تفيد الدراسات العديدة النظرية منها والتجريبية إلى أن تدريس العلوم الطبيعية والرياضيات بلغة أجنبية في سن مبكرة كسن 5 و 6 ينعكس سلبيا على التحصيل الأكاديمي للطلاب في هذه المرحلة، ولكن تدريس اللغة الأجنبية للتواصل الاجتماعي يكون أفضل في سن مبكرة، ويكتسب الطفل لفظا يشبه لفظ الأجانب الناطقين بها أصلا native-like pronunciation. ومن أبرز من أجرى تجارب في هذا المجال كراشين وهاس. 

وتفسير ذلك هو أن الطفل يكتسب المهارات الاجتماعية أولا قبل المهارات الأكاديمية، مثل الأسئلة الاجتماعية وإجاباتها والسن واللعب والأكل والشرب والملابس والطقس والأقارب ووظائف الناس وكل شيء موجود في بيئة الطفل الاجتماعية. ولكنه لا يكتسب الأرقام والعلوم إلا في سن متأخرة، لمعظم الأطفال، إذ أن نضجهم الفكري العلمي يأتي في سن متأخرة قليلا، ولا يكون الدماغ جاهزا لاستيعاب الأرقام ومفاهيم الكتلة والكثافة والجاذبية والعناصر ودورة الماء في الطبيعة إلا بعد الكثير من التعرض لها والحديث بشأنها، لذا يبذل المعلمون جهدا كبيرا وهم يحاولون ترسيخ هذه المفاهيم الأساسية في عقول الأطفال. 

بناء على ذلك، كيف يمكن للطفل السيطرة على هذه المفاهيم إذا قدمت له بلغة أجنبية، بالتأكيد سيتصارع الطفل مع اللغة والمفهوم في آن واحد. وقد يقول البعض إن الكلمة لا تؤثر كثيرا في شرح المفهوم، ولكن هذا من وجهة نظرهم لأن عقولهم ناضجة والمفاهيم راسخة لديهمويستطيعون استيعاب المفاهيم بأية لغة، وتشير الدراسات أن تدريس المفاهيم بلغة أجنبية في سن مبكرة يستغرق أكثر من ضعف المدة التي يستغرقها تدريس المفاهيم باللغة الأم، لأن الطفل يبذل جهدا وهو يحاول فهم الشرح باللغة الأجنبية، على حساب فهم الفكرة والمفهوم الأساسي. ويكون هذا الأمر يسيرا بالنسبة للمدراس المجهزة بجميع الأدوات والوسائل التعليمية وعدد الطلاب في الصف قليل في الدول المتقدمة، ناهيك عن أنه يمكن أن يكون الطفل يتواصل في بيته بلغتين كما هو الحال في كندا وسويسرا والسويد. 

وهناك دول جعلت اللغة الإنجليزية هي لغة التعليم الأولى بدءا من مرحلة الروضة، حيث يتعلم الطفل جميع المفاهيم من خلال اللعب مع التشجيع المستمر وعدم التأنيب على الإطلاق. وبهذا يكون الطفل مستعدا لتقبل المفاهيم باللغة الأجنبية لأنه تعود عليها فصارت كأنها هي اللغة الأم. وهذا لا ينطبق على الدول العربية أو الصين مثلا حيث يكون في الصف الواحد أكثر من 50 طفلا، وفي هذه الحالة تضطر الدولة إلى عدم المساس بالمفاهيم التي يبني الطفل عليها علومه باللغة الأجنبية. وتركز بشكل كبير على ترسيخ المفاهيم باللغة الأم مع تدريس اللغة الأجنبية الاجتماعية في سن مبكرة. 

ليس هناك ما يضير في ضعف اللغة الأجنبية لدى الخريجين، لأنهم إذا احتاجوها سوف يتعلمونها بربع الوقت والجهد والتكلفة، خاصة مع انتشار البرامج التعليمية على الإنترنت، ويمكن كذلك أن تقوم الجهات المعنية بتدريس اللغة الأجنبية التي يحتاجها الطالب في مرحلة العمل أو البحث عن العمل أو الدراسات العليا، كل حسب اختصاصه، وبهذا يوجه تدريس اللغة الأجنبية نحو حاجات أو أغراض معينة وهو ما يعرف ب English for specific purposes. 

من الممكن كذلك أن تكون جميع المواد باللغة الأم في المرحلة الابتدائية، ومن ثم يدرس الطالب نفس المعلومات التي درسها في المرحلة الابتدائية باللغة الأجنبية. على سبيل المثال، يدرس الطفل في المرحلة الابتدائية الوطن العربي جغرافيا وتاريخيا ويدرس كذلك الجمع والطرح وكذلك مملكة الحيوانات وخصائصها، وكذلك الشريعة الإسلامية والعلوم الاجتماعية ومكونات المجتمع كما يدرس الطفل بعض القصص، وهذه مادة جيدة للاختيار منها لتدريس نفس المعلومات باللغة الإنجليزية، مثلا. فيختار واضع المنهاج عددا من تلك الدروس التي درسها الطفل، ويقدمها له مرة أخرى باللغة الإنجليزية، لأنه في هذه الحالة يقدم نفس المفاهيم بكلمات جديدة. فيجدها الطالب يسيرة الفهم ويركز على المفردات بشكلها الجديد ويتعلمها بشكل أسرع. 

هناك من يقول أن هدف تعليم اللغة الأجنبية هو تطوير القدرة على استنباط الأفكار باللغة الأجنبية، ولكن ماذا لو كان في النصوص مفاهيم جديدة غير مألوفة للطالب؟ أي أن المفاهيم ليست راسخة لديه باللغة الأم، فكيف تريد تشريبها له بلغة جديدة؟ كما أن استنباط المفاهيم والأفكار يأتي بعد النضج الفكري، أي في مرحلة يكون لدى الطالب الأساس الفكري والعلمي، ومن ثم يمكنه التصارع مع النصوص لاستنباط المفاهيم الجديدة، وهذا يحدث في المرحلة الجامعية. 

خلاصة القول، إن فرض اللغة الأجنبية على الأطفال هو تحميل لهم بما لا يطيقونه، لذلك تتردد الشكاوى من صعوبة اللغة الإنجليزية، ويجب عدم الافتراض أن جميع الطلاب لديهم الموهبة لتعلم اللغات الأجنبية أو يتوفر لديهم في البيت كافة التسهيلات لجعل اللغة الأجنبية سهلة التعلم بالنسبة لهم.