تأسس الاتحاد الاوروبي في 27 يوليو 1952م على اساس اقتصادي من ست دول هي: فرنسا والمانيا وايطاليا وبلجيكا ولوكسمبورج وهولندا، وقد مر بعدة مراحل في تطوره حتى وصل الى هذه المرحلة المتقدمة ككيان سياسي واقتصادي مكون من 28 دولة، وكتلة بشرية تجاوزت بقليل حاجز الـ 500 مليون نسمة. وتعتبر الاتفاقية المعروفة بإسم "معاهدة ماسترخت" الموقعة عام 1992م الاطار القانوني الذي ينظم العلاقة بين دول الاتحاد. من بين الـ 28 دولة، هناك 19 دولة تعتمد اليورو كعملة وطنية. 

لقد بدأت الوحدة الاوروبية مشروعا فكريا في اذهان المفكرين والحكماء والفلاسفة ورجال القانون والمصلحين الاجتماعيين قبل ان تتحول الى مشروع سياسي تدعمه المؤسسات السياسية والاقتصادية، ويتبلور تدريجيا عبر سلسلة من الرؤى والتطبيقات.يقوم الاتحاد الاوروبي على ركيزتين اساسيتين هما: (1) دولة القانون والديمقراطية، (2) وتنازل اعضائه عن بعض شؤونهم السيادية لصالح مؤسسات الاتحاد التي تمثل مصالحهم المشتركة ككل. ولا يسمح لأي دولة عضو في الاتحاد تغيير الحكومة المنتخبة من الشعب عن طريق الانقلاب العسكري، وان حدث تطرد الدولة من الاتحاد في الحال كما حدث لليونان في عام 1967م، اي لا يقبلون بحكم العسكر على الاطلاق سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة.

الهدف الحقيقي بعيد المدى من قيام الاتحاد هو منع نشوب الحروب في القارة الاوروبية بعد الأهوال والدمار البشري والاقتصادي الذي عانت منه القارة الاوروبية خلال الحربين العالميتين الاولى والثانية.

في العالم العربي، تأسست الجامعة العربية (التي يطلق عليها مجازا بيت العرب) عام 1945م وينضوي تحت لوائها حاليا 22 دولة عربية، وكتلة بشرية تتجاوز بقليل حاجز الـ 390 مليون نسمةيشتركون في التاريخ والحضارة واللغة والدين، ولديهم ثروات طبيعية هائلة تحسدهم عليها شعوب العالم. كما ان نسبة الشباب العربي دون الـ 30 سنة من العمر تبلغ نحو70% من مجمل سكان المنطقة وهم الأكثر تعليمًا ولديهم خبرات ومهارات لم تتح للأجيال السابقة خاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وهم الأكثر تفاعلا مع ثقافات العالم، والأكثر قدرة على الابتكار والإبداع، والأكثر طموحًا وتطلعًا للمستقبل.

إذا اجرينا مقارنة بين انجازات الاتحاد الاوروبي وانجازات الجامعة العربية على الصعيدين السياسي والاقتصادي منذ انشائهما، نرى بوضوح تواضع انجازات الجامعة العربية، حيث لم تتحقق الوحدة السياسية ولم يتم التكامل الاقتصادي المنشودان بين اعضاء الجامعة، بل زادت الخلافات العربية – العربية، واتسعت حالة الخلافات والتشرذم بين الانظمة العربية الحاكمة، واندلعت الحروب الاهلية المدمرة في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن، حيث اصبحت هذه الدول معرضة للتقسيم.

الخلل ليس في الجامعة كجهاز تنفيذي، ولكن الخلل يكمن في الانظمة الحاكمة العربية التي يقع على عواتقها مسؤولية اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية ومسؤولية متابعة تنفيذ هذه القرارات. وحسب المعلومات المتوافرة لدينا ان الدراسات العلمية التي اعدتها الجامعة العربية حول الوحدة السياسية والتكامل الاقتصادي والسوق العربية المشتركة جاهزة منذ الستينيات من القرن المنصرم، ولا ينقصها سوى القرار السياسي المطلوب من الحكام لتنفيذها وتطبيقها. ويمكن تلخيص الاسباب التي ادت الى تواضع انجازات الجامعة العربية وفشلها في تحقيق الاهداف التي أنشئت من اجلها في:

1. شمولية الانظمة العربية الحاكمة.

2. غياب الديمقراطية والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات المصيرية.

3. تغليب المصالح الشخصية والقطرية على المصالح العامة والقومية.

4. ارتباط بعض انظمة الحكم العربية بالدول الكبرى التي استعمرت المنطقة العربية والسير في فلكها.

الاتحاد الاوروبي نشأ بقرار شعبي وليس بقرار فردي من فوق قمة هرم السلطة، وهو يستمد قوته وتطوره من دعم وتأييد شعوب الدول المنضوية تحت رايته، ولا تؤثر الخلافات الشخصية بين قادة دوله في مسيرة الاتحاد. بينما الجامعة العربية انشئت بقرارات فردية من قبل الحكام العرب وقتها دون استشارة شعوبهم، ولهذا السبب لا زالت الجامعة حتى وقتنا الحالي تعاني من ضعف الانجازات بسببالخلافات الشخصية المستعرة بين الحكام، وهذا بدوره ينعكس سلبا على انجازات الجامعة على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. في الواقع الجامعة العربية مصابة بالشلل التام منذ انتفاضات الربيع العربي بداية العام 2011م.