دعا فريق اليونسكو المؤلّف من خبراء في مجال العلم والفلسفة، ومن حقوقيين ووزراء، إلى منع "الهندسة" الجينية للخلية الانتاشية البشرية منعا مؤقتا، وإلى إجراء نقاشات عامة أوسع نطاقا بشأن التعديلات الجينية للحمض النووي البشري.


إثر اجتماع عُقِد في مقرّ اليونسكو في باريس، أصدر خبراء اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا المستقلّون تقريرًا بشأن "تحديث تفكير اللجنة في مجال الجينوم البشري وحقوق الإنسان". وفي هذا التقرير، يشير الخبراء إلى أنّ العلاج الجيني يمكن أن يشكل قفزة إلى الأمام في تاريخ الطب، وإلى أنّ هندسة الجينوم تشكل من دون أدنى شك أكثر الإجراءات العلمية تبشيرًا بالخير لمصلحة البشرية برمّتها".

إلاّ أنّ تقرير اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا ينبّه إلى أنّه يبدو أنّ "هذه الثورة تفرض اتخاذ تدابير احتياطية خاصة وتثير مشاغل كبرى قد تُنقل إلى الأجيال المقبلة، وخاصة إذا كان سيجري تطبيق هندسة الجينوم البشري على الخلية الانتاشية عبر القيام بتعديلات وراثية". ودعت اللجنة بالتالي، خلال اجتماعها، إلى وقف اختياري لهذا الأجراء المحدّد المعني بالجينوم البشري وحقوق الإنسان.

والتطوّرات التي طرأت حديثا قد فتحت الباب أمام الكشوفات الجينية وأمام كشف الأمراض الوراثية، والعلاج الجيني، واستخدام الخلايا الجذعية الجينية في البحوث الطبية، وإمكانية الاستنساخ، و"الهندسة" الجينية لأغراض طبية وغير طبية.

وتقول اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا "(...) إنّ التدخّلات الجارية على الجينوم البشري لا تكون مقبولة إلاّ إذا كانت تُقام لأسباب وقائية، أو تشخيصية، أو علاجية ومن دون إدخال تعديلات على الذرية"، وذلك مع الإشارة إلى "أنّ البديل قد يتمثّل في تعريض الكرامة الذاتية، وبالتالي المتساوية لجميع الكائنات البشرية للخطر وإعادة إحياء البيوجينيا".

أطفال حسب الطلب

وتشير اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا إلى أنّ التطوّرات السريعة التي شهدها علم الوراثة تمهّد الطريق أمام خلق "أطفال حسب الطلب"، الأمر الذي جعل العلماء والاختصاصيين في مجال أخلاقيات البيولوجيا ينادون بإجراء مناقشات عامة أوسع نطاقا بشأن قدرة العلم على تعديل الأجنّة البشرية تعديلا جينيا في المختبر بهدف التحكّم بخصائصها الوراثية مثل المظهر الخارجي أو الذكاء.

وتتيح تقنية حديثة من تقنيات "الهندسة الجينية" تحمل إسم CRISPR-cas9 للعلماء بإدراج الحمض النووي واستخراجه وتصحيحه على نحو بسيط وفعّال. وتقدّم إمكانية معالجة بعض الأمراض أو حتى شفائها، مثل فقر الدم المنجلي، والتليّف الكيسي وبعض أنواع السرطان. لكنّ هندسة الخلية الانتاشية يمكن أيضا أن تدخل تعديلات على الحمض النووي، مثل تحديد لون عيون الطفل الذي يمكن للعلماء العاملين في مجال الأجنّة البشرية والبويضات والحيوانات المنوية تعديله بسهولة أكبر.

وأظهرت دراسة عن التشريعات والممارسات المتصلة بالتعديل الجيني أجرتها جامعة هوكايدو في اليابان عام 2014 أنّ 29 بلدا، من أصل البلدان الـ 39 التي شملتها الدراسة، قد منع إجراء تعديلات على الخلية الانتاشية. وفي 25 بلدا، كان المنع ملزما من الناحية القانونية. وقامت البلدان الأربعة الأخرى بوضع مبادئ توجيهية في هذا المجال، في حين وُصِفت القواعد المعمول بها في البلدان العشرة المتبقية بأنّها غامضة.

ويحذِّر التقرير أيضا من الخطر المخفي للاختبارات الجينية التي يجريها الأشخاص بأنفسهم، مع الإشارة إلى أنّ المستهلكين الذين اختبروا حمضهم النووي باستخدام رزم موجّهة مباشرة للمستهلك يتم شراؤها عبر الإنترنت، يحتاجون إلى نصائح جينية وطبية مهنية بهدف فهم النتائج. وتسمح هذه الرزم للمستهلكين بإجراء اختبارات طبية وغير طبية، وبخاصة لتحديد أصولهم الإثنية. وتطلب اللجنة اقتراح قواعد ومعلومات واضحة بشأن هذه الاختبارات على المستهلكين.

وتشير اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا إلى أنّ "(...) دور السلطات العامة في غاية الأهمية لإطلاق حملات إعلامية موجّهة للمواطنين من أجل تحسيسهم بالأسس العلمية الفعلية أو غير الصحيحة للاختبارات الموجّهة مباشرة للمستهلك".

واعتمدت الدول الأعضاء في اليونسكو الإعلان العالمي لأخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان في عام 2005 لمعالجة مسائل أخلاقية تثيرها التغيّرات السريعة في مجال الطب وعلوم الحياة والتكنولوجيا. ويشير الإعلان إلى أنّ الجينوم البشري يشكل جزءا من "تراث البشرية". ويعدد القواعد التي يتعيّن التقيّد بها لاحترام الكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وفي مستهل العام الحالي، كان الباحثون الصينيون أوّل من أعلن عن إجراء تعديل على الأجنّة البشرية غير القادرة على النمو في العالم، في حين طالب عالمون بريطانيون بالحق في تعديل الأجنّة تعديلا جينيا في إطار مشروع بحث أوسع نطاقا. وقد عدّل العلماء الصينيون مجينا شاذّا يفضي إلى مرض يصيب الدم وقد يكون مميتا.

وقد أُنشئت اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا في عام 1993 ردّا على التطوّرات السريعة التي طرأت في مجال فهم الجينوم البشري من الناحية العلمية، أي على الأحرف الــ 3.6 مليار التي تشكل شيفرتنا الجينية. وتتألّف اللجنة من 36 خبيرا مستقلا وتتابع التطوّرات الجارية على صعيد علوم الحياة وتطبيقاتها بهدف ضمان عدم تعارضها مع احترام الكرامة والحرية الإنسانيتين.