لا تعليق على أحكام القضاء.. هذه العبارة نقولها دائماً وقت صدور حكم قضائي ضد شخص ما في مجتمعنا المصري، ويحدث حول هذا الحكم الكثير من اللغط نتيجة اختلاف الآراء حوله صراحة أو همساً، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.. فضلاً عن شيوع هذه العبارة بين أوساط غالباً ما تكون "شامتة" في هذا الشخص أو ذاك لمجرد أنه سقط.. وهذا اللغط استفحل أمره بعد صدور حكم قضائي بحبس نقيب الصحفيين يحيى قلاش، وعضوي مجلس النقابة جمال عبدالرحيم وخالد البلشي، لمدة سنتين، أو دفع كفالة 10 آلاف جنيه لوقف تنفيذ الحكم، لحين الاستئناف عليه.. وهذا الحكم صدر نتيجة إيواء مطلوبين داخل مقر النقابة، مثلما أعلنت وزارة الداخلية، والنيابة العامة.

هنا لا نريد أن نزايد على مهنة الصحافة التي تعد منصة الحريات وصوت الشعب، والسوط الذي يجلد كل من يعبث بقوت المواطن أو أمن الوطن.. هذه المهنة رغم دورها الحيوي باعتبارها مرآة المجتمع التي تعكس همومه وقضاياه، لا يعني أنها لا تخلو من فساد بعض عناصرها، إلا أنها ستظل المهنة الأقل فساداً على الإطلاق مقارنة بمهن أخرى في مصر، كما أن النقيب "ليس على راسه ريشة"، كما يقولون، فليس هناك أحد فوق القانون، إلا أن تصعيد الأزمة من جانب السلطة المتمثلة في وزارة الداخلية والنيابة العامة، ليس مبرراً، خاصة وأن المطلوبين أمنياً اللذين اتخذا من النقابة ملاذاً لحمايتهما والاختباء داخلها، لم يكونا ببعيدين عن أيدي رجال الأمن، وكان يمكن أن يقوم النقيب بتسليم المتهمين للشرطة، كما وعد الداخلية قبل اقتحام الشرطة لمقر النقابة والقبض على المتهمين، دون أدنى اعتبار لمكانة وحرمة نقابة الصحفيين في الداخل والخارج.. كل هذا يحدث والمطلوبين أمنياً سبب الأزمة، هما حالياً خارج أسوار السجن، بعد أن خرجا بكفالة لكنهما ما زالا على ذمة القضية.. وهذا أطرف ما في القضية، لأن المطلوبين خرجا، وتم حبس النقيب وعضوي النقابة..!!

النتيجة اليوم أن بعض منظمات حقوق الإنسان، ونقابات الصحافة ومنظماتها بالخارج، لم تصمت تجاه ما حدث، ولم تغض الطرف عن صدور حكم بحبس نقيب الصحفيين المصريين، الأمر الذي شوه صورة مصر في الخارج، وكثر الحديث حول عدم اكتفاء السلطة في مصر بقمع وكبت حريات المواطن، بل وصل الأمر لإهانة مهنة الصحافة، بحبس نقيبها بسبب قضية كان يمكن حلها ببساطة، وبشكل يكفل احترام الطرفين (الأمن والنقيب)، إلا أن وزير الداخلية فيما يبدو تعمد تصعيد الموقف، انتقاماً من النقيب الذي رد على اقتحام الأمن للنقابة بطلبين، أولهما إقالة وزير الداخلية، وثانيهما اعتذار رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وكالعادة لم يلتفت أحد لمطالب النقيب، بل سفّه الكثيرون من مطالبه، خاصة على مواقع التواصل، حتى هناك بعض الصحفيين شمتوا في نقيبهم نتيجة خلافات معه، وتحول الأمر من الدفاع عن مهنة الحريات وليس شخص النقيب، إلى تصفية حسابات بأسلوب وضيع وقذر..

الطريف أن هناك إعلاميين، يواصلون الشماتة والردح في القضية على الشاشات، ويعيدون عبارة "ليس نقيب الصحفيين على راسه ريشة، وليس هناك أحد فوق القانون"، ويضربون أمثلة تؤكد شموخ القضاء، ومن جهلهم يضعون قاضيا فاسداً تم ضبطه بعشرات الكليوات من «مخدر الحشيش»، ونقيب الصحفيين في «سلة واحدة»، ويقولون هناك قاضي تتم محاكمته بعد ضبطه بحيازة مخدر الحشيش، ونقيب الصحفيين ليس أفضل منه.. وكأن محاكمة قاضي الحشيش، حدث جلل لم يتوقعه أحد، ودليل على عدالة ميزان القضاء.. فهل كان يجب مكافأة هذا القاضي، ومنحه "نيشان" على فعلته؟!

نحن نسعى لسيادة القانون، ولا أحد يغضب من شموخ القضاء لإرساء قواعد دولة القانون، لكن هناك قضايا تحتاج إلى الحكمة والحنكة في التعاطي معها، حتى لا نشوه صورة مصر في الخارج، ونمنح الفرصة للمنظمات ولجان الحريات مثل "اللجنة الدولية لحماية الصحفيين"، مثلاً ومقرها نيويورك، للإدانة والشجب والنيل من سمعة مصر..

من الواضح أن السيد وزير الداخلية المبجل، تعمد التصعيد، وتعامل مع الواقعة بشكل شخصي، في اتجاه لتأديب النقيب الذي تجرأ وطالب بإقالته دفاعاً عن نقابته التي تعرضت للإهانة بعد اقتحام قوات الأمن لها في واقعة لم تتعرض لها أي نقابة في مصرنا «الحرة»، التي شهدت ثورتين من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، إلا أن هناك من يأبى أن يتمتع الشعب بحقوقه، ويسعى للعودة بنا للعصر البائد، الذي يضع الإنسان فوق مقصلة الظلم، باسم القانون، الذي لا يخلو من هفوات قاتلة وأحكام هوائية ذات صبغة سياسية، نحن نعلمها ونلمسها جيداً، بعيداً عن قصة احترامنا لشموخه، أو تعبدنا في محرابه..!!

 

سلطان الحجار

كاتب صحفي