"إيلاف" من القاهرة: ضمن سلسلة النوستالجيا، تنشر "إيلاف" مقالاً كتبته الفنانة الراحلة ليلى مراد في مايو 1956 بمجلة الكواكب وتحدثت فيه عن مسيرتها الفنية، وحمل المقال عنوان "أدوار أحببتها". وجاء فيه:

إن الأدوار التي تمثلها الفنانة على الشاشة تشبه إلى حد بعيد أولادها، فهي لا تستطع أن تفرق بينها وفي الحب فتمنح أحدها قدراً أكثر من الآخر.

ورغم الحيرة التي أجد نفسي فيها عنما أحاول المفاضلة بين أدواري فإنني أشعر بشعور خاص نحو دوري في فيلم "يحيا الحب" ولعل سبب هذا الشعور أن هذا الدور هو أدواري التي مثلتها على الشاشة، وكان بطل الفيلم هو الأستاذ محمد عبد الوهاب، وكنت – مثل كل فتاة- تشتغل بالفن – أتمنى لو أتيحت لي فرصة العمل بالسينما، فقد كانت هذه الأمنية تداعب خيالي رغم مكانتي التي اكتسبتها كمطربة.
ومن أجمل ذكرياتي عن هذا الدور، ما حدث يوم ذهبت لأول مرة إلى ستوديو مصر لأبدأ العمل، كان اليوم الأول في هذا الفيلم يوماً خالداً في حياتي، كان المخرج محمد كريم طلب مني أن أسير على "ريجين خاص" حرصاً على وزني ورشاقتي، وبالغت أنا في تنفيذ تعليمات المخرج فامتنعت عن تناول أي شئ من الطعام قبل بدء العمل بخمسة أيام وعشت على عصير الفواكه، وكانت فرحتي بالعمل تنسيني متاعب الجوع.
وفي اليوم الأول كانت الفرحة ملكت علي كل شعوري، فنسيت حتى تناول عصير الفواكه، واندمجت في العمل لكني لم احتمل الارهاق الشديد، فسقطت في المساء مغشياً علي بسبب التعب والجوع، وأجريت لي الاسعافات ونقلت إلى البيت، وقرر المخرج تأجيل الجزء الخاص بي حتى استرد صحتي، ولكنني غادرت البيت في صباح اليوم التالي رغم محاولات أهلي، وذهبت إلى الاستوديو لأستأنف نشاطي.
ومثلت بعد ذلك عدة أدوار سينمائية كان النجاح حليفي كمطربة وكممثلة، ثم جاء فيلم "ليلى" الذي اقتبست قصته من القصة المشهورة "غادة الكاميليا" وكان هذا الدور من الأحلام التي أتمنى تحقيقها، فإن دور البطلة في هذه القصة العالمية اشتركت في تمثيله عدة ممثلات في المسرح والسينما وكل منهن حازت من النجاح ما قفز بها إلى صف الشهيرات الخالدات.
وعكفت على دراسة الدور وقراءة القصة بالفرنسية وبالعربية حتى درست القصة دراسة تامة.. ومثلت الدور على أكمل وجه برغبتي كفنانة، ثم حدث أن أُصبت بمرض اضطررت بسببه إلى دخول أحد المستشفيات، ولما كان منتج الفيلم قد أنفق عليه ميزانية ضخمة فقد بحث عن وسيلة جديدة للدعاية عن الفيلم، وهداه تفكيره إلى استغلال وجودي في المستشفى ليشيع عني شائعات كثيرة.
وفوجئت ذات يوم بخبر في إحدى الصحف يقول إنني أعاني مرضاً خطيراً، فاتصلت بمدير الجريدة الذي أكد لي أن الخبر إعلان صريح ولا دخل لقسم التحرير، فاتصلت بالمنتج الذي كذب أقوال مدير التحرير، وفي اليوم التالي قرأت خبراً مماثلاً في إحدى المجلات، فجن جنوني من هذه الدعايات الكاذبة، وكنت قد تماثلت للشفاء، فغادرت المستفى في أول يوم لعرض الفيلم، وذهبت إلى دار السينما وحضرت جميع الحفلات لأكذب هذه الدعايا الملفقة.
ومازلت اذكر دوري في فيلم "ليلى في الظلام"، كنت أقوم بدور فتاة فقدت بصرها، وتحاول أن تخفي هذا العيب عن الرجل الذي أحبته، ورغم الصعوبات الفنية الشديدة التي تلاقيها الممثلة في مثل هذا الدور، ورغم المتاعب التي صادفتها أثناء التمثيل فإنني أعتز بهذا الدور اعتزاً كبيراً لا لأنني أجدت تمثيله فحسب، بل لأنه أيضاً من الأدوار التي تتوق إلى تمثيلها كل ممثلة على ثقة مواهبها الفنية.
وأذكر انني كنت أندمج في التمثيل إلى حد أنني كنت أعود إلى بيتي فأسير وأتكلم وأتناول الطعام كما تتصرف فتاة فقدت بصرها.
هذه بعض ذكرياتي عن أدواري وأرجو ألا يفهم القارئ أنني حين تحدثت عن ثلاثة أدوار هي التي اعتز بها، لا ..فأنا أعتز بكل أدواري في السينما لأنني أعتبرها كلها جزءاً من كياني الفني.
الكواكب مايو 1956