مخيمات اللجوء في لبنان بعيون صحافيين عرب
أمل الفلسطينيين في العودة لم يسقط رغم الزمن

نسرين عجب من بيروت: المخيمات الفلسطينية في لبنان، عنوان يرسم آلاف الصور في المخيلة ويترك جملة انطباعات تختلف بين شخص وآخر. 12 مخيما فلسطينيا تحتضنها الأراضي اللبنانية، ولكن الدخول اليها ليس بالأمر السهل، على الأقل هذه هي الصورة النمطية المنطبعة في الأذهان، خصوصاً مع ضبابية الرؤية حول سكان تلك المخيمات وارتباط بعضهم بأحداث يغلب عليها الطابع السوداوي. الا أن دخول المخيمات والتجول في داخلها فرصة تطرح أمام الصحفي الكثير من المواضيع التي تثير قلمه للكتابة. quot;منتدى التنمية والثقافة والحوارquot;، وخلال ورشة عمل اقليمية تحت عنوان quot;الاعلاميون والسلم الأهليquot; فتح المجال أمام نحو 30 صحافياً من أربع دول عربية هي لبنان وفلسطين والعراق ومصر، للدخول الى مخيمي صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة للاجئين الفلسطينيين. وفي هذا السياق تتساءل سارة الشل، صحافية لبنانية: لماذا نحن كلبنانيين لا ندخل الى المخيم في الحالات العادية؟ وتجيب: نخاف ربما لأنه ليس هناك سلطة في المخيم في ظل غياب الدولة اللبنانية.

كان الجميع ينتظر الزيارة الميدانية، خصوصاً الى مخيم صبرا وشاتيلا نظراً لرمزيته. بدأت الجولة، كل صحافي كان يحمل في ذهنه صورة ويبحث عن ما يؤكدها أو ينفيها، الا أن الواقع فاق كل التوقعات وشكّل صاعقة. أبنية عشوائية تتراصف جنب بعضها البعض وتعد من في الداخل بالسقوط في اي لحظة، نفايات تقف حارساً في الممرات، quot;فاليوم الأحد لا تمر الاونروا لتجمع النفاياتquot;، تفيد مسؤولة مركز بيت أطفال الصمود في شاتيلا، جميلة شحادة.

في المختصر واقع معيشي أقل ما يقال فيه انه سيء، مما انعكس سلباً على الصحفيين الزوار الذين دخلوا بحماسة ليتعرفوا عما يقف خلف هذا السور الحديدي الذي يسمى المخيمات، وخرجوا بخيبة أمل أبكت بعضهم، حتى الرجال منهم، مثل جعفر صدقة الصحافي الفلسطيني الاربعيني الذي تشكلت شخصيته في النصف الثاني من السبعينات والنصف الأول من الثمانينات. وكان يتابع أخبار لبنان خلال مرحلة وجود منظمة التحرير الفلسطينية فيه لدرجة انه قبل سنة 1985 كان يعرف بيروت وأحيائها ومخيماتها أكثر من رام الله. وتشكلت صورة المخيم في مخيلته على مدى فترة طويلة. خلال الزيارته، لم يسمع جعفر اي شيء لم يتوقعه سواء من اللاجئين أو من اللبنانيين المشاركين في الزيارة، ويتفهم وجهة نظر الطرفان وهواجسهم، ولم يفاجئه البؤس ولا المأساة، الا ان مشهد طفولي كان يحضّر لاحياء ذكرى النكبة بأغاني وأناشيد تتحدث عن قرى هؤلاء الأطفال بالتحديد، اربك كل حواسه وشكل له صدمة عنيفة ابكته، فخرج بعيداً كي لا يرى احد دموعه.

وضع المخيم أثر في كل الفريق. وفي هذا الصدد يقول رامي عطا، كاتب وباحث مصري، انه لم يكن يتوقع هذا البؤس، أن يعيش 18000 الف نسمة في كلم مربع تغيب عنه شبكات الصرف الصحي، وتنتشر الاسلاك الكهربائية عشوائياً في ممراته. أما علي مرزوق، صحافي عراقي، فأحس بالمرارة وبتقاعس الأنظمة العربية. quot;سقطت دموعي وكل الفريق حولي كان يبكي، الوضع العام أبكاني والأطفال هم أكثر من أثر بي.quot; صورة الأطفال واحياء النكبة كانت في مخيم برج البراجنة، وغابت عن مخيم صبرا وشاتيلا وان لم يغب الواقع المأساوي نفسه. كان يعتري رانية زبانة، الصحافية الفلسطينية، فضولاً للتعرف على مخيم صبرا وشاتيلا تحديدا،ً نظراً للأحداث التي شهدها وجعلت منه رمزاً لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الخارج. تحقق الحلم في اول زيارة لها للبنان، الا أن الحماس كان ممزوجاً بالخجل مما يحصل في فلسطين من اقتتال داخلي. quot;هم يعيشون مأساة ونحن عندنا قضية أخرى وكأننا همشناهم ونسينا أمرهمquot;. وفي مقارنة بين صبرا وشاتيلا وبين باقي المخيمات تشرح أنه يشبهها من حيث الشكل ومعاناة الافراد، الا أن الوضع فيه مزري أكثر من ناحية البنى التحتية والكثافة السكانية والصرف الصحي، فضلاً عن بطالة الشباب وحرمانه من ممارسة ما يزيد عن 70 مهنة.

لم يبتعد هشام محمد علي عن رأي رانية. ويقول الصحافي العراقي انه قبل ان يرى المخيم كان لديه انطباع ان مخيم صبرا وشاتيلا تعرض للأذى ويحيطه سور من كل الجوانب، وانه منظم ويسوده التمدن. ولكن اتضح له ان المخيم اشبه بحي عشوائي مليء بالاوساخ، ويفتقد لأبسط مقومات الحياة، ويقطنه تعساء لا يشعرون باستقرار نفسي. ويضيف أنه زار معظم المدن العراقية ورغم عدم الاستقرار الامني فيها الا أنه لم يرى حياً بهذا السوء، يفتقد حتى لمواقع مخصصة لجمع النفايات التي تنتشر في كل مكان. من ناحية أخرى يستغرب ان كل المعونات التي تصل الى المخيم، هي من جهات أجنبية quot;بينما الاغنياء العرب والحكومات التي تستخدم فلسطين كشعار لا يفعلون شيئاquot;. ويخلص الى ان صبرا وشاتيلا مجرد شعار يرفعه الساسة العرب عند الحاجة، وكل ما يقولوه مزايدة على القضية الفلسطينية quot;التي أصبحت قضية متاجرة سياسيةquot;.

هذه كانت الانطباعات التي خرجوا بها، ولكن ما هي المسؤولية التي شعروا بها؟

quot;لا أحد سيحاسبنا بل نحن كصحافيين يجب أن نحاسب أنفسنا، علينا أن نتحرك ونفعل شيئاًquot;، تقول ياسمين السيد هاني، صحافية مصرية. ويتابع رامي: quot;أنا كصحافي لا أملك الا القلم، وسأطوعه لخدمة القضية. علينا ان نركز على هذه المخيمات ونقدمها الى المجتمع الدولي، الشريك في المسؤولية، عله يتخذ تدابير جدية للحلquot;.

بين الشعور الانساني والحماسة للقضية، هل مازال عند اللاجئين الفلسطينيين أمل بالعودة الى فلسطين؟
بعد تفكير تجيب رانية: quot;بصرف النظر اذا كانوا واقعيين أم لا، لكن نعم عندهم أملquot;. ويعتبر جعفر أن الرجاء كبير رغم كل المؤشرات التي تدحضه. ويختم: quot;لمست تمسكهم بفلسطين من خلال هتاف الأطفال بأسماء قراهم خلال التحضير لاحياء الذكرى، وحتى لو لم يتحقق الأمل الا ان الأهل يغرسونه في ابنائهم، وهذا خير مؤشر على ايمانهم بالعودة، ولا بد أن يأتي اليوم الذي يتحقق فيه ذلكquot;.