تعالج العين الكدرة (الكاتاراكت) عادة عن طريق عملية جراحية صغيرة، تستبدل فيها العدسة الكدرة بعدسة اصطناعية. لكنّ العلماء الأميركيين يقولون الآن "وداعًا للمشرط، وأهلًا بالعلاج بالخلايا الجذعية".


ماجد الخطيب: تشكل حالة العين الكدرة، التي غالبًا ما تحصل بعد الخمسين، 40% من حالات اعتلال النظر على المستوى العالمي. إذ تفقد عدسة العين مرونتها، التي تكيّف العين للنظر بدقة، ويفقد السائل داخلها شفافيته، وهكذا يعجز الضوء عن اختراق العدسة. والمقلق أن عدسة العين الكدرة، التي تعتبر حالة ترتبط بتقدم العمر، تنتشر بشكل مقلق بين أطفال العالم الثالث.

الطريقة الجديدة التي يتحدث عنها العلماء الأميركيون هي زرع الخلايا الجذعية في العين محل العين الكدرة، ومن ثم تنميتها وتطويرها إلى عدسة جديدة. بهذه الطريقة الحديثة استعاد العديد من الأطفال الذين كانوا يعانون من عتمة العدسة الولادية (الخلقية) أنظارهم، بحسب التقرير الذي نشر أخيرًا في مجلة "نيتشر".

ورغم شيوع ونجاح عمليات العيون الجراحية لاستبدال عدسة العين الكدرة، فإنها تؤدي في حالات عديدة إلى التهابات ومضاعفات، ثم إنه من الصعب استخدامها مع الأطفال تحت سن السنتين في العالم الثالث، بسبب ارتفاع مخاطر الالتهابات التي قد تقود إلى العمى.

امتصاص السائل الكدر
فريق العمل الأميركي بقيادة كانغ زهانغ، من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، استفاد من حقيقة أن غلاف عدسة العين البشرية يحتوى على خلايا جذعية تواصل وجودها ونشاطها طوال تقدم عمر الإنسان. 

وهكذا عمل الفريق على تحفيز هذه الخلايا الجذعية للنمو مجددًا إلى عدسة عين طبيعية. تجري في عمليات استبدال العدسة الكدرة بأخرى اصطناعية إزالة كامل العدسة مع الأنسجة في تجويف العين، لكنّ زهانغ وزملاءه وجدوا في الجراحة الميكروسكوبية حلًا للمشكلة. إذ عملوا تحت المجهر على امتصاص السائل الكدر من العدسة من دون الحاجة إلى التخلص من غلاف العدسة الذي يحتوي على الخلايا الجذعية السليمة.

ترميم جسدي طبيعي
وكتب زهامغ وزملاؤه في مجلة "نيتشر" أنهم امتصوا السائل العدسي من دون إصابة خلايا غلاف العدسة، وما حصل بعد ذلك كان عبارة عن عملية ترميم اعتيادية يتخذها الجسد كما يلتئم أي جرح آخر. 

وبعد 4-5 أسابيع بدأ نسيج عدسي جديد ينمو من غلاف العدسة، من الخارج إلى الداخل، ويملأ العدسة الفارغة. وبعد 7 أسابيع ملأ السائل النامي العدسة، وهكذا نمت عدسة جديدة شفافة ومرنة لا تختلف في مواصفاتها عن العدسة الأصلية السليمة. 

واصل فريق العمل تجاربه مع 12 طفلًا يعانون من كدر العين الخلقي، وامتصوا بالطريقة نفسها السائل العدسي من العدسة من دون الإخلال بغلافها. ونمت بالفعل، بعد 3 أشهر، لدى الأطفال عدسة جيدة وسليمة من الخلايا الجذعية نفسها في غلاف العدسة. وما بدا بعد 3 أشهر مثل عدسة رقيقة، نما إلى عدسة متكاملة، شفافة ومرنة، بعد 8 أشهر. وكتب العلماء أن الأطفال كسبوا نور العين مجددًا حالما ملأ السائل تجويف العدسة بالتمام.

أثبت فحص النظر على عيون الأطفال أن العدسة الجديدة زوّدتهم بقدرة على النظر لا تختلف عن قدرة العين الأصلية. ويعترف زهانغ وزملاؤه بأن عيون بعض الأطفال تعرّضت إلى التهابات ومضاعفات، لكنها لم تكن مضاعفات تختلف من ناحية الشدة والتأثير على العين عن مضاعفات عمليات زرع العدسة الصناعية جراحيًا.

تصلح للمسنين أيضًا
وعبّر العلماء عن قناعتهم بأن الطريقة ستنجح مع المتقدمين في السنّ، لأن الخلايا الجذعية في بطانة العدسة تعيش مع الإنسان إلى مرحلة الشيخوخة. وواقع الحال أن هذه الخلايا ليست بنشاط وفعالية مثيلاتها لدى الأطفال، لكنها تبقى نشطة وقادرة على تجديد ذاتها. 

ويبقى أن يجري تطوير طريقة امتصاص سائل العين الكدر في المسنين، ومن دون إصابة البطانة بأضرار. وربما ستكون العملية في المسنين أكثر تعقيدًا منها في الأطفال، وربما ستحتاج الخلايا الجذعية إلى وقت أطول لملء العدسة الفارغة.

هذا ليس كل شيء، لأن زهانغ توقع أن تكون هذه الطريقة بابًا لعلاج أعضاء حيوية أخرى في الإنسان، تجري فيها الاستفادة من قدرة الجسم الطبيعية على الترميم، لتنمية أعضاء حيوية أخرى. ومن الطبيعي أن الأمر سيحتاج تجارب كثيرة قبل التفكير بالانتقال إلى استنبات أعضاء كاملة من خلايا جذعية في بطاناتها.