يعاني هور الدملج جنوب العراق من ازدياد نسبة الملوحة وفرار الطيور البرية منه ونص مياهه.


وسيم باسم من بغداد: حين رأي ايمن حسين (50 سنة ) وهو صياد، طائر حباري على أطراف هور الدملج، فرح كثيرا وشرع بنقل الخبر الى الكثير من معارفه من صيادين ومزارعين، فالحبارى أضحى طيرا نادرا، لن تقع عليه عين عراقي منذ سنوات في انحاء البلاد المختلفة.

وهور الدلمج مسطح مائي معروف يحتل مساحة واسعة من الأراضي بين محافظتي الديوانية (193 كلم جنوبي بغداد) و واسط (180 كلم شمال بغداد).

وعلى رغم ان الدملج يمتاز بتنوعه البيئي عبر وجود مختلف الحيوانات والنباتات فيه وتوفره على تربة ونباتات ومياه أضحت بيئة صحية الا ان هذا التوازن يختل اليوم بسبب نقص المياه والملوحة والصيد الجائر و غياب المشاريع التي تطور المنطقة منذ عشرات السنين.

ويتجول ايمن أسبوعيا في الهور اما لأغراض الصيد او في جولة في الطبيعة اعتاد ممارستها منذ عشرات السنين، حيث بدأ يتلمس انحسار التنوع البيئي في الهور، بسبب هجرة الطيور، واختفاء الكثير من النباتات.

وبحسب ايمن فان نقص الوعي البيئي حول المنطقة الى بيئة مهددة بسبب نشاطات الانسان التي لا تكترث للطبيعة من حوله.

ويتخذ بعض الناس من المنطقة ساحة لفعاليات مضرة بالحيوانات والنباتات، ومنها اعمال وفعاليات مخالفة للقانون نظرا لبعد المكان عن المناطق السكنية المأهولة ومساحتها المائية الهائلة التي تجعل الكثير من النشاطات غير بادية للعيان.


وكانت المنظمة العالمية للحفاظ على البيئة والتابعة للأمم المتحدة..صنفت منطقة هور الدملج، من ضمن المناطق التي يتوجب المحافظة عليها بيئيا، للحيلولة دون اختفائها وإفقار تنوعها الطبيعي.

وبحسب حيدر عناج عيدان، مدير بيئة الديوانية، فان مساحة الهور تقلصت الى نحو ستين كيلومترا حين قللت هيئة المصب العام في الكوت من كميات الماء الواصلة إليه.

ويشير أبو محسن وهو من أبناء الريف الذي يسكنون في اطراف الهور ان أهالي المنطقة كانوا في السابق يشعرون بالسعادة من وجود اهم أنواع الطيور في الهور والمنطقة المجاورة مثل الصقور والبجع والحباري و الحذاف.

ويعيش الكثير من ابناء القرى المجاورة ايضا على صيد الأسماك من الهور، لكن مهنة الصيد هذه تكاد تنحسر هي الأخرى.

وفي السبعينات من القرن الماضي والزمن الذي سبقه كانت مشاهدة الحيوانات البرية مثل الوشق والدعلج والغزلان وبنات آوى والذئاب ظاهرة يومية وتعد جزءا مكملا للمكان، لكن هذه الحيوانات اختفت ايضا بشكل شبه تام بحسب أبو محسن.

ويتحدث ابو محسن عن احد ظواهر الإضرار بالطبيعة، وهو مشاهدته لصياد طيور اصطاد نحو أربعين من طير quot; الدراج quot; الأسبوع الماضي من دون معرفة الدواعي التي تجعله يصطاد هذا العدد الكبير.

ويقول المهندس الزراعي سامر كاظم ان الهور كان مسطحا مائيا، تحول اليه مياه الفيضانات من دجلة، ثم نفذت شركة بريطانية في الخمسينات مشروع (المصب العام) لتصب فيه البزول، ثم حولته شركة روسية من مسطح مياه زائدة الى بحيرة، نظرا لكونه منطقة منخفضة جيولوجيا.

وما يميز منطقة الدملج ان الكثير من الفعاليات الزراعية والاجتماعية تعيش على هامشه،فهناك البدو الذين يربون الجمال من حوله، ويعيشون بانسجام مع فلاحين ومزارعين يربون الماشية في مناطق ليست بعيدة عن هور الدملج.

ويشير سامر ايضا الى المعدان الذين كانت أعدادهم كبيرة الى وقت قريب حول الهور وعلى أطرافه حيث اشتهروا بتربية الجاموس الذي لا يستطيع العيش من دون بيئة مائية.

ويؤكد سامر ان منطقة الهور تضم طيورا نادرة جدا في العالم ويحضر صيدها خوفا من انقراضها بحسب تقارير منظمة البيئة العالمية.


ويقول ابو علي الفتلاوي وهو من اهالي المنطقة الذي سكنوا عند الهور منذ القدم ان آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، تحولت الى سبخ بسبب ارتفاع نسبة الملوحة في التربة، نظرا لان
منطقة الدلمج صارت منخفضا تتسرب اليه مياه البزول المالحة.

ويشير المهندس سامر الى ان المنطقة إضافة الى كونها مشروعا صالحا لمحمية طبيعية، فانها منطقة ذات إرث حضاري لانها تضم بين أحضانها مجرى نهر الفرات القديم الذي تحول مساره منذ نحو ألفي سنة، وتقع بين جنباته مدينة نفر أقدم العواصم السومرية.

ويقول ابو علي ان آباءه كان يتحدثون عن الكثير من الحيوانات التي وجدت في هذا الهور ملاذا طبيعيا، مثل النمور والأسود التي اختفت نهائيا.

واعتاد الصياد حسين الخفاجي عبر سنين اصطياد طيور من مثل البربش والبط و الخضيري والجوشم.

وقبل نحو شهر باع الخفاجي في سوق المدينة نحو أربعة من طائر
أبو سبيلة بما يعادل ستين دولارا أميركيا.

و يتابع الخفاجي الذي ينظر بألم الى ما آل اليه الهور: ان هذا المكان كان مصدر رزق لكثيرين بالنظر الى توفره على أجود أنواع الأسماك، حيث كان يغطي الكثير من حاجة الأسواق المجاورة، لكن انحسار الماء والملوحة وقلة الإدامة وتنمية المنطقة زراعيا و أروائيا أدى الى هذا التدهور الحاصل في البيئة.

ويقول كريم عيدان الذي يسكن وعشيرته المنطقة منذ نحو عقدين ان انحسار الخدمات حوّل المنطقة الى ارض تنعدم فيها الفعاليات البشرية.
ومنذ عقود لم تألف المنطقة الطرق المعبدة أو المراكز الصحية او مشاريع تعليم وتصفية ماء الشرب.

وحين يقترب موسم الشتاء تلمح الكثير من الطيور المهاجرة -بحسب عيدان - الذي يسمّي انواعا منها مثل المصو، و الحكحك، والبجع، و الزرزور، و الكركع و غرنوك.

ومن اشد الأخطار التي تهدد طبيعة المكان - بحسب عيدان - هو استخدام السموم في صيد الأسماك والطيور.