بانوراما طبيعية اتخذها ما لا يقل عن ثمانية ملايين مصطاف هذا الموسم مقصدا لهم، إنها المنارة الكبرى بمحافظة جيجل (400 كلم شرقي الجزائر) التي يفضلها عشاق الجمال للإقامة بها والارتماء في أبعادها الأربعة الممازجة بين الشواطئ الساحرة، والمحاورات الحميمية مع البحر والشمس والطبيعة الخضراء، وهو ما تستجليه إيلاف في هذا الاستطلاع.

كامل الشيرازي من الجزائر: على منوال حظيرة تازة المجاورة، يقول المخضرم سليمان إنّ المنارة الكبرى بقعة فاتنة وأرض عذراء تتأرجح بين جمال الجغرافيا وجلال التاريخ كأجمل ما يصافح البحر من خضرة وأروع ما يقبل الصخر من زبد.

وتتوفر المنارة الكبرى على عشرين شاطئا، وتمتد برمالها الذهبية الناعمة التي تميل إلى الحمرة قبالة مياه زرقاء غير ملوثة، وتشهد هذه الجهة الخلابة توافدا مكثفا في أوقات الغروب من لدن جموع الرسامين والمصورّين الهائمين بتخليد منمنمات هذا الديكور والكهوف العجيبة المجاورة له التي حوّلتها الصواعد والنوازل إلى تحف ونقوش طبيعية رائعة.

وفي تصريحات لـquot;إيلافquot;، يشير المتخصص quot;فؤاد سلطانيquot; إلى كون المنارة الكبرى شيّدت العام 1865 من طرف صاقل للحجارة يسمى quot;شارل سالفاquot;، ويعلو هذه المنارة ndash; يضيف سلطاني - ضوء أحمر يشتعل ليلا لتحذير السفن العابرة من وجود صخور كبرى قريبة جزئيا من روائع الكورنيش الجيجلي الذي يستقبل يوميا قوافل من المصطافين الهاربين من تأثيرات الحرارة.

ويحيل ابن المنطقة quot;ياسين جعفريquot; على أنّ عاملي الشمس والمناخ الصيفي النموذجي، يشكلان توابل مجتمعة من أجل قضاء إقامة طيبة للمصطافين، ويحبّذ فريق واسع من هؤلاء ممارسة الصيد، خاصة مع ملائمة الظروف المناخية للظفر بسمكات الشبوط ذات quot;الفم الكبيرquot; التي توجد بكثرة بمياه سد عين زادة.

ووسط هذا المشهد المثير للفضول، يقول quot;ميلود مدويquot; أحد صيادي السمك دون أن تفارق عيناه صنارته: quot;المنارة تشجّع جمهور الصيادين، والصيد هنا أضحى رياضة وآلية لإقامة quot;روابط صداقة على ضفاف شواطئ المنارة.

وينتقد ميلود المرتبط وجدانيا بهذا الفضاء، كون بعض الصيادين لا يكترثون بجانب المحافظة على نظافة هذا المحيط الجذاب المشعّ دوما بجمال موقعه ورونق غروبه شمسه الذهبية.

وتفيد خديجة ربة بيت، وعبد الناصر العامل بمصلحة إدارية، إنّ الأجواء الحميمية تبلغ الذروة على شطوط مليئة بصخور ذات أشكال متعددة صقلتها على مر العصور حركة الموج المتفاوتة القوة.

وعلى مرمى حجر من المنارة الكبرى يوجد الشاطئ المعروف باسم quot; كريكquot; الذي يعد مقصدا مفضلا للمصطافين لما له من ديكور يقطع الأنفاس، ولا يتوانى زائرون أمثال لطفي، فريد وياسين ويزيد إلى اعتبار المنارة الكبرى بما تنطوي عليه من نقاء وجمال خالص، تعدّ موقعا مقتطعا بحسبهم من الجنة.
كما توجد بجوار المنارة عديد النباتات الطبية التي كانت تستعمل منذ العصور الغابرة في التداوي، ويقبل عليها السكان المحليون بشغف، حيث يتّم توظيف هذه النباتات في مداواة مختلف الأمراض، على غرار علاج كسر العظام ووجع وآلام الرأس والتفاف العروق، وتستخدم نبتة الزعتر لأوجاع المعد، كما تجري الاستعانة بأزهار نباتات الخلنبع لعلاج الكلى.
وتعيش بضفاف المنارة الكبرى، فصيلة نادرة من قردة الماغو المهددة بالانقراض، وهو النوع الوحيد في إفريقيا والذي يعيش في الجزائر وكذا مناطق محدودة بالمملكة المغربية، وهو قرد في تناقص مستمر، يختلف عن باقي القردة في العالم من حيث البنية الجسدية سيما في غياب الذيل.

ويشير quot;كمال قادريquot; وquot;رفيق واليquot; إلى تسبّب إقدام بعض زوار المكان على مدّ القردة بأطعمة غير مراقبة، في موت الكثير منها، ورغم كل هذا فإن قردة quot;الماقوquot; أو quot;ماكاكاس سلفالوسquot; كما يسميها الباحثون، تبقى صانعة للحدث، حيث تزاوج بين مؤانساتها وعشقها اللعب فوق الأشجار، وهو ما يزيد من شوق المشاهدة والتمتع والراحة النفسية وسط طبيعة عذراء وهواء نقي.


\