يوحدالكورنيش الشهير لمدينة جيجلالغابة والأرض كياقوت أزرق صنع ديكورا أخاذا زاوج بين زرقة البحر وخضرة الطبيعة.

كامل الشيرازي من الجزائر: على ضفاف شبه جزيرة جيجل الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط شمالا بشريط ساحلي يمتد على مسافة 120 كلم، ينتصب كورنيش مميّز بأجراف صخريـة ملامسة للبحر وخضرة غابية كثيفة ممتدة لآلاف الفراسخ ومزركشة بصواعد ونوازل طبيعية رائعة، ما أنتج جنة استثنائية ينعتها كثيرون بـquot;المنسيةquot; رغم أنّ صيتها ذاع خارج الحدود، وسبق لعازف الكمان الشهير أنطونيو لوسيو فيفالدي (1678 ndash; 1741) أن أطلق على الكورنيش كنية quot;ساحل الياقوت الأزرقquot;.

ووسط إرث طبيعي هائل مترام بين سلاسل جبلية وكهوف، يستقطب الكورنيش أربعة آلاف زائر دوريا، وبينما تصافح خضرة الغابة زرقة البحر ويقبّل الصخر زبد الماء، يُمكن لزوار الكورنيش التمتع برؤية طائر كاسر الجوز القبائلي وهو طائر صغير وجميل ذي لون أزرق وبني فاتح فضّل العيش هناك.

وتحصي مراجع محلية 414 نبتة بينها 147 من النباتات الطبية و135 من الفطريات السامة والصالحة للأكل، وكذا 134 صنف من الطيور كالجوارح الجواثم والطيور المائية والبحرية كالغراب ودجاجيات الأرض وزمج الماء والبلشون والنورس الفضي والغطاس الخطاف والحوام والعقاب وصقر الجراد وهامة بومة والباز والنسر والبلبل والحجلة والزرزور، فضلا عن طائر الخفاش وغيرها من الطيور المحمية، إضافة إلى وجود 16 صنفا من الثدييات.

ويركّز quot;جمال عيساويquot; الناشط في جمعية محلية مهتمة بالدفاع عن البيئة، على كون الكورنيش قبل أن يكون واحة غابية بحرية عذراء، فإنّه مشتلة لمئات النباتات، وقلعة للحيوانات سيما قردة مغربية نادرة تستوطن إفريقيا الشمالية، ناهيك عن فصيلة نادرة من قردة الماغو المهددة بالانقراض ndash; يسميها باحثون quot;ماكاكاس سلفالوسquot; ndash;، والمختلفة عن باقي القردة في العالم من حيث بنيتها الجسدية وافتقارها لأذيال، وتسبب إقدام زائري المكان على إطعام هذه القردة الصديقة بأغذية غير مراقبة، في موت الكثير منها.

ويرى المتخصص نبيل عدابي بلا معقولية استمرار تجاهل الكورنيش إياه وإسقاطه خارج دائرة ترشيحات معجزات الطبيعة، منتقدا ما يحدث للمكان الأكثر روعة في البحر المتوسط من تهميش، رغم أنّ كورنيش جيجل يرغم كل من يزوره على إمضاء أيام وليال وهو يتملى ما صنعه الخالق في أرض طيبة مترعة بأكاليل الجمال وأزهار المتعة، رغم كل الذي طال المنطقة من محاولات استنزاف وطمس إبان عشرية الاقتتال الدموي في تسعينيات القرن الماضي.

وتلاحظ quot;عائشة بكيسquot; أنّ اتحاد الغابة مع البحر وتزاوج الطبيعة والتاريخ، زاد من فتنة الكورنيش ورونقه الذي يضفي على المكان رونقا يخترق شغاف الروح، في حين يُبرز quot;نجيمquot;، quot;عليquot; وquot;ناصر أبناء منطقة جيجل، إنّ كورنيش جيجل يعني في مخيال الرأي العام المحلي عذرية الطبيعة وشروق الشمس واحتدام الحركة، ورغم ارتدائه حلة بهية على مدار الفصول، إلاّ أنّ الكورنيش يغدو أكثر سحرا مع حلول الربيع وتصل ذروته الحانية في عزّ الصيف، حيث لا يفوّت زوار جيجل في مواسم الاصطياف فرصة تناول كوب من الشاي المنعش على ضفاف الكورنيش العتيق.

وبجوار الكورنيش الجيجلي العجيب، يقع منبع quot;عين لمشاكيquot; الذي يبهر الزائرين، فهو منبع المياه المنعشة صيفا والدافئة شتاء، بهذا الشأن يشير العم ناصر إلى تدفق مياه المنبع من الكهف لتنحدر تدريجيا للأسفل حتى تتوقف خلال عشر دقائق، قبل استئنافها رحلة التدفق بعد 40 دقيقة.

ويقول quot;رشيد كتّابquot; المتخصص في الموارد المائية، إنّ هذا الأمر حيّر خبراء علم المياه الذين صعب عليهم تفسير هذه الظاهرة، وقارنوها بعمل (السيفون) المستخدم في نقل السوائل.