&
في اعقاب دعوة السعودية لمحمد جواد ظريف لزيارتها، علمت إيلاف أن الرياض اعتذرت مرارًا في السابق عن عدم استقبال الرئيس الإيراني، وأن ملفات كثيرة قد انجزت قبيل الزيارة الإيرانية المرتقبة.


&
دبي: منذ وقعت إيران والولايات المتحدة الاتفاق المبدأي لحل أزمة الملف النووي الإيراني في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لم يغادر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مناسبة إلا وانتهزها لإظهار حسن النية الإيرانية تجاه المملكة العربية السعودية، مؤكدًا استعداده لزيارة الرياض متى استطاع إليها سبيلًا.
غير أن السعودية التزمت الصمت في العلن حيال هذه المبادرات الإيجابية، متوجسة من خلفيات التسارع في الانفتاح الأميركي الغربي على إيران، الذي افتتحته المكالمة الهاتفية الشهيرة بين الرئيس الميركي باراك أوباما ونظيره الإيراني حسن روحاني.
إلا أن الأمور صارت أوضح في عيون القيادة السعودية، بعد زيارة أوباما الأخيرة إلى الرياض، ولقائه الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، وتأكيده ان ليس ثمة ما يقف حجر عثرة أمام تعزيز التحالف القديم والوطيد بين واشنطن والرياض.
&
مستعدون للتفاوض
تترجمت الراحة السعودية من جانب الاتفاق الإيراني الأميركي على أكثر من سبيل، آخرها تصريح وزير الخارجية السعودي، الامير سعود الفيصل، الثلاثاء في الرياض، إذ أكد أن المملكة وجهت دعوة لظريف لزيارتها، موضحًا أن الرياض على استعداد للتفاوض مع طهران. وقال الفيصل، خلال مؤتمر صحافي على هامش منتدى التعاون بين العالم العربي وآسيا الوسطى: "نرغب في استقبال وزير الخارجية الإيراني، فإيران جارة، لدينا علاقات معها، وسنجري مفاوضات معها".
تابع: "سنتحدث معهم، فإذا كان هناك خلافات نأمل تسويتها بما يرضي البلدين، كما نأمل أن تكون إيران ضمن الجهود المبذولة لجعل المنطقة آمنة ومزدهرة، وأن لا تكون جزءًا من مشكلة انعدام الامن في المنطقة"، مشيرًا إلى التعبير عن الرغبة في اعادة الاتصالات بين البلدين، عبر عنها الرئيس الايراني ووزير خارجيته".
وأردف الفيصل قائلًا: "أرسلنا دعوة لوزير الخارجية الإيراني لزيارة السعودية، لكن العزم على القيام بالزيارة لم يتحول إلى واقع بعد، وسنستقبله في أي وقت يراه مناسبًا".
لكنه في الآن نفسه وجه كلامًا مواربًا إلى إيران، فأكد أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى يزيد من تفشي ظاهرة الإرهاب، "التي تعود بالضرر على الجميع، ما يتطلب تعاون الجميع للتصدي له، والكف عن التدخل في شؤون الدول الداخلية".
&
اعتذرت مرارًا

بالرغم مما يشكله هذا الكلام من مفاجأة، خليجيَا وإقليميًا، إلا أنه لا يخفي أن الاتصالات لم تنقطع يومًا بين إيران والسعودية.
وفي معلومات خاصة بـ "إيلاف" في هذا الصدد، كان ثمة أقنية مفتوحة دائمًا بين الرياض وطهران، إحداها قناة كويتية كانت تشكل بؤرة الحرص على استمرار التفاهم، وما زالت. ومع أن خط التماس السعودي - الإيراني ما زال مرسومًا وملتهبًا، من مضيق هرمز خليجيًا إلى حمص وحلب إقليميًا، إلا أن التقارب كان واردًا في أي لحظة، تماشيًا مع المتغيرات الدولية.
تقول مصادر لـ"إيلاف" إن الرياض اعتذرت مرات عدة عن عدم استقبال الرئيس الإيراني حسن روحاني بحجج مختلفة، وإن الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاي شكل إحدى الحلقات المربحة للجانب السعودي، خصوصًا أنه يجاهر بآرائه المعتدلة، منذ وصول روحاني إلى السلطة، وترى فيه السعودية صوتًا عاقلًا في الغابة الإيرانية. ويمكن البناء على هذه المعلومات الخاصة لتفهم القبلة التي طبعها عبد الرحمن بن غرمان الشهري، السفير السعودي لدى إيران، على رأس رفسنجاني في أواخر آذار (مارس) الماضي، واثارت سخطًا شعبيًا سعوديًا عارمًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
&
توازن الرعب
ولمن يسأل: "ماذا حصل الآن لتنقلب العداوة إلى صداقة؟"، ربما يكمن الجواب في مناورات "سيف عبدالله" السعودية الأخيرة. ففيها، استعرض السعوديون قوتهم الصاروخية، ممثلة بصواريخ "رياح الشرق" التي يصل مداها إلى طهران وإلى تل أبيب، وممثلة أيضًا بحضور عسكري باكستاني رفيع المستوى، غذّى ما قيل عن نقل باكستان رؤوسًا نووية من صنعها إلى الرياض، يمكن لرياح الشرق أن تحملها حيثما يأمر خادم الحرمين الشريفين. ردت طهران باستعراض مماثل، فتبين للدولتين ميزان الرعب القائم على قشة، كل الخوف أن تقصم ظهر البعير، فتقع الواقعة. وهذا عجل فعليًا في سحب التوتر من التداول، ولعب ورقة التطبيع.
وتؤكد معلومات "إيلاف" إن هذا التطبيع بدأ قبل حين، ومستمر على قدم وساق، لإنجاز عشرات الملفات قبل أن يحل ظريف ضيفًا خفيفًا على الرياض.
&
تشكيك غربي
مقابل كل التفاؤل بتطبيع سعودي-إيراني وشيك، تشكك مصادر دبلوماسية غربية في حديثها لـ"إيلاف" بجدية التواصل الايجابي بين السعودية وإيران. وتلفت إلى أن الرياض ما زالت غير واثقة من جدية إيران في حل المشاكل العالقة، غير أنّ دعوة الفيصل لوزير الخارجية الإيراني لزيارة السعودية ليست سوى خطوة استباقية، تقطع الطريق على الأميركيين، الذين دأبت إيران بعد تقاربها الأخير معهم على اختلاق أجواء مفادها أن إيران منفتحة على الجميع، لكن انفتاحها يواجه مواقف خليجية متصلبة.
وتجسد الدعوة التي وجهتها السعودية لإيران نضج الدبلوماسية السعودية، كما تدحض ما يحاول الايرانيون تلفيقه من اجواء متوترة أمام الأميركيين. كما تمنع الأميركيين من استخدام إيران "فزاعة" لإخافة دول المنطقة.
وتقول هذه المصادر لـ"إيلاف" إن الإيرانيين سيقبلون الدعوة السعودية فورًا، ومن دون تحفظ، فهم يرون في الانفتاح على السعودية، ولو كان صوريًا، طوق نجاة من الضغوط الدولية المفروضة عليهم، وتنفيس لما يسميه الاعلام الغربي حربًا باردة بين الماردين الاقليميين.
&
سوريا الساخنة
لتنجح هذه الزيارة، متى حصلت، ثمة ملفات ساخنة جدًا ينبغي أن تجد من يطفئها، على رأسها ملف الأزمة السورية، التي يرى الكثير من المراقبين الأوروبيين أنها تحولت إلى حرب بالوكالة بين السعودية وإيران.
ويقول توربيورن سولفيدت، المحلل الرئيسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة مابلكروفت الاميركية لتقدير المخاطر: "نرى ما يشبه سيناريو الحرب الباردة بين إيران والسعودية، وأعتقد أن التوتر ربما يزداد سوءًا في السنوات القادمة، ما يعد عاملًا محتملًا لزعزعة الاستقرار، قد يؤدي إلى تحولات في السياسة". غير أن توصيف الحرب الباردة لا يتماشى كثيرًا مع الحقيقة. فبالرغم من الدعم الذي تقدمه الرياض لبعض كتائب وألوية المعارضة السورية، وخصوصًا المعتدلة منها والمنضوية تحت قيادة الجيش السوري الحر، إلا أن هذا الدعم ليس سوى نقطة في بحر الدعم المتدفق من إيران إلى النظام السوري، بلغ تهديد إيران بإرسال الآلاف من الحرس الثوري للقتال إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد، وباعترافها بإنشاء حزب الله السوري، ما يقلب الصراع من ثورة إلى حرب شيعية سنية فعلية. وفي هذا، يحسب للرياض قرارٌ ملكي أخير، يمنع خروج السعوديين للقتال في سوريا.