تراجع الثقافة البيئية في العراق ساهم في تكديس النفايات وخاصة الإلكترونية في كل مكان.

وسيم باسم من بغداد: مع الانفتاح الاقتصادي الذي يشهده العراق، تتكدس النفايات الالكترونية والمعدنية و الكيماوية في العراء مثلما في البيوت.
والمشكلة الأهم في العراق، ان اغلب هذه النفايات لا تجد طريقها الى حاوية قمامة خاصة ، بل الى حاويات تختلط فيها كل انواع المخلفات، من دون تصنيف، كما تجد طريقها الى العراء بسهولة.

وفي المناطق المهمشة في اغلب المدن، يلمح المرء أكواما من نفايات جمعت من دون تصنيف، لكن الأخطر بينها، هي النقابات الصناعية التي تشكل حوالي ثلاثين بالمائة من كمية القمامة التي يلقيها الفرد العراقي يوميا.

وتشمل تلك النفايات في العراق أجهزة الهاتف (تحتوي على الكروم)، والأصباغ والأحبار (تحتوي على الكاربون).. والحواسيب(تحتوي على الباريوم ) وأجهزة التلفاز( تحتوي على الرصاص) والبطاريات(تحتوي على الكادميوم والنيكل المسببان للسرطانات والاضطرابات التنفسية).

استبدال الالكترونيات بدلا من تصليحها
ومما يعقد الوضع بحسب امين الساعاتي مدرس علوم الحياة في كربلاء (110 كم جنوب غرب بغداد ) أن العراقيين باتوا يستبدلون الالكترونيات بدلا من تصليحها بسبب ازدياد القدرة الشرائية، مما زاد من حجم المخلفات، وارتفع تأثيرها الضار على البيئة.

وبحسب الساعاتي فان اغلب النفايات في العراق تتحرك في الطبيعة من غير تدوير، وغير قابلة للانحلال عضوياً، لتتحول الى سموم، وهذا ما يزيد من خطرها.
ويتحدث الساعاتي عن عادة بيئية سيئة لدى اغلب المجتمعات الشرقية ومنها العراق حيث يخزن الناس المخلفات الالكترونية الغير مدورة ( الجاهزة العاطلة) في أقبية المنازل ، بدلا من التخلص منها بشكل نهائي، مما يؤدي الى تقليل فرصة تدويرها في صور اخرى من المواد الصناعية.


بين الطمر والحرق

وليس في العراق من طريقة مثلى للتخلص من هذه النفايات سوى الحرق، الذي تنتج عنه الكثير من المواد السامة المضرة بالبيئة، مثل غاز ثنائي اوكسيد الكاربون واكاسيد الحديد والنحاس الثنائية واكاسيد العناصر الثقيلة. والحرق طريقة قديمة يفضل عدم استخدامها.

وبدلا من الحرق يفضل استخدام أسلوب (الطمر) بحسب الخبير البيئي عصام شاكر ( ماجستير زراعة) لانه أرخص واقل ضررا بالبيئة ، ففي الولايات المتحدة يطمر اكثر من ثلاثة مليون طن من الأجهزة الالكترونية سنويا. لكن هذه الطريقة لا تستعمل في العراق، بسبب عدم توفر مساحات الطمر المناسبة.
ويقول شاكر.. الصحراء مكان مناسب لتأسيس اماكن طمر صحية تفي بشروط البيئة لكن ذلك يتطلب تمويلا واستثمارا.

الأجهزة المستهلكة
ويتخلص سالم عبيد صاحب محل تصليح الكترونيات من الاجهزة المستهلكة بتركها في العراء قرب حاوية كبيرة للنفايات في المنطقة.
ويقول سالم.. تبقى الأجهزة في العراق لأشهر قبل ان تنقل مع بقية المخلفات الى مكان طمر في أطراف المدينة.
ويقول سالم.. ليس ثمة مكان مخصص لإلقاء نفاياته.

ويتابع.. الحال يشبه حال هياكل السيارات التي تبقى على جوانب الطرقات لسنين طويلة من دون معالجة.
أما نبراس جاسم وهو صاحب دكان لتصليح الهواتف (الموبايل)، فقد اعتاد على رمي الهواتف العاطلة في نفس سلة المهملات التي يقذف فيها بقايا الأكل، والورق، وكل ما يفيض عن حاجته.

وهذه السلوكيات المضرة بالبيئة تشكل خطرا محدقا، يؤدي الى حدوث التلوث على نطاق واسع.
ويرى الباحث الاجتماعي كريم حسن ان الفرد العربي وليس العراقي فحسب، لا ينظر إلى العواقب البيئية لتصرفاته.
ويتابع : جميع أصحاب المصانع وحتى أصحاب الدكاكين يهمهم الربح فقط، فبإمكانهم عبر سلوكيات واعية من تقليل حجم الخسائر التي يسببها الإنسان للبيئة.
وبحسب خبراء فان اغلب النفايات الإلكترونية في العراق صالحة لتدوير مرة أخرى، لكن ذلك يحتاج الى مشاريع، تصنف النفايات وتعيد تدويرها.

وفي اغلب أماكن طمر النفايات في العراق حيث ينتشر الزئبق والكادميوم والقصدير، تلمح شبابا، ونساء وأطفالا ورجالا طاعنين في السن يفرزون المواد المعدنية والأجزاء الالكترونية من الأجهزة الأصلية، ليصبحوا على تماس مباشر مع مواد تؤثر على الجلد بصورة مباشرة.

ولا يعرف الفتى سعيد حسين وهو يمسك بيده لوحة الكترونية ويتفحص أنبوب اشعة كاثودية، انه على تماس مباشر مع معدن الرصاص السام الذي يؤثر بشكل كبير على الصحة.
ومما يزيد من حجم النفايات في العراق، الأعمار الصغيرة للأجهزة المستوردة التي تعطب بسرعة، لقلة كفاءتها، مما يعرضها للاستهلاك المبكر ويعجل من سرعة القائها في النفايات.