتارة يلوذون بعباءة الجارة إيران، وتارة يُحرّضون الشارع الكردي للوقوف بوجه حكومة الاقليم بدعوى الدفاع عن لقمة المواطنين بما فيهم تحريض معلمو المدارس الذين اقتُطعت رواتبهم من بغداد، مع أنه حسب بعض المسؤولين في الاقليم أن الضغط من بغداد على هولير فيما يتعلق بالرواتب كان بطلب مباشر من الطرف الكردي نفسه الذي يحرض الناس على التظاهر ضد الحكومة في عز الحرب. 

أما فيما يتعلق بالعلاقات الدبلوماسية بين الجهات السياسية فلا شك بأن العلاقة بين أيٍّ من الفرقاء السياسيين في العالم يعتبرعملاً مشروعاً، طالما كان عائد التواصل واللقاء لمصلحة كل الأطراف حتى ولو كانوا أعداء، كما هي علاقة كل من تركيا ومعظم الدول العربية باسرائيل، ولكن بشرط أن تكون العلاقة قائمة على الندية، وليست استجدائية من قبل طرف، وإملائية من لدن الطرف الآخر.

ولكن المفارقة أن ثمة سياسيين كرد ولمجرد أن يُقيموا علاقة ما سواءً أكانت سرية أم شبه رسمية مع دولة من الدول الاقليمية حتى من شوق اللقاء ينسون بأن أي تصريحٍ لهم أمام تلك الجهة سيكون له تبعات لاحقة، وقد يكون بمثابة صكٍ للإعتراف لدى الآخر، وأن على واحدهم أن ينتبه إلى ما يتفوه به، طالما أن كل تصريح يخرج من لدنه محسوب عليه، خصوصاً إذا ما كان المتحدثُ من قادة الرأي أو ممن لهم أتباع ومريدين، باعتبار أن كلمته تتحول تلقائياً إلى ما يشبه الوثيقة وقد يُحاكم في المستقبل عليها، أو يُحتكم إلى قوله في أية قضية إشكالية في وقتٍ لاحق.

لذا فما باح به عمر فتاح عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الكردستاني في إيران أثناء لقائه بالقائد السابق للحرس الثوري الايراني محسن رضائي في طهران، وقوله:"بأنهم يعتبرون انفسهم جزءً من ايران، وأن أعداء إيران هم أعداء الاتحاد الوطني الكوردستاني" هو يماثل تماماً ما قاله زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان عندما كان بضيافة حافظ الأسد في سوريا، وحيال المقارنة هذه لا شك أن بعضهم سيخرج إلينا وسريعاً يقول هذا مجرد تصريح سياسي لا يُقدم ولا يُؤخر، علماً بأن المُلّم بكنه النظام الإيراني لو تمعَّن بجملة فتاح قليلاً وقلّب القول وفحواه يمين وشمال، وبناءً على معرفة المتخصصين بتركيبة نظام حكم الملالي سيقول: بأن ما باح به فتاح مضمونه تلقائياً يخرج عن إطار العلاقات المتبادلة بين الجهات السياسية المتكافئة، ويدخل مباشرةً في مجال الخضوع اللامشروط للآخر بحبٍ واسترخاءٍ ورحابة صدر، هذا طبعاً بعد معرفة أن معظم كرد إيران هم أصلاً أعداءٌ حقيقيون لذلك النظام الفاشي، لذا فهل يا ترى كرمى إرضاء محسن رضائي ونظامه رأى فتاح بأن الموقع الضئيل له أمام عظمة أسياده، يستوجب تقريظ الحاكم الطاغي حتى يحصل من خلال تلك الجملة على مبتغاه؟ أم هو شعورٌ متأصل بالولاء والتبعية الطوعية لهذا النظام المستبد، وإذا ما كانت الأخيرة صحيحة عندها نقول بأن دافعه وتصرفه سيكون أقربُ إلى حالة المازوخية السياسية وليس الى العلاقة السياسية.

عموماً قد ينسى فتاح وفريقه السياسي بأن تصريحه التوددي أمام أصحاب اللِحى في طهران، لقاء كسب ودهم إلى زمنٍ ما، قد يكون له تبعات سياسية كما كان لقول أوجلان آثاره السلبية فيما بعد، حيث أن كرد سوريا برمتهم لا يزالون يتلظون من تبعات تصريحات أوجلان في دمشق قبل اعتقاله وإيداعه في جزيرة إمرالي، إذ أن تلك التصريحات المنسوبة لأوجلان لا تزال تُتخذ كمصدر دائم للطعن بالكرد والقضية الكردية من قبل كل الشوفينيين في سوريا، علماً بأن السيد أوجلان بعد سكرته التصريحاتية تلك ربما يكون قد ندم ندماً عظيماً على كل ما قاله آنذاك ليرضى به الأسد لقاء كسب وده ودعمه إلى حين، وطبعاً كان ذلك على حساب قضية الشعب الكردي في سوريا.

وفيما يتعلق بقول هذا المسؤول الاتحادي الذي اعتبر أن "كل عدو لإيران هو عدو لهم" أما فكر يا ترى لحظةً بما يقوم به نظام الملالي من اعدامات يومية بحق النشطاء الكرد؟ أولم يسمع هو وحزبه بالتقارير اليومية عن طغيان حكم الملالي؟ ومنها ما نشر عن المعتقلة الكردية (هاجر بيري) في سجنٍ تابع لإدارة الاستخبارات الإيرانية بمدينة اورمية، وما عانته من التعذيب النفسي والجسدي لمدة 5 أشهر، حسب موقع هنكاو الحقوقي بكوردستان إيران، والمحكوم عليها منذ ايلول 2007 بالسجن لمدة 17 عام فقط بدعوى أنها تتعامل مع حزب كردي محظور، كما من قبلها كانت السياسية الكردية في سجون الملالي (أفسانة بايزيدي) قد كشفت هي الأخرى عبر رسالةٍ لها سربها ناشطون حقوقيون من داخل السجن في 15 أيلول/سبتمبر 2016، ونشرها موقع المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان، والتي قالت فيه: "أن تكون كرديا فتلك وحدها جريمة لا تغتفر، لأنك عدو بالفطرة، ولا يتم اعتبارك بأنك مواطن إيراني"، وكذلك وسائل الضغط المتواصل لحكومة الملالي اقتصادياً على اقليم كردستان، ثم بعيداً عما تلجأ إليه حكومة الملالي عبر الحكومة العراقية التابعة له، فإن السلطات الإيرانية ولمزيدٍ من الضغط على الاقليم أقدمت مؤخراً على قطع جريان مياه نهر سيروان نحو كردستان للمرة الثانية خلال عامٍ واحد، إلا أن كل هذا العداء الإيراني الظاهر لكردستان العراق لا يلحظه البتة فريق ذلك المُعجب بعمامات (قم)!!!.

هي فعلاً غريبة هذه العلاقة اللاسوية بين طرف كردي صاحب قضية وحق مشروع، ونظامٍ من أبرز أنظمة الشرق جوراً وتعسفاً، النظام المشهور بمعاداته لحقوق الإنسان، والذي يُعتبر دولياً مثله مثل نظام الأسد الطاغي في سوريا ليس قولاً فحسب إنما ممارسةً أيضاً، حيث لا تزال ميليشياته تقتل المدنيين مع الأسد بسوريا كما تقوم الميليشيات التابعة له في العراق بنفس الأفعال التي يقومون بها في سوريا.

لذا فأمام هذا الغول المسمى دولة الملالي، وبالنظر الى التعامل الاستجدائي لبعض الأطراف الكردستانية مع ذلك الغول، فلا تُستحضرأمامنا إلا صورة ماركيز دوساد وساديته الشنيعة، كما لا يُفهم قط سرالغرام بين كل من جناح هيرو خان أحمد في الاتحاد الوطني الكردستاني وكذلك جماعة قنديل كحركاتٍ تدّعي بأنها وطنية تحررية، وبين نظامٍ يُعادي كل شيء اسمه حرية وتحرر إنساني، وخاصة ما يتعلق بالكرد في عموم كردستان، لذا فهل يا ترى سيكون المراقب مجحفاً بحق المشهد الماثل أمامه؟ عندما لا يخطر على باله تسمية هذه العلاقة اللاسوية بين الأطراف المذكورة إلا بغرامٍ يتراقص بين السادية والمازوخية، غرام ناتج عن الاضطرابات النفسية للفريق الكردي الذي يعنينا مرضه، بما أن علل السادي المتعسف لا تعنينا بشيء، بل ونرى بأنه كلما زاد مرضه كان كفيلا بقرب أجله، حتى يكون خرابه خراباً جميلاً على حد تعبير الشاعر العراقي مظفر النواب، ويبقى أن ما يُخجلنا من أمر تلك العلاقة ككرد، هو ذلك الغرام القائم على المازوخية السياسية لدى الطرف الكردي اللابد والمُرتجي، أمام السادي الصفوي المستحكم بالعملية برمتها.