بعد دوللي، تعددت التجارب الإستنساخية، ويبدو أن العلماء توصلوا إلى نتيجة مفادها أن الخلايا الجينية المستحثة خيار واعد في مسيرة البحث عن علاجات لأمراض عدة.

إبتسام الحلبي من بيروت: اصطدمت محاولات فرض حظر كامل على الاستنساخ البشري في أواخر تسعينات القرن الماضي بعائق هو الإمكانية العلاجية الكبرى الكامنة فيه. لا يمكن ترجمة تلك الإمكانية اذا لم يسمح للعلماء بتطوير تقنيات النقل النووي للبشر. فمن دون جنين لا خلايا جذعية جنينية. واعترض البعض على بحوث الاستنساخ العلاجي باعتبار أنه شكل آخر من البحوث الجنينية، وهو ما يعترض عليه الكثيرون أصلًا.

بحوث مزيفة 

في عام 2001، منعت الحكومة الأميركية استخدام التمويل الفدرالي لإنتاج خلايا جنينية جديدة من خلال النقل النووي. لكن بعض الدول، بما فيها بريطانيا، تبنّت موقفًا أكثر تسامحًا تجاه استخدام البحوث العلمية للأجنة "الفائضة" التي تُصنع أصلًا لغايات التخصيب المخبري. حاولت هذه الدول تحديد التمييز التنظيمي بين الاستخدامات المسموح بها للنقل النووي في البحوث العلاجية وبين الاستخدامات التكاثرية الممنوعة. 

لكن، حتى في ظلّ الاجراءات التنظيمية، تبين أن انتاج الخلايا الجذعية البشرية من خلال النقل النووي هو أمر صعب جدًا. ففي عام 2004، أعلن الباحث الكوري الجنوبي هوانغ وو-سوك أنه نجح في إنتاج مجموعة جديدة من الخلايا الجذعية من جنين بشري مستنسخ.

وفي السنة اللاحقة، قال إنه انتج 11 مجموعة مماثلة من الخلايا. وكانت النتائج التي حققها، والتي نشرت في أبرز المجلات المختصة، أكثر صدقية من تلك التي توصّل اليها رايليانس أو الدكتور أنتينوري. لكن، بحلول عام 2006، أشارت التحقيقات إلى أن معظم بحوثه كانت مزيفة، على الرغم من أنه استطاع استنساخ كلب. 

ومع حلول الذكرى العاشرة لمولد دوللي في عام 2006، لم يكن النقل النووي قد أنتج مجموعات خلايا جذعية بشرية بعد. في الواقع، تتجاوب الفصائل والمجموعات الحيوانية مع النقل النووي بطرائق مختلفة. فتجاوب القطط والفئران أسهل من تجاوب الكلاب والجرذان.

يقول ايان ويلمات الذي قاد فريق روزلين إن استخدام هذه التقنية مع الثدييات الرئيسة أو المتحدرة من القرود طالما كانت مخيبة للآمال، ومحدودة التطور ومن دون جنين. لكن باستخدام تقنية بديلة من وحي دوللي، تم انتاج شي مشابه وأقل إشكالية من الناحية الأخلاقية.

إحباط عالِم

يقول العالم الياباني شينيا ياماناكا إنه حين قرأ عن دوللي كدكتور باحث، أصابه احباط دائم حول ما يمكن عمله. أثارت دوللي اهتمامه وأعطته هدفًا. فولادتها أظهرت أن العناصر الكيميائية في البويضة استطاعت أن تفرض على الجينات البالغة تجديد شبابها. ودأب الدكتور ياماناكا على البحث عن تلك العناصر. كبداية، قام بوضع جينات لـ24 عنصرًا في خلايا فأرة؛ والجينات التي اختارها معروفة بدورها في منع الخلايا الجذعية من التغير. 

كانت النتيجة شبيهة جدًا بالخلايا الجذعية الجنينية، وافترض ياماناكا أن بعض العناصر ربما لا يكون أساسيًا، فأعاد العمل مقلّلًا منها. وبحلول عام 2006، كان قد حصر المجال في 4 عناصر لا غير، علمًا أنّه اذا تمت اضافتها معًا يمكنها أن تحوّل الانسجة المتمايزة مجددًا إلى خلايا جذعية. كان ذلك شبيهًا بإرجاع عقارب الساعة البيولوجية إلى الوراء من دون مشكلات النقل النووي.

ودعا الدكتور ياماناكا خلاياه "الخلايا الجذعية المـستحثة الوافرة القدرة". وحصلت هذه الخلايا على قدر كبير من الاهتمام والتمويل والجهد. فقد كان من الممكن تكوينها من دون وساطة الجنين المزعجة أخلاقيًا، فضلًا عن ذلك، كان من الممكن أيضًا إنشاؤها من خلايا تبرّع بها مريض محتمل. هذا يعني أنه إذا استخدمت بعد ذلك للعلاج، قد لا يعترض الجهاز المناعي للمريض على ذلك، وهو أمر لم يكن بالضرورة ينطبق على الخلايا الجذعية الجنينية.

في عام 2012، نال الدكتور ياماناكا جائزة نوبل عن هذا العمل. وأصبحت الخلايا المستحثة التي اخترعها عمودًا فقريًا علميًا، يوفّر إمدادات غير محدودة من الخلايا المتمايزة والأنسجة لاستخدامها في المختبر. 

وتوقفت التجربة

يدير الدكتور ياماناكا معهدًا في كيوتو حيث يعمل المئات من الباحثين بحماس واندفاع على خلايا IPS. وقد حقّقوا تقدّمًا. نجح علماء في معهد بحوث مؤسسة نيويورك للخلايا الجذعية في تحويل عينات جلدية من مرضى التصلب المتعدد التدريجي إلى خلايا IPS ومن ثم إلى خلايا تشكيل المايلين. غير أن تحويل هذه الإنجازات إلى علاجات لم يكن سهلًا أبدًا. فالتجارب السريرية الوحيدة لهذه الخلايا حتى الآن، التي أجراها مركز ريكن لعلم الأحياء التنموي في كوبي، توقفت فجأة في العام 2015.

كانت الفكرة أخذ الخلايا الجذعية المصنوعة من خلايا الجلد وتحويلها إلى خلايا شبكية يمكن استخدامها لعكس مرض الضمور البقعي المؤدّي للعمى. وبعد معالجة مريض واحد لا غير، توقفت التجربة لأنه تم العثور على تغييرات إحيائية في الخلايا. ربما يكون من الممكن التغلب على هذه المشكلات، لكن أي خلية بالغة تتم إعادتها مجددًا إلى حالة أكثر شبابًا من خلال الهندسة الوراثية يتشوّه جينومها بطريقة أو بأخرى. 

ولم تعد الخلايا المستحثة وحدها مركز الاهتمام. في عام 2013، قدّم شوخرات ميتاليبوف، عالم أحياء إنجابية في جامعة أوريغون للصحة والعلوم، حلًّا للمشكلة الصعبة المتعلّقة بكيفية إنشاء خلايا جذعية جنينية بشرية. وتبيّن أن إضافة القليل من الكافيين في الوقت المناسب لوقف تطور البويضات بسرعة كبيرة أمر حاسم. وتبيّن له أن خلايا النقل النووي الجذعية الجينية تُعتبر المعيار الذهبي، ربما لأن الهلايا المستحثة تحتفظ بذكريات "لا جينية" من ماضيها المتميز.

الخيار الواعد

بعد 16 عامًا على انبهار العالم بدوللي، تمّ اكتشاف تقنية لاستنساخ الأجنة في المختبر. لكنّ النقل النووي لا يزال صعبًا وإنشاء أجنة مستنسخة لأغراض البحث أو العلاج يبقى غير مقبول أخلاقيًا، ومحظور في بعض البلدان، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وروسيا. في أماكن أخرى، مثل أميركا، ليس هناك تنظيم شامل، ما يسبب مشكلات معيّنة. وحتى في أماكن مثل بريطانيا واليابان، حيث يُسمح ذلك، فالحصول على إذن يستغرق وقتا ومجهودًا.

إضافة إلى ذلك، قد لا تتطابق خطوط الخلايا المصنوعة بهذه الطريقة مع الجهاز المناعي للمريض بالقدر الذي تتطابق فيه عند استعمال علاج خلايا مسحثة من المريض نفسه. وقد استخدم باحثون في ViaCyte في سان دييغو، كاليفورنيا، خلايا جذعية مشتقّة من أجنّة التلقيح الاصطناعي لإنشاء خلايا بيتا منتجة للأنسولين وتعالج مرض السكري من النوع الأول. واستبق الباحثون الأمور، وعرفوا أنّه عند وضع الخلايا في جسم المريض، ينبغي أن تكون مغلفة بشبكة بلاستيكية لحمايتها من الجهاز المناعي. قد تنجح هذه الطريقة في بعض الحالات.

لهذه الأسباب، يشعر كثيرون أن خلايا IPS المستحثة، مهما كانت شوائبها، هي الخيار الواعد للعلاجات المستقبلية. 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إيكونوميست". الأصل منشور على الرابط الآتي:

http://www.economist.com/news/briefing/21717028-twenty-years-ago-world-met-first-adult-clone-sheep-called-dolly-her-legacy-lives