"إيلاف" من بيروت: يبدو أن النار التي اشتعلت بين قلة من الجهلة اللبنانيين والسوريين الذين ينجرفون خلف تصريحاتٍ موتورة ليتصادموا فيما بينهم، قد استعرت نزاعاً بلغة الشارع بين الفنانين! فتغريدة متسرّعة نشرتها الممثلة اللبنانية نادين الراسي دفاعاً عن جيش بلادها كانت كفيلة بتقديم المفاجآت في الردود القاسية من الفنانين السوريين التي جاءت لتفضح "القلوب الملآنة"!
غرّدت "الراسي" رفضاً لدعوة قلة جاهلة من اللاجئين للتظاهر ضد الجيش اللبناني، فهاجمتها "كندة حنا" بتدوينةٍ قاسية عبر "فيسبوك" كتبت فيها "وإذا أتَتْك مَذَمّتي من نَاقِص، فَهي الشّهادة لي بأنّني كامل". وتابعت: "أصدقائي تذكروا إنو كل شتيمة بتوصلكون من ناقص هي نتيجة غيرة وحسد. وهي الأيام صاروا الأبطال بقلة الآدب ما في أكتر منهن بس على "السوشال ميديا". بينما واجهتها جيهان عبد الحفيظ قائلة: "الممثلة نادين ما تركت الها محب مع إنو المخرجين والمنتجين السوريين يلّي عملوها"، وختمت: "طلقت من هون وجنّت، الله يكون بعونها"! وفيما أعطى بعضهم دروساً بالوطنية وبالتاريخ المشترك بين البلدين والشعبين لم يخلُ ردهم من المزايدات المقززة بين الشعبين! فيما اشتعلت المواقع بتعليقات من مروحة المعجبين المؤيدين للمواقف المتباينة بالإسفاف والسباب بين المغردين!
وكانت مُلفتة أيضاً التعليقات والتغريدات المتقابلة وغير المباشرة التي انتشرت بمواقف عديدة لكثير من الفنانين الذين حرّضوا بدلاً من أن يبرّدوا الجدل القائم على خلفية الصراع السياسي والعسكري!

في الحقيقة، لا بد من القول أن ردود بعض النجمات السوريات لا تقل قسوةً عن كلام "الراسي" والمهاجمين من اللبنانيين. علماً أن "الراسي" عبّرت عن طيبة قلب بتراجعها عن هجومها قائلة: أكيد بعتذر من كل حدا انزعج من كلامي بس بأكِّدلكن فهمتوني غلط. أنا إمِّي سوريّة يا جماعة وأقاربي بالجيش السوري لليوم". كما أنها أوضحت أنها لم تكن تقصد كل اللاجئيين أو الشعب السوري، وذلك في اتصالٍ مع إذاعة "شام أف أم" شرحت فيه أنها وجهت تغريدتها للذين يدعون إلى مظاهرات مناهضة للجيش اللبناني، وقالت: "أخوالي سوريين وأمي سورية، وأنا نصفي سوري ومنازلنا في سوريا لا تزال هناك..بعتذر..سوريا على راسي".

في خضم المواجهات، يُحسب لشكران مرتجى موقفها الواعي برسالتها بعنوان "إلى النجمة نادين الراسي" قالت فيها أن الفنان يجب أن يكون رسالة سلام. كما يُحسب للممثل أوس مخللاتي الذي دعا الشعبين السوري واللبناني إلى التخلّي عن روح العنصرية تجاه أي شخص كان. وذلك في مداخلته التلفزيونية التي قال فيها: "أوجّه تحية من قلب بيروت بلدي الثاني الى الشعب اللبناني المحتضن. في كل دولة هناك الصالح وغير الصالح، ونحن بحاجة الى كل شخص صالح يستطيع بطرق ثقافية أن يواجه "داعش" الذي يقف عقبة أمام الجميع".


ولا شك أن رسالة الفنانة السورية رويدا عطية إلى "الممثلة اللبنانية" تستحق الثناء بمضمونها المختلف والبناء حيث طالبتها فيها بعدم السماح للغضب الذي تمرّ به في وقتها العصيب أن يتحكم بردود فعلها ومدوناتها على مواقع التواصل الإجتماعي، وشددت على أهمية العلاقة بين الشعبين والبلدين.

ولقد ردت "الراسي" على "مرتجى وعطية"، شاكرة للنصائح مبررة أن ما كتبته تم تفسيره خطأ في الإعلام! لكن اعتذارها، لم يشفع لها، ولم يوقف التغريدات المسيئة بحقها رغم دعم موقفها من العديد من الفنانين والمتابعين اللبنانيين! فهل يحتاج الجيش اللبناني لدعم الراسي حتى تُشعل هذا الجدل البغيض؟! أيعقل أن يكون الفنان محرضاً ومهاجماً بدلاً من أن يكون رسالة محبة ومحضر خير يعمل من موقعه كموجّه للناس على نزع الفتيل بدلاً من صب الزيت على النار؟! وهل لعبت الفنانات السوريات دور المصلحات بردودهن القاسية حتى ينتقدن الراسي على هجومها؟! كيف يكون الفنان وجهاً حضارياً عندما يقابل الشتيمة بالشتائم؟! وكيف يقبل أهل الثقافة بغض النظر عن هذا الكم من الإهانات الواردة بتدوينات المعلقين على صفحاتهم بحق الشعبين والجيشين اللبناني والسوري؟!

 

المؤسف فعلاً هو أن هذا الصدام ليس حديثاً، بل فضح الحقد الدفين على الصعيدين "الوطني"، مع ترسبات وجود الجيش السوري لفترة طويلة في لبنان، و"الفني"، في المنافسة العنصرية بين القيميين على الدراما السورية واللبنانية والمزايدات المستمرة تحت شعار "فضلنا عليكم وانتم تعلمتم منا"..! الأمر الذي برز سابقاً بعدة مواقف وكان آخرها مشاركة الفنانة سيرين عبد النور بمسلسل "قناديل العشاق"، ناهيك عن الصراع السياسي والجغرافي التاريخي المختبئ خلف مقولة "الشعب الشقيق"! ولإن الغضب يعمي الخجل، تفجّرت براكين المواقف لتكشف هشاشة العلاقة بين الشعبين وتميط اللثام عن وجوه مدعي الثقافة الذين تحولوا في البلدين لأدواتٍ مدمرة للقيم الانسانية! 

من ناحية أخرى، لقد طرحت الراسي بدفاعها عن نفسها جدلية أخرى حين حمّلت الإعلام مسؤولية تحريف موقفها! فإلى متى سيلملم الإعلام المواقف العبثية لفنانين يتراجعون ويبررون أخطائهم بالهروب بدلاً من المواجهة؟! وهل تنطبق صفة فنان على صاحب اللغة المبتذلة؟ متى سيدرك هؤلاء المنجرفون إلى لغة الشارع أن رسالة الفن مسؤولية رقي، وأنهم يقيّمون أنفسهم ويرسمون صورتهم الإجتماعية بخيارهم لمواقفهم التي تُحسب لهم فخراً وتقديراً، أم عليهم مهانة وإذلالاً؟!
أما بعد، فأين دور النقابتين السورية واللبنانية من ضبط إيقاع هذا الجدل المهين؟!