تشكو تونس منذ عدة أشهر أزمة في قطاع الأدوية شهدت تصاعدا مستمرا وأصبحت تثير مخاوف على قطاع الصحة ككل. ففي 28 يونيو 2018 أعلنت الجمعية التونسية لأطباء القلب والشرايين توقفها عن إجراء عمليات القلب المفتوح لعدم توفر دواء سولفات دو بروتامين. فماهي الأسباب الخفية لهذه الأزمة التي تطال قطاعا حيويا في البلاد؟

لاتزال أزمة النقص الحاد في الأدوية تشهد تفاقما في تونس وتثير المخاوف أكثر فأكثر لدى التونسيين الذين صاروا يبحثون عن بدائل للحصول على الأدوية دون الاعتماد على الصيدليات كإنشاء صفحات تضامن على مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن الأدوية المفقودة وفي أحيان أخرى للاستعانة بالتونسيين المقيمين في الخارج.

وفي تعليق لفرانس24، قالت معدّة أدوية في إحدى صيدليات ولاية المنستير التونسية وتدعى مريم -اسم مستعار-، إن هناك نقصا كبيرا في الأدوية في الصيدليات والمستشفيات في تونس، مشيرة إلى أن هناك أنواع أدوية اختفت كليا من الأسواق وإن أخرى موجودة بكميات محدودة جدا.

وحذرت مريم من خطورة هذه الأزمة، وقالت إن مرضى السكري أو ضغط الدم على سبيل المثال لا يمكنهم البقاء دون أدوية وأن ذلك يشكل خطرا كبيرا على صحتهم.


أزمة اجتماعية؟

وللرجوع على أسباب هذا النقص الحاد في الأدوية، قال نوفل عميرة نائب رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة في تونس لفرانس24 إن هذا النقص يعود بالأساس إلى الأزمة الاجتماعية التي تعاني منها البلاد حاليا والتي طالت، كغالبية المؤسسات العمومية، الصندوق الوطني للتأمين على المرض (الكنام).

وأوضح عميرة أن الكنام المسؤولة عن توفير الأدوية في تونس للقطاعين الخاص والعام صارت عاجزة اليوم عن دفع تكاليف هذه الأدوية في إشارة لأزمة ديون تعاني منها تجاه الصيدلية المركزية والمستشفيات بسبب نقص في السيولة.

من جانبه، نفى صالح حميدات المسؤول عن الإعلام والاتصال في الصندوق الوطني للتأمين على المرض أن يكون الصندوق مسؤولا عن هذه الأزمة.

وأشار حميدات إلى أن تعديل قانون المالية الذي تمت المصادقة عليه في آب/أغسطس 2017 يسمح للكنام باقتطاع المساهمات الاجتماعية مباشرة من الأجور، ما ساعدها على الخروج من أزمتها المالية وتسديد ديونها.

وأشار حميدات إلى أن "الكنام" مازال يقوم بدوره على أحسن وجه ويتكفل بتغطية مصاريف الخدمات الطبية من بينها التغطية الكاملة لمصاريف علاج الذين يعانون من الأمراض المستعصية.

عصابات تهريب وراء الأزمة؟

وفي حديثها لفرانس24، قالت معدّة الأدوية مريم إن نقص الأدوية الحاد يشمل تلك المستوردة ومحلية الصنع على حد سواء. وأشارت إلى أن العديد من المخابر التي تنتج الأدوية في تونس تدعي نفاذ منتوجها دون مبرر، ومن هنا يأتي احتمال أن يكون هناك تسريب للأدوية بطريقة غير شرعية.

وهو ما أكده تصريح لأيمن المكي المدير العام للصيدلية المركزية، الإدارة المسؤولة عن انتظام توفر الأدوية في البلاد، الذي قال لإذاعة موزاييك إف إم الخاصة إن أسعار الأدوية في تونس مدعومة من قبل الصيدلية المركزية ما يجعل سعر الأدوية في تونس أرخص من سعرها في بلدان مجاورة، وهذا ما يغذي فرضية تهريب الأدوية إلى الخارج.

وقال أيمن المكي إن الصيدلية المركزية تسعى حاليا لإيجاد حلول لهذه الأزمة وإنها لن تتوانى عن "ملاحقة عصابات تهريب الأدوية والتحايل على التونسيين وملاحقة المخابر الأجنبية التي أخذت صحة المريض التونسي والطبيب التونسي كرهينة".

كما قال المكي لوكالة الأنباء الفرنسية إن الأمر مجرد "اضطراب في بعض مراجع (الأدوية) المستوردة بواسطة مختبرات أجنبية لم تحصل على مستحقاتها"، لكنه أكد "لدينا مخزون من الأدوية الاستراتيجية".

وقال المكي إن "عدم تسديد مستحقات هذه المختبرات التي قررت تقليص عمليات التسليم" سببه الصعوبات المالية التي يعاني منها صندوقا الضمان الاجتماعي والصيدلية المركزية التونسية.

ولفت المكي إلى أن "الاضطراب تفاقم في الأسابيع الأخيرة بسبب فترة تجاذبات (سياسية) شهدتها البلاد".

من جانبها، امتنعت وزارة الصحة التونسية عن التعليق على الأزمة في اتصال لفرانس24. ويذكر أن وزير الصحة التونسي عماد الحمامي صرح نهاية الأسبوع الماضي لإذاعة موزاييك إف إم أن الأدوية متوفرة في تونس. مضيفا "أنا أيضا لجأت إلى الصيدلية من أجل الحصول على دواء ولم أجده ونظرا لضيق الوقت طلبت من سائقي البحث عنه ووجده عند أول صيدلية".

واستدعى ذلك ردود فعل ساخرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث طالب بعض المستخدمين الوزير بإعطائهم رقم هاتف سائقه لكي يجد لهم الأدوية.
&