لايف ستايل: في شارع يفصل بين حيين شهدا على جولات إقتتال دامية في مدينة طرابلس اللبنانية، ينهمك عمال في طلاء سطح أحد الأبنية في إطار مشروع فني طموح هدفه حمل رسالة "السلام" الى المنطقة.

ويقول الثنائي "أشكمان" اللذان يعملان على المشروع منذ ثلاث سنوات أن كلمة "سلام" التي يتم طليها باللون الاخضر على الاسطح ستكون مرئية من الجو.
وأمضى الفنانان التوأم محمد وعمر قباني (34 عاماً) وقتاً طويلاً في البحث ومعاينة مواقع عدة لتنفيذ مشروعهما قبل أن يقع اختيارهما على مدينة طرابلس شمالاً. واختارا شارع سوريا الذي يفصل بين منطقتي باب التبانة ذات الغالبية السنية وجبل محسن ذات الغالبية العلوية.

ومنذ العام 2011، وعلى وقع النزاع في سوريا المجاورة، شهدت منطقتا باب التبانة وجبل محسن جولات من الاقتتال الدامي بين أبنائها، انتهت في أبريل 2014 مع بدء تطبيق خطة أمنية إنتشر بموجبها الجيش في المدينة وأوقف العديد من قياديي الأنشطة العسكرية.

ويقول عمر لوكالة فرانس برس "انتقلنا من موقع الى آخر وقررنا أخيراً أن ننفذه هنا في طرابلس، تحديداً في باب التبانة وجبل محسن، المنطقة التي شهدت صراعاً". ويوضح "نرسم كلمة سلام على أسطح أكثر من 85 مبنى، على طول 1,3 كيلومترات.. لنظهر أن الناس هنا مسالمون" قبل أن يضيف "وفي لبنان بشكل عام، نريد السلام".

وأوقعت جولات الاقتتال خسائر بشرية كما ألحقت أضراراً بالغة بالأبنية خصوصاً تلك الواقعة في شارع سوريا. ولا تزال الثقوب الناجمة عن تبادل إطلاق الرصاص والجدران المتصدعة جراء القذائف الصاروخية شاهدة على ضراوة المعارك التي جرت.

وينفذ الفنانان المشروع على جانبي شارع سوريا بمشاركة عمال من المنطقتين. ويقول عمر "كل العمال يقيمون هنا في الحي وعايشوا النزاع حتى أن بعضهم أصيب"، متابعاً انه أثناء الاقتتال "كانوا يختبئون من الرصاص واليوم هم يرسمون بفخر على أسطح أبنيتهم".

ويبدي الشقيقان أسفهما لعدم تمكنهما عبر مشروعهما من معالجة الندوب التي خلفها القتال بين الجانبين أو التخفيف من حدة الفقر المدقع في المنطقة الذي غالباً ما يُثار على أنه المسبب الرئيسي للمعارك. ويقولان إنهما اختارا طلاء عازلا للأمطار وعاكسا للأشعة فوق البنفسجية، ما يجعل المنازل أقل برودة.
- "حل الظلام" -

قبل المباشرة بعملية الطلاء على أسطح المبنى، اضطر القيمون على المشروع والعمال الى القيام بعملية تنظيف واسعة جراء أكوام القمامة والركام حيث تجمعت الفئران، في عملية "لم تكن سهلة" واستغرقت "نحو عشرة أيام" وفق عمر.

كما تطلب تنفيذ المشروع إجراء مفاوضات مع سكان الأبنية الذين رفض بعضهم الأمر قبل أن يوافقوا لاحقاً بعد بدء عملية التنظيف. وانضم وليد أبو حيط (29 عاماً) الى المشروع بعدما سمع عنه عبر جمعية "مارش" التي عملت على مشاريع مصالحة وإعادة تأهيل في المنطقة.

ويستعيد وليد المتحدر من باب التبانة الظروف الصعبة التي عاشها مع عائلته خلال جولات الاقتتال في المنطقة. ويقول "خلال المعارك كان الوضع سيئاً للغاية"، مضيفاً "حلّ الظلام على المنطقة ولم تعد الناس تأتي الى هنا".

ويعمل وليد مع آخرين على حمل أوعية ثقيلة الى سطح مبنى من سبعة طوابق قبل أن يبدأوا بعملية الطلاء الذي يصبغ أيديهم وأحذيتهم باللون الأخضر. ويقول "المشروع ممتاز جداً"، متابعاً "كلمة سلام رائعة.. لم نرها منذ زمن، لكننا اليوم نراها مجدداً".