هناك مثل صيني قديم يقول "إذا اردتَ ان تصبح ثرياً فإبدأ ببناء طريق اولاً". والصين تعرف الكثير عن بناء الطرق والموانئ والجسور والمطارات ومحطات الطاقة وغيرها من ركائز البنية التحتية. وخلال العقود الثلاثة الماضية، عملت الصين على انشاء بنية تحتية لم يعرف التاريخ مثيلاً لها من حيث العمق والقدرة التحويلية.

بُني طريق الصين نحو التقدم على طرق. و"طرق" الصين البحرية والبرية والجوية ربطتها بالعالم وفرضتها عليه قوة صناعية كبرى انتشلت مئات الملايين من الفقر، واعادت رسم جغرافية العالم الاقتصادية.

اليوم تهدف الصين الى المضي شوطاً أبعد بمبادرة طموح لجمع ترليون دولار وانفاقها على البنى التحتية في عموم آسيا والشرق الأوسط وافريقيا، في اطار برنامج أُعيدت تسميته ليكون "مبادرة الحزام والطريق".

المبادرة رؤية جذابة مدعومة بقوة الدول المالية. وهي جذابة للبلدان الفقيرة التي ليست لديها موارد مالية، كما كانت الصين في الثمانينات لا سيما وان بكين مستعدة لتغطية تكاليف بناء الموانئ والجسور والطرق دون شروط من الناحية العملية.

وفي باكستان مثلاً يمكن ان تنفق الصين نحو 60 مليار دولار على بناء موانئ وطرق ومناطق اقتصادية خاصة وغيرها من ركائز البنية التحتية في خطوة تخدم مصالح البلدين بربط اقاليم الصين الغربية الأقل تطوراً ببحر العرب والمحيط الهندي عن طريق البحر وبجنوب آسيا والشرق الأوسط عن طريق البر. وبالنسبة لباكستان تأتي الاستثمارات الصينية جرعة منعشة تدفع عجلة النمو وتزيد امداداتها من الكهرباء. 

 

لقراءة النص باللغة الانكليزية
China’s infrastructure march and the new world order

 

والمبادرة جذابة للبلدان متوسطة الدخل أو المتطورة التي تدرك دور الربط بين الاقتصادات في زيادة اجمالي الناتج المحلي وتوفير اسواق جديدة لبضائعها. فإن مشاريع البنية التحتية التي تنفذها الصين من موانئ وخطوط للسكة الحديدية وطرق تستخدم الصناعات التصديرية من اوروبا الى اليابان ومن روسيا الى جنوب القارة الأفريقية. 

لهذه الاسباب توجه 29 رئيس دولة وآلاف المسؤولين وقادة الأعمال من أكثر من 80 بلداً الى بكين مؤخراً لحضور اولى محادثات غير رسمية بمناسبة توقيع الرئيس شن جينبنغ على مبادرة الحزام والطريق.

ولكن الولايات المتحدة والاقتصادات الاوروبية الكبيرة ارسلت وفوداً متدنية المستوى، وكذلك غالبية بلدان الشرق الأوسط فيما ستُمَثل السعودية بوزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خالد الفالح. ونظرًا للموارد المتاحة تحت تصرف الوزارة فإن مشاركة الفالح ترسل اشارة قوية بأن الرياض تهتم بما تقوله بكين.

البلد الوحيدة من مجموعة السبع الذي سيُمثل على اعلى المستويات هو ايطاليا، في حين ان الغرب والشرق الأوسط يجب ان يحتضنا دعوة بكين الى مزيد من مشاريع البنية التحتية، وان يحضر ممثلوهما هذا الملتقى حتى إذا بدت الفعالية ضربة دعائية لصالح شي، كما يخشى كثيرون في الغرب.

وفي عالم من اللامساواة وصعود التيارات الشعبوية رداً على العولمة وانطلاق جولات جديدة من الحمائية، فإن مبادرة الحزام والطريق الصينية يجب ان تكون موضع ترحيب ودعم وحتى استيعاب.

يقدر بنك التنمية الآسيوي أن الاقتصادات الآسيوية النامية تحتاج الى انفاق 1.7 ترليون دولار على البنية التحتية كل عام للحفاظ على زخم النمو فقط. وفي افريقيا ما زال تردي البنية التحتية يعيق آفاق نمو القارة ذات الامكانات الهائلة. كما ان العديد من بلدان الشرق الأوسط غير النفطية ستحتاج الى استثمارات كبيرة في البنية التحتية للحفاظ على نفسها من الغرق في اقتصاد عالمي يثمن الترابط والارتباط.

كل هذا يعني ان أي مبادرة تشجع إنشاء البنية التحتية يجب ان تُدعم. ولكن هناك مخاوف في بعض الأوساط من ان مشاريع البنية التحتية العملاقة تأتي بشروط جيوسياسية. كما ان مناورات بكين في بحر جنوب الصين اثارت مخاوف حلفاء اميركا الآسيويين، فيما قررت الهند عدم حضور فعالية "الحزام والطريق تعبيرًا عن انزعاجها من علاقات الصين المتزايدة مع باكستان.

ادارة ترمب ارسلت وفداً على مستوى متدنٍ نسبياً. وهذا خطأ مثلما اخطأت ادارة اوباما حين رفضت المشاركة في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، في حين ان السعودية انضمت اليه في يناير 2015.

اشتهر رئيس البنك الدولي ونائب وزير الخارجية الاميركي السابق روبرت زوليك بالقول إن من الضروري ان تصبح الصين مشاركاً مسؤولاً في النظام العالمي. ومبادرة الحزام والطريق مثال ساطع على مشاركتها ومساهمتها بقسط كبير في بناء نظام عالمي جديد. 

من ناحية الحجم والنطاق، فإن مبادرة الحزام والطريق تقزّم مشروع مارشال الذي ساعد على إعادة بناء اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وحتى إذا تحقق ربع اهداف المبادرة، فإن النتائج يمكن ان تحدث تحولاً جذرياً في الاقتصاد العالمي الذي يحتاج الى رجات من الكهرباء.

*ترجمة: عبدالاله مجيد

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "عرب نيوز". الأصل منشور على الرابط التالي:

http://www.arabnews.com/node/1099646#