مع نهاية موسم الصيف السياحي في أوروبا وعودة الألمان والانكليز وغيرهم إلى مدنهم الممطرة بعد متعة قصيرة في الجنوب، حيث الشمس والبحر، أراد الباحثون الألمان معرفة أسباب إصابة 20 في المئة منهم بالرشح.

إيلاف من برلين: يصاب السيّاح العائدون من البلدان السياحية الحارة بالتهابات الجهاز التنفسي، وخصوصًا الجزء العلوي منه. ويبدو أن السبب لا يكمن في الرحلة الجوية السريعة من الحر إلى البرد، أو في أنظمة التكييف، كما هو الاعتقاد الشائع.

تشير دراسة ألمانية جديدة، نشرت في مجلة "الصيدلي"، إلى أن التهابات الجهاز التنفسي المكتسبة في رحلات الطيران ليست ناجمة من أجهزة التكييف في الطائرات كما هو شائع، وإنما من الجلوس المتقارب لعشرات الركاب من بعضهم البعض على متن الطائرة.

تكشف الدراسة التي أجريت على السيّاح في الموسم المنصرم أن 20 في المئة منهم أصيب بالرشح نتيجة التحليق في الفضاء بمعية هذا الحشد الكبير من الركاب والمضيفات والمضيفين. تشمل هذه الالتهابات المسافرين، كما تشمل طاقم الطيران والضيافة.

وتعتبر الدراسة أنه من الطبيعي أن يفضّل الناس السفر بالطائرات على غيرها، لأنها أسرع واكثر أمنًا من وسائط النقل الأخرى، إلا أن الارتفاع في الجو لا يسبب تخلخل الضغط، ويزيد مخاطر الإصابة بالجلطات العميقة في الساق فحسب، وإنما يحوّل متن الطائرة إلى قاعة نوم جماعي لأناس يعانون من مختلف الحالات والأمراض، ناهيكم عن الإصابة بالغثيان أو الدوار أو الزكام.

ترطيب الأغشية المخاطية
يقول الدكتور توماس فيتيغ، رئيس قسم الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى بول بوسكامبف، الذي أجرى الدراسة، إن استطلاع آراء أطباء نقابة الأنف والأذن والحنجرة يثبت أن 50 في المئة من الأمراض التي يصاب بها الطيارون والمضيفات والمضيفون هي أمراض الأنف والأذن والحنجرة.

على هذا الأساس، من الممكن اعتبار التهاب أغشية الأنف المخاطية، والتهابات الحنجرة واللوزتين، من أمراض مهنة الطيران ورعاية المسافرين جوًا. ويبدو أن الإصابات داخل الطائرات تنتقل أفقيًا أسهل منها عموديًا، لأن الجراثيم تنتقل عرضيًا إلى الركاب داخل كل صف من المقاعد.

تتعرّض أغشية الأنف والفم المخاطية للالتهاب، بسبب قلة رطوبة الجو في الطائرة، فجفاف هذه الأغشية يجعلها أكثر عرضة لتكاثر الفيروسات وباقي الجراثيم. وينصح الدكتور فيتيغ المسافرين، لهذا السبب، بشرب ما يكفي من الماء وترطيب أغشية الأنف باستخدام البخاخات الصغيرة.

انخفاض الرطوبة
تولى فيتيغ وفريق عمله قياس درجة الحرارة والرطوبة في الطائرة قبل إقلاعها وبعده، كي يتأكدوا من دور هذه العوامل في زيادة عرضة المسافر لالتهابات الجهاز التنفسي. 

ووجد الباحثون أن نسبة الرطوبة في جو الطائرة قبل الإقلاع انخفضت من 45 إلى 10 في المئة فقط بعد ساعة من الطيران، وبقيت عند هذا المستوى إلى حين انتهاء الرحلة وهبوط الطائرة. يعود انخفاض الرطوبة إلى طبيعة الهواء الجاف والبارد في الأعالي الذي تستخدمه أجهزة تكييف الطائرة في عملها.

طبيعي أن يستنفر خطر الالتهاب جهاز المناعة الجسدي، الذي يحرر المزيد من كريات الدم البيضاء والخلايا المناعية الأخرى، إلا أن هذا التفاعل المستحسن يؤدي بدوره إلى إطلاق المزيد من الراديكالات الحرة في الجسم، وبالتالي إلى إضعاف دفاعات الخلايا القاعدة في الأغشية المخاطية.

بخاخات الأنف
ينصح فيتيغ باستخدام بخاخات الأنف المحتوية على العقار النباتي "ميرتول"، الذي يحمل الاسم التجاري (Gelomyrtol® forte)، لأن الدراسة أثبتت أن هذه المادة تتفاعل مع أغشية كرات الدم البيضاء، وتزيد فعاليتها من جهة، وتقلل فرز الراديكالات الحرة من جهة ثانية.

البخ في الأنف قبل الرحلة الجوية حل احترازي لتجنب زكام الطيران

يمكن للمسافر المعرّض أكثر من غيره للزكام أن يبدأ ببخ أنفه قبل فترة من موعد الإقلاع. يقول فيتيغ إن تقليل التوتر من الطيران يؤدي دورًا مهمًا، لأن التوتر كما هو معروف يضعف مناعة الجسم تجاه الالتهابات.

ويرجّح الباحث الألماني أن يلاحق توتر العمل الموظف والعامل في رحلته بسبب وسائل الاتصالات التقنية الحديثة وإصرار المدراء على أن يكون الموظف تحت تصرفهم خلال إجازته أيضًا.

توتر العمل في الإجازات
يحتاج الإنسان العامل، بعد فترة عمل طويلة، إجازة يُريح أعصابه فيها، لا أن يحرقها مجددًا بطلبات رئيس العمل. لكن ما يجري في اقتصاد اليوم هو أن العمل يلاحق الإنسان إلى ما وراء البحار أثناء فترة السياحة أيضًا.

في لقاء مع مجلة الصيدلي، استشهد فيتيغ باستطلاع لافت للنظر لموقع "لاست مينيت"، الذي ينظم للناس السفرات السياحية، توصل إلى أن أرباب العمل يلاحقون الموظفين بـ "توتر" أجواء العمل، وهم عراة على شواطئ البحر!، وهذا يزيدهم عرضة للرشح. 
وعبّر معظم الذين شملهم الاستفتاء عن تذمرهم بهذه الحالة، بمن فيهم الألمان، الذين عرف عنهم حبهم للعمل وجديتهم فيه. إذ قال 45 في المئة من الألمان إنهم يعملون ساعات إضافية، وهم في الإجازة السنوية مع عوائلهم خارج حدود الوطن. ووافق 75 في المئة منهم على إمكانية تسميتهم بـ "عمال الإجازات".

على اتصال دائم
يضيف فيتيغ أن القضية ما عادت تتعلق بعصر التكنولوجيا المتقدم، الذي صار يتيح لرب العمل الوصول إلى موظفيه في كل أرجاء العالم، من خلال الموبايل والكومبيوتر، هذا لأن 63 في المئة منهم اعترفوا بأن "المدير يطلب منهم أن يبقوا على اتصال دائم معه" في أثناء قضائهم الإجازات.

الأدهى من ذلك هو أن أرباب العمل ينفذون فعلًا "تعهداتهم"، وينغّصون فترة الإجازة على الموظفين بطلبات العمل. وذكرت نسبة 66 في المئة ممن شملهم الاستفتاء أن المدراء اتصلوا بهم فعلًا في أثناء الإجازات وكلفوهم بتأدية بعض الأعمال.